زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الكشف عن المدينة الذهبية

استمع إلى المقالة

‏كتبتُ في هذا المكان كثيراً عن الاكتشافات الأثرية التي تمت بالمملكة العربية السعودية خلال السنوات الماضية. وقد وجدنا أن المملكة تزخر باكتشافات أثرية عظيمة، يعود تاريخ بعضها إلى عصور ما قبل التاريخ، وتؤكد هذه الاكتشافات أهمية الموقع الاستراتيجي لأرض الجزيرة العربية بين حضارات العالم القديم. وأعود اليوم للكتابة عن الاكتشافات الأثرية في مصر، وأبدأ بالحديث عن كشف أثري يُعدّ من أهم الاكتشافات الأثرية الحديثة. وقد اُختِير عن طريق الصحف والمجلات الأميركية والإيطالية المتخصصة بوصفه أهم كشف أثري في القرن الحادي والعشرين.

إن أغلب الاكتشافات الأثرية الكبيرة تمت بالمصادفة تماماً، ويمكن القول إن الكشف الأثري الوحيد المهم الذي جاء نتيجة أبحاث ودراسة، هو الكشف الذي حققه هوارد كارتر بحثاً عن مقبرة الملك توت عنخ آمون، التي كشفها في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1922.

وتبدأ قصة الكشف عن المدينة الذهبية بالأقصر، عندما كنت أبحث عن بقايا المعبد الجنائزي الخاص بالملك توت عنخ آمون، ووجدت أن أغلب معابد الملوك الخاصة بالأسرة الثامنة عشرة من الدولة الحديثة تم كشفها في البر الغربي من الأقصر. ونحن نعرف أن ملوك الأسرة الثامنة عشرة اختاروا وادي الملوك كي يكون مقراً يدفن فيه ملوك هذه الفترة. وقد بدأت الملكة حتشبسوت بناء مقبرتها في هذا الوادي، وقام الملوك بفصل معبد الشعائر الجنائزية عن المقبرة، لأن المعابد قبل ذلك كانت ملتصقة بالأهرامات، وقد وجدنا أن عالم الآثار الألماني هولشر قد حفر إلى الناحية الشمالية من معبد الملك رمسيس الثالث، وعثُر على معبدين؛ الأول خاص بالملك، أي الذي اعتلى العرش بعد الملك توت عنخ آمون. وداخل المعبد عَثُر هولشر على وديعة أثاث، داخلها اسم الملك، وكذلك عدد من التماثيل للملك توت عنخ آمون، مقسومة إلى نصفين، وبالجوار كان هناك معبد آخر للملك حور محب، آخر ملوك الأسرة الثامنة عشرة.

‏وقد تعجبت كيف يبني الملك آي معبداً وهو لم يحكم سوى عامين فقط، وأن الملك توت عنخ آمون الذي حكم ما يقرب من 10 سنوات لم يقم ببناء معبد جنائزي! لذلك قررت أن أعود وأحفر هذا الموقع مرة أخرى؛ لأن الحفائر التي تمت في القرن الماضي لم توضح لنا كثيراً من التساؤلات. بدأت العمل مع فريقي، وبدأنا حفر هذا المكان. وتأكدنا أن المعبد الذي يُعرف باسم الملك آي قد بدأ بناءه الملك توت عنخ آمون، وجاء الملك آي الذي لم يحكم سوى عامين ليضع اسمه على المعبد. ويؤكد ذلك تماثيل الملك توت الجميلة التي عثر عليها بالموقع، وقام آي بنسبها إلى نفسه، ومن بعده حور محب. بعد ذلك جلست أمام بقايا المعبد، ولاحظت وجود مساحة كبيرة من الصحراء خالية؟ وبهذه المنطقة كانت هناك مفاجأة كبيرة بانتظارنا.