مبدأ «العين بالعين» يترك العالم كله أعمى، كما قال المهاتما غاندي. بعد الرد الإيراني الضخم على الضربة الإسرائيلية ضد المجمع الدبلوماسي الإيراني في دمشق، تقع على عاتق الرئيس الأميركي جو بايدن الآن مسؤولية منع جولات التصعيد اللاحقة من تعمية الشرق الأوسط بأكمله، أو حتى العالم. على بايدن معاقبة إيران دبلوماسياً، لكن أيضاً كبح جماح إسرائيل.
سيكون هذا صعباً بشكل لا يمكن تصوره. منذ الهجوم الإرهابي السادي الذي شنته «حماس» ضد إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كان على بايدن أن يوازن بين الأهداف التي غالباً ما تكون متعارضة. عليه أن يظهر دعمه لإسرائيل، وهو ما جدد وصفه بأنه «مصفح» بعد أن أطلقت إيران أكثر من 300 مسيّرة وصاروخ ضد إسرائيل ليلة السبت-الأحد. وفي الوقت نفسه، يتعين عليه أن يقلل موت ومعاناة المدنيين في غزة، وهو الهدف الذي فشل في تحقيقه حتى الآن. وثالثاً، عليه أن يمنع الحرب من أن تصبح إقليمية أو حتى عالمية، وهو احتمال ممكن لأن الميليشيات التي تهاجم إسرائيل مدعومة من إيران، المتحالفة مع روسيا والصين.
وحتى الآن، يبدو أن بايدن ناجح في ردع إيران عن تصعيد وتوسيع الحرب. وعندما قتلت الميليشيات المدعومة من إيران ثلاثة من الجيش الأميركي في الأردن، ردت الولايات المتحدة بالقوة ولكن أيضاً بضبط النفس، ولم تضرب سوى الأهداف خارج إيران. ومن جانبها، أشارت طهران إلى أنها ستضبط نفسها أيضاً - على رغم أن مدى سيطرتها على وكلائها لا يزال سؤالاً مفتوحاً.
وبدلاً من ذلك، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو من بدأ جولة التصعيد هذا الشهر. ومن دون إبلاغ بايدن، أرسل طائرات حربية لتدمير جزء من البعثة الدبلوماسية الإيرانية في سوريا، مما أسفر عن مقتل عدد من كبار القادة. وهذا الهجوم على القنصلية ينتهك اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي تعتبر البعثات الدبلوماسية «حصينة».
كان على الملالي الرد على هذه الضربة أو الظهور بمظهر الضعف أمام الميليشيات الوكيلة لطهران من جهة، ومن جهة أخرى أمام الإيرانيين الذين يكره الكثير منهم نظامهم بالفعل. وكان السؤال الوحيد هو كيف. وكان لا بد من أن يكون الانتقام كبيراً بالقدر الكافي للسماح لإيران بالظهور بمظهر الحاسم، ولكنه محدود بالقدر الكافي بحيث لا يؤدي إلى رد فعل أكبر من جانب نتنياهو الذي يبدو غالباً أنه ينظر إلى حرب أوسع نطاقاً باعتبارها سيناريو يمكّنه من البقاء في السلطة.
كيف إذن حدث الانتقام الإيراني الفعلي؟ كان وابل المسيّرات والصواريخ هائلاً، وكان أول هجوم مباشر من الأراضي الإيرانية (لا الوكلاء في لبنان على سبيل المثال) ضد الأراضي الإسرائيلية. لكن طهران كانت تعلم أن سربها المحمول جواً سيسافر لساعات قبل أن يصطدم بأحد أنظمة الدفاع الجوي الأكثر تطوراً في العالم – القبة الحديدية الإسرائيلية. علاوة على ذلك، لن تكون إسرائيل وحدها؛ وسيساعد حلفاؤها في الدفاع عنها كما فعلوا.
وبالتالي، كانت الحصيلة النهائية محدودة كما تنبأت طهران على الأرجح: أضرار طفيفة وحوالي اثنتي عشرة إصابة نتيجة الشظايا المتساقطة، مع فتاة واحدة في حالة حرجة ولكن لم يمت أحد. وقد أسقطت الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأميركية والأردنية وغيرها 99% من الذخائر القادمة.
لذا يمكنك وصف الرد الإيراني على الضربة الإسرائيلية السابقة بأنه هائل أو محدود. لكن الملالي أشاروا إلى أنهم يعتزمون تحقيق الهدف الأخير. واستناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة، غرّدت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة بأن «الأمر يمكن اعتباره منتهياً» وناشدت بايدن عملياً أن «على الولايات المتحدة أن تبقى بعيداً».
ربما يميل نتنياهو وشركاؤه في الائتلاف اليميني المتطرف الآن إلى التصعيد أكثر. وقبل الرد الإيراني، حذر من أن إسرائيل سترد على أي ضربة عليها بضربات ضد الأراضي الإيرانية. وهذا بدوره من شأنه أن يجبر طهران على الرد، في حين يعزز قبضة أولئك في النظام الذين يدفعون إلى الإسراع نحو تحويل اليورانيوم المخصب إلى رؤوس حربية نووية.
لذلك فإن الأمر متروك لبايدن لمنع الأسوأ. وعليه أن يكبح جماح «بيبي» نتنياهو في مواجهة إيران، بعدما فشل حتى الآن في جعله معتدلاً في مواجهة قطاع غزة. وهذا يعني أن أي ضربة إسرائيلية مضادة، على عكس الضربة القنصلية، يجب أن تتم بموافقة واشنطن وأن تكون محدودة بما يكفي حتى تتمكن كل من إيران وإسرائيل من ادعاء النصر. وفي الوقت نفسه، يجب على بايدن معاقبة إيران بكل الطرق باستثناء الخيار العسكري. ويبدو أنه يستعد للقيام بذلك من خلال الدعوة إلى اجتماعات طارئة لمجموعة السبع ومجلس الأمن.
منذ السابع من أكتوبر، يتأرجح الشرق الأوسط، ومعه العالم، على حافة الهاوية بين حروب رهيبة ولكن محلية وحريق أوسع قد يشعل النار في العالم كله. إذا كان هناك من يستطيع منع هذا الكابوس، فهو بايدن.