ماكس هاستينغز
بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

التوقعات بشأن أمن الديمقراطيات الغربية تبدو قاتمة

أستمع لملخص

في أوائل القرن التاسع عشر، عندما كانت بريطانيا تحكم البحار وتمول جميع صراعات أوروبا ضد نابليون، كانت هناك أغنية إنجليزية شهيرة تقول: مَن يدفع الثمن؟

فيقول جون بول (وهو شخصية كاريكاتيرية ترمز للمملكة المتحدة والرجل الإنجليزي): أنا أي شخص يلعب دور الأحمق... أنا أدفع الثمن!

ولكن على مدى السنوات الثمانين الماضية، كان أي شخص «يلعب دور الأحمق» على الساحة العالمية، كانت الولايات المتحدة هي التي تدفع الثمن.

وفي حين يرفض أنصار حركة «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (MAGA) قبول حقيقة أنَّ ممارسة القيادة في الديمقراطيات قد خدمت المصالح السياسية والاقتصادية الأميركية، فإن معظم خبراء الاقتصاد يعتقدون أن الهيمنة على حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتكاليفه، لم تكونا عبئاً سلبياً على الولايات المتحدة.

ومع ذلك، حتى لو افترضنا أن هذا كان صحيحاً، فإنه من المؤكد أن هذه الحقبة قد باتت في طريقها للانتهاء، إذ يبدو أن أوروبا تستعد لحياة جديدة اليوم، كما أنها بالتأكيد أصبحت أبعد ما تكون عن الولايات المتحدة من أي وقت مضى منذ الهجوم على بيرل هاربور في ديسمبر (كانون الأول) 1941.

وعلى الرغم من أنه من المرجح أن يستغرق الأمر عدة أشهر قبل أن نعرف التفاصيل، أو إلى أي مدى قد يصبح الانقسام الاستراتيجي بين القارتين، فإن الصورة الكبيرة تبدو واضحة.

وفي حال نفذ الرئيس الأميركي المُنتخَب دونالد ترمب وعوده بالعمل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإغلاق ملف حرب أوكرانيا، فإن مستقبل حلف شمال الأطلسي والأمن الجماعي للغرب سيكون قاتماً.

لقد ولّت الأيام التي كان الأوروبيون ينظرون فيها إلى الولايات المتحدة باعتبارها درعهم، ومن المرجح أن يثبت أن الرئيس الأميركي جو بايدن كان آخر رئيس للولايات المتحدة ينظر إلى أمن القارة الأوروبية باعتباره مصلحة حيوية، بل وحتى كأهم مصلحة خارجية للولايات المتحدة، كما أنه من المتوقع أن تهيمن المواجهة الاستراتيجية مع الصين على عملية صنع السياسات في واشنطن خلال السنوات المقبلة.

ويعتقد بعضنا أن ترمب يرتكب خطأ كارثياً بسبب حماسه غير المفهوم لبوتين، إذ إنه يتعهد بتقليص الدعم لأوكرانيا، بل وحتى لحلف شمال الأطلسي، ولكن القضية العالمية الكبرى الوحيدة التي قدم فيها الرئيس المُنتخَب حجة قوية وعقلانية هي إدانة الأوروبيين الغربيين لفشلهم في تحمل نصيبهم من عبء الدفاع بشكل عادل.

إذ إنه يعد أمراً مخزياً أن تنفق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي القليل جداً فقط على أمنها الخاص، فعلى سبيل المثال، تخصص إسبانيا حالياً 1.8 في المائة فقط من ناتجها المحلي الإجمالي لقواتها المسلحة، وتزعم بريطانيا، التي باتت خارج الاتحاد الأوروبي الآن، ولكنها لطالما كانت تقليدياً زعيمة أوروبا في مجال الدفاع، أنها تنفق 2.3 في المائة، لكن هذا الرقم يشمل بنوداً مثل المعاشات العسكرية، التي لا تسهم بأي شيء في توفير وتسليح وتجهيز الجنود للقتال على الجبهة الأمامية.

فقط دول أوروبا الشرقية، خصوصاً بولندا، التي ضاعفت ميزانية قواتها المسلحة بأكثر من الضعف خلال عقد من الزمان، بالإضافة إلى الدول الإسكندنافية، هي التي تقوم بزيادة إنفاقها الدفاعي بشكل كبير في مواجهة العدوان الروسي.

وفي عام 2017، تعهدت دول الاتحاد الأوروبي بتنفيذ برنامج مشترك كبير لشراء الأسلحة والذخيرة، ولكن من المؤسف أن القليل من هذا تم تحقيقه.

أما فيما يتعلق بالدعم الأوروبي لأوكرانيا، فقد كتبت عدة مرات أنه من دون الولايات المتحدة، فإن قضية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سيكون محكوماً عليها بالفشل.

ولكن يتعين على الحكومات الأوروبية أن تستمر في بذل كل ما في وسعها للحفاظ على علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة، وأن تقنع إدارة ترمب الجديدة بأن الاستمرار في قيادة حلف شمال الأطلسي يصب في مصلحة أميركا بقوة.

ومع ذلك، فإنه إذا كانت الدول الأوروبية تريد أن تتحلى بالحكمة، فإنه تجب عليها أيضاً زيادة إنفاقها الدفاعي ودعمها لأوكرانيا، تحسباً لأي تخفيضات أميركية محتملة. ومن المؤسف أن قادة الدول الأوروبية الكبرى ليسوا في أفضل حالاتهم الآن، بل إنهم يمرون بأوقات مروعة للغاية.

وقد كانت بريطانيا، تقليدياً، هي التي تقود القارة الأوروبية داخل حلف شمال الأطلسي، لكن هذا لم يعد صحيحاً في عالم ما بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.

وتحتاج أوروبا إلى بعض القادة الذين يمكنهم الصراخ من فوق أسطح المنازل ليقولوا لشعوبهم إنه لم يعد بإمكانهم اعتبار الأمن مجرد خيار إضافي بجانب القضايا الأساسية التي يهتم بها الناخبون مثل الهجرة، والرعاية الاجتماعية والخدمات الصحية، والاقتصاد. وفي عام 2024، خصصت حكومات الاتحاد الأوروبي مجتمعة 326 مليار دولار لميزانيات الدفاع، أي ما يقرب من ثلث الإنفاق الأميركي، الذي يغطي ثلثي ميزانية حلف شمال الأطلسي.

وعلى الرغم من التزام الاتحاد الأوروبي في عام 2017 بزيادة الإنفاق على معدات الدفاع المشتركة بنسبة كبيرة تصل إلى 35 في المائة، فإنه لم يتم تحقيق سوى نصف هذا الرقم حتى الآن. كما أن هناك صراعاً ينتظرنا لإقناع الجمهوريين المؤيدين لحركة «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (MAGA) بأنه على الرغم من أن الولايات المتحدة تظل الدولة الأقوى في العالم، فإنها أيضاً بحاجة إلى حلفاء، ونحن جميعاً أيضاً بحاجة إلى ذلك.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»