عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

متى ينتفض المسلمون ضد الإرهاب؟

ليس لدي شك أن الغالبية العظمى في العالم الإسلامي تدين الإرهاب بشدة، وترفض فكره، ومنطقه، ونهجه، وسلوكه المنحرف. لكن الإدانة الصامتة لا تكفي، وعدم سماع صوت الغالبية يجعل ضجيج المتطرفين يبدو عاليًا، ويسمح لعمليات الإرهابيين بتشويه الإسلام، وتلطيخ صورة المسلمين.
الصوت الإسلامي المعتدل، لا بد أن يعلو ويرتفع لكي يسمع العالم ويفهم أن جرائم الإرهابيين والمتطرفين لا تعبر عنا، والأهم من ذلك لكي يفهم الإرهابيون أنهم مرفوضون ومنبوذون، لا يمثلون هذا الدين العظيم، ولا يعبرون عن الغالبية الغالبة من المليار ونصف المليار مسلم حول العالم. بيانات الإدانة والشجب من الحكومات لم تعد كافية لإقناع العالم، ولإفهام الإرهابيين أن المسلمين يرفضون اختطاف دينهم من قبل قلة منحرفة تحمل فكرًا شاذًا ومريضًا، وأن الغالبية المعتدلة تنبذ الإرهاب وشيوخه ومجنديه وترفع صوتها دفاعًا عن عقيدتها وسماحة دينها.
الغالبية العظمى من المسلمين هم أيضًا ضحايا للإرهاب الذي شوه صورتهم وأساء لدينهم. فالعالم بات ينظر إلى كل مسلم بعين الشك، ويرى الإسلام على أنه دين عنف وإرهاب. ورغم محاولات التصدي لهذه الصورة المغلوطة، فإنها تنتشر وتترسخ مع كل جريمة إرهابية تحدث، لا سيما مع الاستخدام المتكرر لتعبيرات مثل «الإرهاب الإسلامي»، و«الإرهابيين المسلمين»، واستغلال اليمين المتطرف في الغرب موجة الإسلاموفوبيا لنشر المزيد من الكره والعداء ضد المسلمين. الإرهابيون والمتطرفون يتغذون من هذه الأجواء ويستخدمونها في دعاياتهم وفي مساعيهم لاستقطاب مزيد من الشباب الغاضب.
هناك جهود تبذل على المستويات الرسمية والإعلامية ومن مؤسسات دينية، لكن صوت الشارع وغالبية المسلمين يجب أن يسمع أيضًا. عندما ضرب الإرهاب السياح الغربيين في تونس، خرج كثيرون يوقدون الشموع في موقع الجريمة على الشاطئ، ويتظاهرون أمام السفارات معلنين تضامنهم مع أهالي الضحايا ومع المصابين، ومعبرين عن رفضهم للجريمة ووقوفهم ضد الإرهاب وتبرئهم من أولئك الذين يدعون أنهم يقاتلون تحت راية إسلامية. وقتها وجد ذلك المشهد التلقائي تجاوبًا وصدى في الداخل كما في الخارج، وكم كان المرء يتمنى رؤيته يتكرر في مصر، بل وفي دول العالم الإسلامي الأخرى، عندما قتل 224 شخصًا في تفجير طائرة متروجت الروسية في سيناء، أو عندما هاجم الإرهابيون باريس وقتلوا أبرياء في مطاعم ومسرح وملعب لكرة القدم. فالمسلمون يجب ألا يبدوا وكأنهم غير معنيين ومجرد متفرجين على ما يرتكبه الإرهابيون الذين يزعمون أو يتوهمون أنهم يقاتلون «دفاعًا عن الأمة» وتحت راية الإسلام.
قد يقول قائل إن الدول الإسلامية تخوض حربها ضد الإرهاب الذي يستهدفها أيضًا، وتشارك في العمليات الدولية ضد «داعش» و«القاعدة». كما أن الحكومات تصدر بيانات الإدانة والاستنكار، والكثير من المؤسسات الدينية تعلن الرفض لنهج الإرهاب وفكر التطرف. كل هذا صحيح، لكنه ليس كافيًا في المعركة ضد الإرهاب، ولتصحيح الصورة المشوهة التي أوجدها المتطرفون والإرهابيون، بفكرهم المنحرف وجرائمهم البشعة.
الصورة ستختلف تمامًا لو سمع العالم صوت الأغلبية الصامتة، ولو رأى مشاهد المسلمين يخرجون معلنين استنكارهم لجرائم الإرهابيين وتضامنهم مع أسر ضحاياه على غرار ما حدث في تونس. فعدم سماع صوت الغالبية يترك الساحة للمتطرفين الذين يستغلون كل المنابر بما في ذلك منابر المساجد، ومواقع الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسالة مضللة، كما يسمح للإرهابيين الذين يستغلون راية الدين في دعاياتهم وعملياتهم، بتشويه صورة الإسلام وعموم المسلمين.
هناك ظاهرة أخرى لا يمكن إغفالها، فعقب كل عملية إرهابية تستهدف بلدًا أو عاصمة غربية، ترتفع في مواقع التواصل الاجتماعي وفي ساحات الإنترنت أصوات بعض الشامتين أو المهللين الذين لا يكونون كلهم بالضرورة من المتطرفين أو المتعاطفين مع فكر الإرهابيين. أي إنسان عاقل لا بد أن يستغرب ويرفض الشماتة في مثل هذه المواقف، وإزاء جرائم يروح ضحيتها أبرياء ويمكن أن تحدث في أي مكان، سواء باريس أو شرم الشيخ، لندن أو بغداد، تونس أو بروكسل، نيويورك أو الرياض، بيروت أو مدريد. هذه الأصوات حتى لو كانت محدودة ونشازًا، إلا أنها تسهم أيضًا في نشر انطباعات خاطئة بأن هناك مسلمين كثيرين يتعاطفون مع عنف الإرهابيين ويرون مبررًا لجرائمهم.
هذه الصور المضللة لن تزيلها بيانات الحكومات والمؤسسات الرسمية، بل ستنحسر وتتضاءل إذا خرجت الأغلبية عن صمتها وأسمعت صوتها وأوصلت رسالة واضحة بأن الإسلام بريء من جرائم الإرهابيين، وأن جل المسلمين ينبذون الإرهاب ونهجه، ويرفضون المتطرفين وفكرهم، ويستهجنون مواقف الشامتين والجهلة؛ فالمعركة ضد الإرهاب ولتصحيح الصورة المشوهة التي رسمت للإسلام، هي معركة المسلمين في المقام الأول، ولا يعقل أن يغيب فيها صوت الأغلبية، أو يبقى خافتًا غير مسموع.