كثيرٌ من مآسينا تقع بسبب غياب خط الدفاع الأول. فقد اتخذ الفرنسيون قراراً دفاعياً تاريخياً في الحرب العالمية الأولى، اعتمد على إنشاء خط «ماجينو»، لتحصين قواتهم من تقدم القوات الألمانية، حتى ما إذا حاول المهاجمون اختراقه وُجه إليهم وابل من النيران الفرنسية الكثيفة.
وهو ما فعله الجيش المصري مع خط بارليف، الذي نصبه الكيان الإسرائيلي في قناة السويس بعد احتلال سيناء في حرب 1967، فتمكّن المصريون من اتخاذ قرار اختراقه بناء على فكرة مهندس مصري اقترح آلية لعبور هذا الخط، واستخدام قوة دفع خراطيم المياه لإحداث ثغرات في السدود الرملية مكّنت الجيش العربي من العبور الآمن إلى الضفة الأخرى.
تُخترق سيادات الدول، عندما تغيب عنها منظومة الدفاع المبكر. وتتفاقم التداعيات عند التصدي للخصوم بصدر عارٍ. وتتصدّع العلاقات الاجتماعية حينما يفتقر المرء إلى قرون استشعار الإساءات المبطنة. فكثير الهمز واللمز يتحوّل إلى نهاية مؤلمة. هناك من ينسى ترك مسافة آمنة بينه وبين أحبائه، من شأنها أن تعمل بصفتها خطاً دفاعياً اجتماعياً لأي تطاول، وإساءة، وربما استغلال «للطيبة الزائدة».
من مؤشرات الدفاع الأولى في المنظمات ما يُسمى «مؤشرات الأداء» KPI، مثل نسبة تسرّب الموظفين «turnover». فإذا ما كابر المسؤول لوأد قصوره فالأرقام «لا تكابر». وكلما زاد معدل تسرّب العاملين في إدارة ما، كان ذلك مؤشراً على أن شيئاً ما يحدث. فقد يكون ذلك المسؤول الجديد المتعسف هو من «طفّش» الكفاءات! أو صار المنافسون يقدّمون عروضاً وظيفية جاذبة. ومن النسب الأخرى دوران رأس المال، وتكاليف التشغيل، ونسبة نمو الأرباح. فإذا ما كانت الشركة تتدهور أرباحها فإن خللاً ما، ولا بد، يجري فيها. ربما نشط المنافسون مثلاً فاقتطعوا حصة سوقية أكبر في غمرة انشغالنا بالتوافه.
تهدد الفيضانات نحو ثلثي مساحة هولندا، ولذلك اتخذت تدابير وقائية على مدى عقود لحماية ترابها من الغرق. وقد أضافت الأمم المتحدة أحد خطوط الدفاع المائية الهولندية عام 1996 إلى قائمة التراث العالمي، لأنها استخدمت تقنية مبتكرة تحمي بها نفسها. ومن حق الإنسان أن يستعد لصد الأذى قبل وقوعه.
هناك من يتجرّأ على اقتحام خصوصياتنا، لأنه وجد الباب موارباً للدخول. ولذلك يُفْحَم المتطفل عندما نوقفه عند حده في محاولاته الأولى. وتُردَع الجيوش المعتدية والمنظمات المسيئة حينما ترى صلابة التصدي الأول.
في شتى مناحي الحياة هناك خطوط دفاع أولى تصد الأذى أو تقلل من تداعياته.