وليد خدوري
كاتب اقتصادي عراقي من أوائل الصحافيين العرب المختصين في رصد أسواق الطاقة وشؤون النفط. حاصل على شهادة الدكتوارة من الولايات المتحدة، ويمتلك خبرات واسعة في الصحافة والنشرات المتخصصة. كما عمل في منظمة "أوابك" وتدريس العلاقات الدولية.
TT

الإجراءات الاحترازية لقطاع الطاقة الإسرائيلي في الحرب

استمع إلى المقالة

نشرت دورية «ميدل إيست إيكونوميك سرفي - ميس» المتخصصة بالقطاع النفطي الشرق أوسطي، دراسة مسهبة حول تأثير حرب غزة على قطاع الطاقة الإسرائيلي، والإمكانات الطاقوية المحتملة في حال استمرار الحرب فترة طويلة في غزة، ومن ثم تصعيد الحرب.

أدناه استعراض مختصر للدراسة المنشورة الأسبوع الماضي.

تشير الدراسة إلى أنه في حال تصاعد وتوسع الحرب ما بين إسرائيل و«حزب الله»، فإن الإجراءات الإسرائيلية المتوقعة هي «إيقاف العمل للمشاريع في حقول الغاز الثلاثة: لفيتان، وتامار، وكاريش». وتضيف أن الوقود البديل الممكن استعماله هو كل من بدائل الطاقة المستدامة، والفحم الحجري والنفط الخام، وقد تم توفيرها وتجهيزها.

من نافل القول إن قطاع الطاقة الإسرائيلي واجه صعوبات جمة منذ هجوم حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، ومن ثم الحرب الإسرائيلية على القطاع. وتقدّر «ميس» النفقات الإضافية لتوفير إمدادات النفط والغاز، بالإضافة إلى الخسائر الناجمة عن فقدان المبيعات للغاز نحو مليار دولار حتى نهاية شهر مارس (آذار) الماضي.

تدل معلومات «ميس» كذلك على أنه في حال توسع رقعة الحرب أو تصعيدها في حال تدخلت إيران، خصوصاً «الحرس الثوري» لمساندة «حزب الله» ستتجه إسرائيل إلى إغلاق حقولها الغازية المنتجة الثلاثة - لفيتان 1.2 مليار قدم مكعبة يومياً، وتامار 1.1 مليار قدم مكعبة يومياً، وكاريش 600 مليون قدم مكعبة يومياً.

من ثم، وفي حالة تصعيد وتوسع الحرب، فإن البدائل الإسرائيلية هي التحول من تغذية الغاز لتوليد الكهرباء، إلى الفحم والديزل والطاقات المستدامة بدلاً منه. هذا، رغم أن الغاز قد شكّل نحو 70.8 في المائة من الوقود لتغذية محطات الكهرباء الإسرائيلية في عام 2023، وقد أعلن وزير الطاقة إيلي كوهين أنه «تمت دراسة سيناريوهات متعددة ونقاشات مطولة لهذا الأمر منذ سنوات، وبالذات بعد 7 أكتوبر. والسيناريو الذي تم التوصل إليه، هو أن انقطاع كامل للكهرباء لمدة 48 ساعة هو أمر غير متوقع».

وفي حال توقف إمدادات الغاز الإسرائيلية، ستواجه كل من الأردن ومصر اللتين تعتمدان بنسب مختلفة على استيراد الغاز الإسرائيلي، تحديات صعبة.

ووفق «ميس»، فإنه «رغم أن الغاز زوّد 13 مليار قدم مكعبة لتوليد الكهرباء في إسرائيل عام 2023، أو نحو 71 في المائة من الطاقة الكهربائية، فإن الإمكانات الجهوزية للتحول إلى وقود آخر ستعني أن إسرائيل مكشوفة أقل في حال توقف إنتاجها للغاز عن مصر والأردن».

استطاع الأردن خلال السنوات الأخيرة تنفيذ خطوات مهمة في مجال تشييد الطاقات المستدامة، لكن لا يزال الأردن يعتمد على الوقود الأحفوري (الغاز بالذات) لتوليد الكهرباء بنسبة 80 في المائة. وتشكل إمدادات حقل «الريشة» المحلي نحو 8 في المائة من الإمدادات الغازية المستعملة لتوليد الطاقة الكهربائية، في حين أنه في عام 2023 تم استيراد نحو 98 في المائة من الغاز من إسرائيل، بالإضافة إلى شحنتين من الغاز المسال اللتين تم استيرادهما عن طريق ميناء العقبة.

من جهة أخرى، بلغ حجم إمدادات الغاز لشركة «الكهرباء الوطنية الأردنية» خلال عام 2023 نحو 259 مليون قدم مكعبة يومياً من حقل لفيتان، الذي شكّل نحو 89 في المائة من إمدادات الغاز لتغذية قطاع الكهرباء الأردني (حيث يشكل مجمل الغاز الذي يغذي قطاع الكهرباء الأردني 291 مليون قدم مكعبة يومياً)، وهذه الإمدادات تغطي تغذية 72 في المائة من الكهرباء في الأردن.

الخيار المتوفر للأردن في حال توقف الإمدادات الغازية الإسرائيلية هو زيادة وارداتها من الغاز المسال عبر شحنه في ناقلة متخصصة لتخزين وشحن الغاز المسال راسية في خليج السويس، ومن هناك تبحر إلى ميناء العقبة. من المتوقع أن يستورد الأردن شحنتين عبر هذه الناقلة خلال شهر يوليو (تموز) الحالي بحجم 140 ألف طن.

ووفق «ميس»، باستطاعة الأردن استيراد كميات وافية من الغاز المسال عبر ميناء العقبة لتلبية مجمل الطلب المحلي. لكن يكمن التحدي في تغطية النفقات الباهظة لهذا البديل. فثمن الغاز المسال المستورد يبلغ ضعف سعر الغاز من حقل لفيتان، إذ إن سعر الغاز الطبيعي من إسرائيل 6 دولارات لكل وحدة حرارية بريطانية، بينما يبلغ سعر الغاز المسال ضعف هذا المبلغ. ومن ثم، في حين تتوفر الوسيلة لاستبدال استيراد الغاز الإسرائيلي، إلا أن شركة «الكهرباء الوطنية الأردنية» مثقلة بالديون، مما يجعل استيراد الغاز المسال عبئاً مالياً من الصعب تحمله. ويشير بهذا الصدد، التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي عن الاقتصاد الأردني، إلى أن ديون «شركة الكهرباء» نحو 6.1 مليار دولار، أو نحو ما يعادل 11.5 في المائة من ناتج الدخل المحلي للأردن في نهاية عام 2024.

هذا وازداد الاعتماد المصري مؤخراً على استيراد الغاز الإسرائيلي؛ نظراً لانخفاض الإنتاج من حقل زهر. وقد أدى هذا الانخفاض، إلى زيادة استيراد مصر للغاز الإسرائيلي إلى معدل قياسي خلال الربع الأول من عام 2024 ليسجل معدلاً بنحو 1.03 مليار قدم مكعبة يومياً، مقارنة باستيراد نحو 834 مليون قدم مكعبة خلال عام 2023.

ومن الجدير بالذكر أن انخفاضات مؤقتة في معدلات التصدير من حقلي تامار ولفيتان، أدت إلى انقطاع الكهرباء في مصر لساعات محدودة مؤخراً. هذا، وقد تم استيراد شحنات من الغاز المسال لتفادي أزمة كهرباء ضخمة في الصيف.

ومن المتوقع أن تستورد مصر قريباً شحنات إضافية من الغاز المسال، بالإضافة إلى استيراد الفيول أويل لحرقه في توليد الكهرباء بدلاً من الغاز الطبيعي. لكن، وكما هو الأمر في الأردن، فإن استيراد الغاز المسال والفيول أويل يضيفان أعباء إضافية على الخزانة المصرية. فبالنسبة لمصر يبلغ معدل استهلاكها للفيول أويل نحو 77 ألف برميل يومياً، أما الآن ومع الحاجة لاستعمال الفيول أويل لتوليد الكهرباء، فقد ازداد الاستهلاك منذ بداية فصل الصيف 2024 ليرتفع الاستهلاك إلى نحو 193 ألف برميل يومياً. أما فيما يتعلق باستيراد الغاز من إسرائيل فيتراوح ما بين 6 - 7 دولارات لمليون وحدة حرارية بريطانية، أو تقريباً نصف سعر الغاز المسال المستورد للكمية نفسها.

من جانبها، تحاول إسرائيل تأهيل الوضع عندها في حال انقطاع الإنتاج الغازي. والبديل المتوفر هو تشغيل محطتين للكهرباء تحرقان الفحم، لتوليد 4.84 غيغاواط من الكهرباء. وقد حافظت إسرائيل على حرق الفحم في هاتين المحطتين للأحوال الطارئة، رغم تمكنهما من حرق الغاز أيضاً. والمحطتان هما روتنبرغ في أشكلون (2.25 غيغاواط) وأوروت رابين (2.59 غيغاواط) في حديرة.

لكن يتضح من خلال تصريحات لبعض المسؤولين مؤخراً، أن الاعتماد الإسرائيلي على حرق الفحم لتوليد الكهرباء في الحالات الطارئة لا يعتمد فقط على المحطتين المذكورتين أعلاه فقط. فهناك عدد كبير من المحطات التي تحرق إما الفحم أو الديزل، ناهيك عن انتشار مئات المولدات الكهربائية في مختلف المناطق.

تتباين تقديرات الخبراء حول تمكن إسرائيل من الاستمرار في تزويد الكهرباء دون انقطاعات طويلة المدة، في حال توسع رقعة الحرب، لتشمل بالإضافة إلى «حزب الله»، إيران وميليشيات عراقية.

يشير تقرير شركة الكهرباء الإسرائيلية، إلى أنه بنهاية عام 2023 كان هناك مخزون كافٍ للفحم لمدة خمسة أسابيع لدى المحطات الإسرائيلية للعمل بطاقتها الكاملة. ومن المحتمل ازدياد حجم مخزون الفحم منذ هجوم 7 أكتوبر، رغم أن صادرات كولومبيا من الفحم لإسرائيل قد توقفت خلال الأشهر الأخيرة، نظراً لقرار الحكومة الكولومبية اليسارية.

هذا، وتدل مصادر الصناعة النفطية، أن إسرائيل قد زادت من مخزونها للديزل الذي يمكن حرقه أيضاً في محطات الكهرباء. فالمحطات التي تستطيع استعمال الديزل بدلاً من الغاز لديها إمكانية توليد 12 غيغاواط من الكهرباء.

كما تتمكن إسرائيل من استيراد النفط الخام وتكريره في محطتين للتكرير، بازان في حيفا بطاقة تكرير 197 ألف برميل يومياً، وأسدود بطاقة 100 ألف برميل يومياً، حيث تقع على بُعد 20 كيلومتراً شمال قطاع غزة.

يشير التقرير إلى أن المحاولات مع جميع الأطراف المعنية للتوغل في موضوع مدى إمكانية اعتماد الدولتين العربيتين على استيراد الغاز الإسرائيلي في حال تصعيد الحرب قد ذهبت سدى دون جواب أو تعليق، رغم أهمية الموضوع.