عادل درويش
صحافي معتمد في مجلس العموم البريطاني، وخبرة 55 عاماً في صحف «فليت ستريت». وكمراسل غطى أزمات وحروب الشرق الأوسط وأفريقيا. مؤرخ نشرت له ستة كتب بالإنجليزية، وترجمت للغات أخرى، عن حربي الخليج، و«حروب المياه»؛ أحدثها «الإسكندرية ، وداعاً: 1939-1960».
TT

«العمال» وتهديد العلاقة الأنغلوأميركية

استمع إلى المقالة

حزب العمال البريطاني بزعامة رئيس الوزراء كير ستارمر متهم بالتدخل في سير الانتخابات الرئاسية الأميركية، ويخشى عقلاء بريطانيا إفساد العلاقات مع الحليف الأول حال فوز دونالد ترمب بالرئاسة الشهر القادم، وخاصة أن وزراء يساريين (كوزير الخارجية دافيد لامي) سبق أن نعتوا الرئيس الأميركي الخامس والأربعين بكلمات لا تليق بساسة مسؤولين.

وبجانب الانتقادات وانخفاض شعبية ستارمر (- 26 نقطة سلبية) في زمن قياسي من انتخابه، بسبب القلق من سياساته الاقتصادية الاشتراكية، وتأخر إعلان الموازنة، ومتوقع أن تؤدي إلى هروب آلاف المستثمرين من البلاد؛ تتعالى الهمسات في الدوائر الدبلوماسية بعدم كفاءة فريق لامي؛ فبدوره يسبب التوتر مع الحلفاء، والإحراج مع بلدان الكومنولث.

في أبيا في ساموا بالمحيط الهادئ، حيث تلتقي أمس واليوم البلدان الـ56 في القمة الـ27 برعاية رئيس الكومنولث، الملك تشارلز الثالث، تواجه بعثة ستارمر تحدياً يهدد بشق وحدة عائلة الكومنولث بعد نمو تيار راديكالي بين ساسة عدد من المستعمرات البريطانية السابقة، يطالبون بتعويضات عما يدَّعيه اليسار الناشط من «دور بريطانيا السابق في تجارة العبيد». ورغم أن بريطانيا لعبت الدور الأول والأكبر في إنهاء تجارة العبيد منذ ثلاثينات القرن التاسع عشر، ونشطت البحرية الملكية (وسقط منها ضحايا) في القضاء على تجارة العبيد؛ فإن المطالبين بتعويضات تتجاوز تريليونات من الدولارات يشيرون إلى تصريحات وزير الخارجية لامي عندما كان «العمال» في المعارضة، يطالب فيها بهذه التعويضات من «البلدان الاستعمارية»، بما فيها بلده الذي يمثله اليوم كوزير للخارجية.

وبجانب نقص الكفاءة وقلة الخبرة (مثل وزيرة المالية راتشيل ريفز بادعاء أنها كانت خبيرة اقتصادية في بنك أسكوتلندا، واتضح من التحقيق في السجلات أنها كانت مجرد مساعدة لأحد الإداريين لا الاقتصاديين)؛ فإن طغيان الآيديولوجيات الاشتراكية واليسارية (بعضها متطرف) على تفكير عدد من الوزراء، يدفعهم إلى الاندفاع في سياسات، والتفوه بتصريحات ينقصها الحكمة، وكأنهم ما زالوا في المعارضة وليسوا في الحكم مسؤولين عن اقتصاد البلاد وأمنها وسلامة الناخبين الذين يمثلونهم.

نقص الخبرة وسيطرة الآيديولوجيا يدفعان بعض الوزراء العماليين إلى تناسي عوامل جديدة في عصر المعلومات، كانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة البحث على الإنترنت، مما يدفع إلى الواجهات الإعلامية بتصريحات ومواقف من الماضي تحرجهم، والحكومة مسببة مشاكل دبلوماسية على الساحة الدولية، كالأزمة مع الحزب الجمهوري الأميركي، واتهام «العمال» بالتدخل في مسيرة الانتخابات الرئاسية. مشاركة «متطوعين» اشتراكيين ويساريين من أعضاء حزب العمال في دعم ومعاونة الحزب الديمقراطي في انتخابات الكونغرس أو الرئاسة الأميركية ليست بجديدة، وإنما مستمرة منذ سنوات لمشاركة تيارات في الحزبين على جانبَي الأطلسي أفكار حركات مثل «الاشتراكية الدولية» و«الطريق الثالث» و«الأممية الاشتراكية»، وداخلها تيارات متطرفة لا تعترف بحدود الدولة القومية.

الفارق أنه في الانتخابات الأميركية السابقة (آخرها انتخابات الكونغرس في 2022) كان «العمال» في المعارضة وليس حزب الحكومة. وسياسة «حكومة جلالة الملك» الثابتة هي عدم التدخل في الشؤون الداخلية (كسير الانتخابات، والقضاء، والحركات النقابية) لبلدان أخرى، ناهيك من بلدان صديقة كالحليف الأول عبر الأطلسي. الأسبوع الماضي ظهرت تغريدة على منصة «إكس» لصوفيا باتيل، رئيسة قسم العمليات في حزب العمال، تعلن عن عشرة أماكن إضافية للحاق بـ100 من «العاملين» (التعبير «Labour Party Staff» يعني عاملين مدفوعي الأجر وليسوا مجرد «أعضاء» في الحزب) في طريقهم إلى شمال كارولينا، ونيفادا، وبنسلفانيا، وفيرجينيا (ولايات أميركية متأرجحة ترجح كفة أحد المرشحين)، ووعدت بتوفير التكاليف والإقامة، ونشرت عنوان المراسلة بريداً إلكترونياً للراغبين اسمه «العمال لدعم كامالا (هاريس)». ولا يحتاج الأمر لمحامين دوليين أو دستوريين، وفذلكة ومناورة الساسة الكلامية، للالتفاف حول اتهام الجمهوريين لحزب حكومة صديقة بالتدخل في سير الانتخابات.

موقف الزعيم البريطاني زاد الأمر تعقيداً، ويهدد بالفعل العلاقات الأنغلوأميركية في حال انتخاب ترمب رئيساً؛ فإجابة ستارمر على استفسارات الصحافيين، بشأن تغريدة المسؤولة عن النشاط العملي للحزب، حاولت التقليل من الأمر، قائلاً إنه التقى ترمب في نيويورك الشهر الماضي، وإنه ليس جديداً أن يتطوع أعضاء من «العمال» لمساعدة المرشحين الأميركيين.

والسؤال: أيهما أسوأ لستارمر، أن يشارك يسار الحزب موقفهم المعادي لترمب والجمهوريين، أم أنه زعيم ضعيف غير قادر على فرض الانضباط على حزبه؟

فالمعتاد في سوابق كهذه، إقالة المسؤولة عن الخطأ فوراً، وتصريح علني بعدم التدخل في شؤون أميركا الداخلية.