عبد الرحمن الراشد
إعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس التحرير الأسبق لصحيفة «الشّرق الأوسط» ومجلة «المجلة» والمدير العام السابق لقناة العربيّة. خريج إعلام الجامعة الأميركية في واشنطن، ومن ضمن الكتاب الدائمين في الصحيفة.
TT

كاميرات في المسجد

بسبب تباين الروايات، وتحميل المسؤوليات، نقل وزير الخارجية الأميركي معه في وساطته فكرة تركيب كاميرات في زوايا المسجد الأقصى وفوق بواباته، لوقف الاشتباكات بين الفلسطينيين واليهود. والكاميرات، بالتأكيد، لن تحل القضية الرئيسية ومصدر التوتر، أي احتلال إسرائيل للقدس الشرقية التي استولت عليها في حرب عام 1967 مع بقية أراضي الضفة الغربية. ولن تحل الكاميرات المشكلة حيث سيستمر المسجد ومحيط الأقصى، ساحة عراك شبه دائم ما دام الاحتلال مستمرا.
الأزمة الأخيرة، التي عرفت بانتفاضة السكاكين وقتل فيها نحو أربعين فلسطينيا وعشرة إسرائيليين، تسبب فيها قيام اليهود بدخول المسجد الأقصى، وكانت زياراتهم محدودة وفق اتفاقية سابقة، ولأن السلطات الإسرائيلية تجاهلت ذلك نشبت الاشتباكات الأخيرة مع المصلين المسلمين في مسجدهم، والوضع متوتر منذ نحو شهر وحتى الآن.
والبعض يجعل من تركيب الكاميرات قضية، اعتراضا عليها، في حين أن الخطر الحقيقي أبعد من ذلك، ما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن السلطات ستقوم بشطب هويات أهل المدينة الفلسطينية، أي إلغاء إقامة أكثر من مائة ألف مقدسي، ولو تجرأ وفعلها، ستكون أخطر عمليات تغيير وضع المدينة المقدسة!
وقد يكون تفجير الوضع الأخير، بالاستفزازات المتعمدة، والاشتباكات، هدفه الأخير بالفعل التخلص ممّن تبقى من أهل القدس من الفلسطينيين.
الدور الآن على السكان بعد أن نجح الإسرائيليون في قضم الأراضي في أنحاء الضفة الغربية على مدى عقود، وكانوا يستخدمون ذرائع مختلفة: تصنيف الأراضي أمنية، أو أن ساكنيها بلا ملكية، أو قطع المياه عنها، أو ترك المستوطنين اليهود يهاجمون الأحياء المجاورة، إضافة إلى مشاريع وضع اليد الصريحة، وبناء مستوطنات انتشرت مثل السرطان على أراض محتلة.
والمؤسف أن الظروف الحالية في المنطقة، من اندلاع الحروب الأهلية المتعددة، وانتشار الخوف من الفوضى والإرهاب، دفعت القضية الفلسطينية إلى ذيل قائمة اهتمامات المجتمع الدولي. لقد تكالبت الكثير من الأحداث الجسام ضد الفلسطينيين، وهم يمرون بمرحلة أكثر تهميشا وتدهورا من أي وقت مضى. وزادها سوءا الانقسام الحاصل في قيادتهم، الذي أكل من رصيدها وعطل كل فرص مبادرات السلام.
وقد يكون من الإيجابيات النادرة خروج إيران المحتمل من ساحة الصراع مع الولايات المتحدة، نتيجة مصالحة الاتفاق النووي. فالإيرانيون والنظام السوري دأبوا على استغلال القضية الفلسطينية كورقة ضغط لصالح قضاياهم حتى أوصلتهم، وتحديدا الإيرانيين، إلى تحقيق غاياتهم الخاصة بتوقيع الاتفاق. وعسى أن يكون خروج الإيرانيين والسوريين من «اللعبة الفلسطينية» فرصة من أجل رد حق القرار للفلسطينيين بشأن مشروع الدولة المستقلة والسلام الشامل.

[email protected]