لطفي فؤاد نعمان
كاتب وباحث سياسي يمني
TT

صورة قاتمة... وسلام خامل

استمع إلى المقالة

فيضانات. كوارث طبيعية، ومخاطر بيئية. أوبئة وأمراض ومجاعة. مئات آلاف الضحايا. نسيج اجتماعي ضعيف. تقويض خدمات عامة. تعثر فصل اليمن عن التصعيد الإقليمي. حرب بنوك. انهيار اقتصادي، وأخيراً اعتقالات لموظفين يمنيين بالمنظمات الدولية في انتهاك صارخ لامتيازات وحصانة الأمم المتحدة في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله - (الحوثيين).

هذه «الصورة القاتمة» لآثار «النزاع»، كما يصفها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، التقطها وأدرجها ضمن سطور إحاطته الثالثة والعشرين أمام مجلس الأمن لدى اجتماعه يوم الخميس 15 أغسطس (آب) 2024.

التقط الصورة نفسها قبل سبعين سنة القاضي محمد محمود الزبيري: «جهلٌ وأمراضٌ وظلمٌ فادحٌ، ومخافةٌ ومجاعةٌ وإمامُ!».

وفي إحاطته الأولى في سبتمبر (أيلول) 2021 قال: «إن تاريخ اليمن المبهر من تجارة وثراء ثقافي وتنوع» يثير إعجابه.

من يؤكد ما إذا كان الفعل السياسي اليمني الراهن الذي يبرز «الصورة القاتمة» يثير إعجابه أم عجبه؟ لا عجب!

على أنها الأيامُ قد صرن كلها عجائبَ حتى ليس فيها عجائبُ

وكم من عجيبة يمنية تملأ سِفر «اليمننة»؛ وتوثقها كل إحاطة.

مذ شرع مبعوثو الأمم المتحدة في تشخيص الوضع اليمني بالهشاشة في 2011 إلى اليوم، وهذه «الهشاشة» تغطي الشاشة وتشكل حافزاً لتغيير «قناة الحرب والأزمة» وتبديلها إلى «قناة السلام والانفراج» وضبط «التردد» على «تسوية سياسية شاملة» لكل القضايا، أكان التزاماً بالمرجعيات الثلاث كما يتغنى بها طرف، أم بتجاوزها كما تتمنى أطراف أخرى.

بموازاة جهود مكتبه في التواصل الخلاق مع مختلف الأطياف المجتمعية من نساء وشباب، فإن المبعوث غروندبرغ بحكم مهمته التي تفرض احترام الأطراف كافة والتعامل معها بصفتها، وحال تعاطيه مع القضايا والشؤون اليمنية المعقدة، يتوخى تجنب «التصنيفات للأطراف اليمنية التي يتعامل معها» (مؤتمر صحافي - يوليو/ تموز 2024)... من دون أن يتجاوز وقائع تمس حصانة الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى كتعرض موظفيها لحملة اعتقالات مكثفة مؤخراً، فيدعو الجماعة إلى «التصرف بمسؤولية ورأفة تجاه المواطنين والمواطنات في بلدهم، والإفراج الفوري غير المشروط عن الموظفين جميعاً...»!

تزداد الممارسات العجيبة، ولا يتناقص تركيز المبعوث على عدم الخروج عن طور مهمته، فتبقى «قنوات الاتصال مفتوحة». كما يَحتمل حملات التعريض بوساطته وتصويره منحازاً لطرف معين، بينما ينحاز لمهمته. لكن مصير كل مبعوث يدخل اليمن أن يخرج «منعوثاً» بالأحكام الجائرة. فلا يرضى عنه الطرفان حتى يتبعهما في آن.

«دعونا لا نخدع أنفسنا...»، هكذا أعلن في ثاني إحاطة، مدركاً أن «المهمة شاقة ومعقدة ستستغرق وقتاً، لكنها ضرورة حتمية». اتبع منهجاً عملياً هادئاً تسنده فيه الدول الفاعلة؛ خصوصاً المملكة العربية السعودية لما لها من «دور محوري» لا يَني المبعوث - حتى آخر إحاطة - عن التنويه به منذ إحاطته السابعة في أبريل (نيسان) 2022، لِما لها ولسلطنة عمان من «أدوار بالغة الأهمية» و«جهود حثيثة» في التوصل للإنجاز الملموس المتمثل في «الهدنة» الممتدة من 2022 حتى الآن، فمهدت «الطريق» إلى «خريطة الطريق» التي تغطس مؤقتاً في البحر الأحمر.

كل الجهود المتسقة إقليمياً وأممياً للتحول من حالة «سلام خامل» تعكسه «صورة قاتمة» إلى «سلام فاعل» ستبرزه صورة مشرقة، يُتوّج بما يدركه معظم اليمنيين وإن تجاهله بعض اليمنيين؛ وهو ما وجهه المبعوث الأممي غروندبرغ في إحاطته الأخيرة من «دعوة إلى الأطراف اليمنية مجدداً، و(أنصار الله) على وجه الخصوص، لوضع مصالح اليمنيين في مقدمة أولوياتهم». وأقول لهم: «إن مسؤوليتهم الأولى والأخيرة تتعلق باليمن، وعلينا أن نعيد التركيز إلى اليمن، والعثور على حلول لمشكلات اليمن».