أتمّت مجلة «القافلة» السعودية، التي تصدر عن شركة «أرامكو» عامها السبعين في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وبعد 3 أشهر ستحتفل بعيد ميلادها الحادي والسبعين. المجلة التي صدرت رسمياً عام 1953، كانت أول رسالة للثقافة والمعرفة تنبعث من عالم البترول.
قبلها بخمسة عشر عاماً، أي في عام 1938، تمكّنت شركة «أرامكو» النفطية من إطلاق باكورة إنتاج النفط بكميات تجارية من بئر الدمام رقم «7»، التي أُطلق عليها فيما بعد اسم «بئر الخير»، ومع تدفق الرساميل، وزيادة قوى العمل والإنتاج، جاءت الحاجة إلى تعزيز الثقافة. وفي أكتوبر 1953 صدرت المجلة باسم «قافلة الزيت»، وأصبحت منذ ذلك الوقت مجلة شهرية، وبعد ثلاثين عاماً من صدورها تحوّلت «قافلة الزيت» في عدد «مايو (أيار) - يونيو (حزيران) 1983» إلى اسمها الجديد «القافلة».
لذلك على الرغم من المسار الثقافي العميق والواضح للمجلة، الذي شقّ طريقاً ساطعاً في نشر المعرفة والتنوير، فإنه لا يمكن فصلها عن الرسالة الإنسانية لشركة النفط التي أصدرتها، في وقت مبكر جداً في تاريخ الصحافة الثقافية في السعودية وفي الخليج.
تُعدّ مجلة «القافلة» واحدة من أقدم المجلات الثقافية والعلمية السعودية؛ نتذكر أن مجلة «القافلة» سبقت كثيراً من المجلات الثقافية المعروفة، مثلاً مجلة «العربي» الكويتية صدرت بعدها في عام 1958، ومجلة «العرب» الثقافية المهمة، التي أصدرها علامة المملكة حمد الجاسر، صدر العدد الأول منها في (أكتوبر 1966)، ومثلها «المجلة العربية»، التي صدر العدد الأول منها في «يونيو - يوليو (تموز) 1975»، ومجلة «الفيصل» التي صدر العدد الأول منها عام 1977، حتى مجلة «الدوحة» الثقافية صدر العدد الأول منها في نوفمبر (تشرين الثاني) 1969.
وعُدّت المجلة، التي تلقفتها الأيادي السعودية، واحدة من أهم الحواضن الطبيعية للأدب والثقافة والشعر والمقالة، في وقت شحّت فيه وسائل المعرفة، وقلتّ فيه الأطر الحاضنة للإبداع.
وعلى مدى سبعين عاماً من عمرها، احتضنت «القافلة» أهم الكتاب والأدباء والمفكرين العرب والسعوديين، وقدّمتهم إلى القارئ في المملكة وفي العالم العربي، خصوصاً إذا عرفنا أن المجلة أخذت على عاتقها توزيع عشرات الآلاف من النسخ وإرسالها مجاناً إلى من يطلب من قرائها، بالإضافة إلى موظفيها والمجتمعات المحلية. من بين كتّابها: محمود عباس العقاد الذي نُشرت له مجموعة مقالات، منذ أواخر الخمسينات الميلادية تقريباً، كما كتب لها طه حسين، بينها مقالته الموجهة إلى أهل المنطقة الشرقية على هامش زيارة له إلى المملكة، وأجرت معه حواراً أيضاً عام 1968. وكتب لها نخبة من المفكرين والأدباء والكتاب العرب، منهم: أحمد الزيات، ومحمد حسين هيكل، وأحمد الصافي النجفي، ووديع فلسطين، وجبرا إبراهيم جبرا، ومحمد عبد المنعم خفاجي، ونجيب محفوظ، وإيليا أبو ماضي، وميخائيل نعيمة، وفؤاد صروف، ونقولا زيادة، وعبد الرحمن بدوي، وجورج صيدح، وفدوى طوقان، ومارون عبود، ورياض المعلوف، ومنذر الشعار، وجميل علوش، ويوسف نوفل، وجاذبية صدقي، ونعمات أحمد فؤاد، وعدنان الصائغ، وبلند الحيدري، وصلاح فضل... كما نشرت لكتاب ومفكرين وأدباء سعوديين، بينهم: عبد القدوس الأنصاري، وحمد الجاسر، وأحمد صالح قنديل، ومحمد حسن عواد، وطاهر زمخشري، وعبد الله بن خميس، ومحمد علي السنوسي، وفؤاد إسماعيل شاكر، وأمين مدني، وغازي القصيبي، ومحمد سعيد باعشن، ومحمد العلي، وعدنان العوامي، وعلي الدميني، وحسن السبع.
حافظت «القافلة» طيلة مشوارها على جودة المحتوى، الذي يجمع بين المادة الأدبية والثقافية والعلمية، وظلّت منفتحة على التيارات الأدبية الحديثة في العالم، كما كانت جسر الوصل بين الأدباء والمثقفين العرب، وحاضنة لإبداعهم، كما حافظت على اللغة الراقية الرصينة التي تمتاز بها، رغم كونها المجلة الثقافية التي تصدر من شركة نفط لا علاقة مباشرة بينها وبين الجانب الثقافي والأدبي.
كبرت «القافلة» لتجد أمامها عالماً يتشكّل سريعاً بتقنيات الاتصال والتواصل، والحقيقة أنها أثبتت قدرتها على مواكبة التحول الهائل في مزاج القارئ، فسارعت مبكراً إلى تحديث أساليب العرض لتلائم مستجدات العصر، واستحداث منصات تفاعلية تشارك القراء في تقديم المادة الأدبية والثقافية والعلمية.
المهم أنه في وسط طغيان شبكات التواصل الاجتماعي، وترويج المحتوى المبتذل والسطحي، تبقى الحاجة ملحة إلى الحفاظ على هذه المجلة وغيرها من حواضن المعرفة، لمنح حياتنا شيئاً من العمق، وشيئاً من الثقافة الجادة والرصينة.