تفاعلات سقوط طائرة الركاب الروسية بعد 23 دقيقة من إقلاعها من مطار شرم الشيخ وسقوط 224 ضحية بينهم 17 طفلا ورضيعا، تطورت إلى أبعاد سياسية دولية وأمنية واستراتيجية خطيرة، والأهم الآثار الاقتصادية المدمرة على السياحة في مصر، قبل أن يتم التحقيق ومعرفة الأسباب الحقيقية لسقوط الطائرة.
وبجانب مأساة الضحايا ومعاناة أكثر من 80 ألف سائح ألغت بلادهم رحلات الطيران إلى منتجعات مصر السياحية، هناك تهديد لأرزاق المصريين العاملين في السياحة. ولكن الكارثة الأكبر في رد فعل الصحافة المصرية والعربية.
عندما تقع حادثة مماثلة في بلدان الديمقراطيات الغربية تبدأ الصحافة تحقيقات مستقلة. كيف وقع الحادث؟ هل هناك خلل ميكانيكي، أم خطأ إنساني من الطيار أم الطاقم، أم عاصفة جوية؟ (والاتصال بالأرصاد لمعرفة ما إذا كانت هناك عواصف رعدية وقتها).
كذلك المطالبة بفحص جميع تسجيلات فيديو الطائرة المغلقة بكاميرات، وما يدور في المطار، وإجراءات الأمن وفحص أمتعة اليد أو الأمتعة المشحونة بأشعة إكس.
ثم سؤال للأمن هل درس أسماء المسافرين؟ وهل هناك علامات استفهام على أي منهم؟
ولأنه شبه مستحيل اليوم نجاح راكب في تهريب عبوة ناسفة في أمتعته المشحونة أو حقائب اليد بسبب التفتيش وفحص الأمتعة، فالاحتمال الأكبر هو إضافة العبوة الناسفة إلى الأمتعة المشحونة.
هنا يطرح التساؤل: فحص الـlog أو سجل كل مراحل نقل الأمتعة منذ تسليمها لموظف تسجيل الرحلة حتى شحنها في مخزن بطن الطائرة، بالدقيقة الواحدة. مَن نقلها وكيف؟ رقم الشواحن الكهربائية التي نقلت الحقائب.. من أدارها؟ ومن وضعها في luggage hold مخزن بطن الطائرة؟
والسؤال عن سجل العاملين في المطار؛ عاملي الأمتعة، وعاملي الصيانة الميكانيكية، والسائقين، وعمال نظافة الطائرة، وناقلي الطعام والمشروبات إلى الطائرة وعن خلفياتهم، وفحص علاقاتهم وما إذا كان لهم سجلات قانونية (أي ارتكبوا مخالفات)، وحالاتهم النفسية.
متى تتم هذه الفحوصات (background check)؟ هل هي سنوية أم كل ستة أشهر؟ ومن يقوم بها؟
سجل إجراءات الصيانة والإصلاحات، والتسجيل (log) حتى ولو تغيير صامولة واحدة أو وسادة مقعد راكب. ومصدر قطعة الغيار ومن أين جاءت؟ ومن تناولها؟ وكيف دخلت المطار؟ والساعة والدقيقة لرحلة قطعة الغيار؟
هل توجد في المطارات المصرية هذه السجلات، أم «اتكل على الله» تكفي؟
لم تطرح الصحافة المصرية هذه الأسئلة وانشغلت بنظرية المؤامرة.
وحتى بعد إعلان إرهابيي «داعش» مسؤوليتهم عن الحادث، ثم تسريب المعلومات عن أن الصندوق الأسود سجل صوت انفجار، استمرت الصحافة المصرية في مهاجمة الغرب الاستعماري الذي يهدد مصر ويريد القضاء على صحوة الشعب المصري، وإلقاء غمامة من الشك السلبي على زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى بريطانيا.
كان الرئيس المصري لا يزال في الطريق إلى لندن عندما ألغت بريطانيا جميع رحلات الطيران إلى شرم الشيخ عقب معلومات استخباراتية عن احتمال (وكان الأمر لا يزال احتمالا) أن الطائرة أسقطت بفعل قنبلة.
الحكومة البريطانية بدورها تريد ألا تتهم بعدم الاكتراث بسلامة الرعايا البريطانيين (كان أكثر من 20 ألفا منهم في طريق العودة من المصايف المحيطة بشرم الشيخ)، كما أنها تريد أن تحقق أقصى المكاسب السياسية من التوقيت، وهي تواجه وقتا حرجا في البرلمان في ثلاث قضايا سياسية، تتعلق بالميزانية، ثم إعطاء صلاحيات واسعة للتنصت على مواقع الإنترنت، وتوسيع دور سلاح الجو الملكي إلى الأجواء السورية لاستهداف «داعش».
الرئيس السيسي أنقذ مضيفه من الحرج قائلا إنه يتفهم ويتعاطف مع الزعيم البريطاني في المحافظة على سلامة مواطنيه.
وعندما تبعت بلدان أوروبية خط بريطانيا وألغت الرحلات، استمرت الصحافة المصرية في اتهام الغرب بالتآمر بدلا من طرح أسئلة متوقعة من أي صحافي حول أمن المطارات، وأسهبت في إطراء الثناء على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يدافع عن موقف مصر.
أجهزة الأمن والاستخبارات الروسية توصلت إلى معلومات بأن الاحتمال الأكبر أن عبوة ناسفة أسقطت الطائرة كانت سربت في مخزن الأمتعة عن طريق أحد العاملين في المطار أو شخص تسرب إلى قاعة الأمتعة. وتقارير المخابرات تستخدم تعبير «احتمال» دائما لاستحالة التأكد مائة في المائة. (سيستغرق الأمر شهورا طويلة بعد إعادة تركيب حطام الطائرة لمعرفة أين وقع الانفجار)، وفي يوم الجمعة الماضي أمر الرئيس بوتين بإلغاء جميع رحلات الطيران إلى كل مطارات مصر «مؤقتا» حتى يتم التعاون المشترك بين الروس والمصريين لتأمين جميع المطارات.
تعبير مهذب بضرورة وجود خبراء تأمين مطارات روس مع نظرائهم المصريين في مطارات مصرية. وبريطانيا أيضا أرسلت خبراءها.
ولأن قلبنا على السياحة المصرية، فيجب على الصحافة المصرية أن تصرف الوقت والجهد في الضغط على وزارة الطيران ومصلحة المطارات والموانئ في اتخاذ إجراءات فورية لطمأنة العالم على أمن المطارات، وبصراحة فإن العنصر البشري هو الأضعف في السلسلة.
العملاء أو المتعاطفون مع جماعة الإخوان المسلمين مئات الآلاف، ومن الغفلة ألا نتصور وجود عاملين منهم في المطارات. وبين العاملين مصريون طيبون لا ينتمون للجماعة، لكنهم يفكرون بآليات عقلية تعتبر القاعدة الذهنية التي يتسرب منها الإخوان لتجنيد بعضهم، ومن السهل إقناعهم في جلسة واحدة بوضع جهاز غير معروف في طائرة «للجهاد في سبيل الله».
وحتى يتم إجراء تحقيق دقيق تفتيشي (wider through checks) في خلفية جميع العاملين بالمطارات، وإخضاعهم لتحليل الخبراء النفسيين (عملية طويلة مكلفة ويجب ألا يمنع الكبرياء المصرية المعروفة البلد من طلب المساعدة المالية والتقنية من البلدان الصديقة مثل بريطانيا وروسيا وإيطاليا والصين) فهناك إجراءات بسيطة وسريعة يمكن تطبيقها في أيام.
تنسق جميع مطارات مصر مع شركات الطيران على أن تقوم الأخيرة بإجراءات أمن وتفتيش خاص بها بعد الإجراءات المعتادة في المطارات المصرية. فمثلا شركة العال الإسرائيلية استأجرت ركنا خاصا في مطار هيثرو، وتجري تفتيشها الخاص على الأمتعة وعلى الركاب وحقائب اليد بعد الإجراءات البريطانية. لم يغضب البريطانيون ولم يقولوا هذا إنقاص من سيادتنا الوطنية، وقبلوا الأمر منذ عام 1972.
وإذا أعاد المصريون النظر في أكبر عائقين في تعاملهم مع العالم الخارجي: الكبرياء الزائدة عن اللزوم، والفهلوة، فليطرحوا الفكرة على شركات الطيران، فأغلب الاحتمالات أنهم سيتلقون المساعدة المالية والتكنولوجية من الأصدقاء، وتعود مياه السياحة إلى مجاريها في أسابيع أو أيام إذا تحركوا بسرعة (وهنا يجب وضع وحش البيروقراطية المصرية في القفص).
أما إذا ظل المصريون على صهوة جواد الكبرياء الخشبي المتأرجح، فقل «البقاء لله» في السياحة في مصر، وخراب بيوت مئات الآلاف.
8:2 دقيقه
TT
إنقاذ السياحة في مصر
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة