ألجأ بين الحين والآخر إلى قراءة التراث المروي والمكتوب، بعضه فيه الحكمة وبعضه فيه (العبط)، وأظن والله أعلم أن فيه الكثير من الكذب أو التلفيق.
وإليكم ما جاء في باب (الرزق)، والحادثة الأولى تدل على (العبط أو الغباء): -
قال الأصمعي: أقبلت ذات مرة من مسجد البصرة إذ طلع أعرابي جلف جاف على قعود له، متقلدًا سيفه وبيده قوسه، فدنا وسلم وقال: ممن الرجل؟ قلت: من بني الأصمعي، قال: ومن أين أقبلت؟ من موضع يتلى فيه كلام الرحمن، قال: أو للرحمن كلام يتلوه الآدميون؟ قلت: نعم، قال: فاتلُ عليّ منه شيئًا.
فقرأت: (والذاريات ذروا) إلى قوله تعالى: (وفي السماء رزقكم).
فقال: يا أصمعي حسبك، ثم قام إلى ناقته فنحرها، وقطعها بجلدها، وقال: أعنّي على توزيعها، ففرقناها على من أقبل وأدبر، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما، ووضعهما تحت الرحل وولى نحو البادية وهو يقول: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) فمقت نفسي ولمتها، ثم حججتُ بعد مدة مع الرشيد، فبينما أنا أطوف إذا أنا بصوت رقيق، فالتفتُ فإذا بالأعرابي وهو ناحل مصفر مسلّم عليّ، وأخذ بيدي، وقال: اتلُ عليّ كلام الرحمن، وأجلسني من وراء المقام فقرأت: (والذاريات) حتى وصلت إلى قوله تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون)، فقال: الأعرابي: لقد وجدنا ما وعدنا الرحمن حقًا، هل غير ذلك؟
قلت: نعم يقول الله – تبارك وتعالى - : (فوربِ السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون)، فصاح الأعرابي وقال: يا سبحان الله من الذي أغضب الجليل حتى حلف؟ ألم يصدقوه في قوله حتى ألجأوه إلى اليمين؟ قال ذلك ثلاثًا، ثم خرجت بعدها روحه ومات.
أما الحادثة الثانية: فيحكى أن ابن أبشاذ النحوي كان يومًا على سطح جامع مصر، وهو يأكل شيئًا وعنده ناس فحضرهم قط، فقدموا له لقمة فأخذها في فمه وغاب عنهم ثم عاد إليهم، فرموا له شيئًا آخر ففعل كذلك، وتردد مرارًا هم يرمون له وهو يأخذه ويغيب ثم يعود من فوره حتى عجبوا من ذلك القط، وعلموا أن مثل هذا الطعام لا يأكله وحده لكثرته.
فلما شكّوا في أمره تبعوه فوجدوه يصعد إلى حائط في سطح الجامع، ثم ينزل إلى موضع تجاه بيت خراب، وفيه قط آخر أعمى وكل ما يأخذ من الطعام يحمله إلى ذلك القط، ويضعه بين يديه وهو يأكله، فعجبوا من تلك الحال، فقال ابن أبشاذ: إذا كان هذا حيوانًا أخرس قد سخر الله له هذا القط وهو يقوم بكفايته ولم يحرمه الرزق فكيف يضيع مثلي؟!
TT
وفي السماء رزقكم
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة