في قمّة «العشرين» التي عُقدت بالهند قبل أيام أعلن ولي العهد السعودي، رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، عن مشروع استراتيجي هو الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وقال فيها إن هذا الإعلان يأتي: «تتويجاً لما عملنا عليه معاً خلال الأشهر الماضية لبلورة الأسس التي بُنيت عليها هذه المذكرة، بما يحقق مصالح مشتركة بين دولنا من خلال تعزيز الترابط الاقتصادي، بما ينعكس إيجاباً على شركائنا في الدول الأخرى».
بين الهند وطرق التجارة، وعوالم الشرق الأوسط، وجنوب أوروبا، والبحر الأبيض المتوسط، قصة بل قصص تاريخية موغلة في القِدم.
وللباحث السعودي في التاريخ، الدكتور سليمان الغنّام، دراسات مميّزة حول طرق التجارة الرابطة بين الهند وآسيا مع الجزيرة العربية وأوروبا، عبر العصور، وأثر ذلك في السياسة والاجتماع والثقافة.
ناقش الغنّام التجارة والنقل ومسالكها بالجزيرة العربية - التي تشكّل السعودية اليوم معظمها - حيث كان الاقتصاد والتجارة من أهم عوامل ازدهار هذه المنطقة.
ومن السمات التي ميّزت هذه المنطقة في تجارتها واقتصادها ولاحظها الدكتور سليمان: الوحدة التاريخية والارتباط بين أقاليم هذه المنطقة بشرياً واقتصادياً، وارتباط ازدهار هذه المنطقة باستقرار وازدهار مواطن الإنتاج والاستهلاك القريبة والبعيدة، وتشابك العلاقات والاقتصاديات والاجتماعيات بين شعوب الدول المجاورة في الهند والصين.
إذن، فإن هذه الممرّات الاستراتيجية الاقتصادية الثقافية العلمية التقنية التي كشف النقاب عنها ولي العهد السعودي، هي فصل عظيم من فصول التاريخ المستمر في التجارة بين الهند والجزيرة العربية والشرق الأوسط كلّه مع أوروبا.
يتحدث الكاتب السعودي في مجال الاقتصاد، الأستاذ عبد الله الردّادي بهذه الصحيفة، عن أن الممرّات الاقتصادية الفعّالة يجب أن تكون بين دول مستقرة سياسياً، وعلى وفاق بعضها مع بعض... أي إن الممر صُمّم ليكون شراكة استراتيجية لجميع الدول المشاركة فيه.
كما أن الممرّ الاقتصادي يقع في قلب المشاريع اللوجستية للسعودية، التي صرّحت بالفعل بالتزامها بـ20 مليار دولار لهذا المشروع. والأهم من ذلك، كما ينبّهنا الردّادي، أن دول هذا المشروع: «متوازنة سياسياً وتعمل لمصلحتها ولمصلحة المنطقة، دون الإضرار بمكانة أو اقتصاد أي دولة أخرى».
هذا المشروع يعيد التأكيد على حقيقة قديمة متجدّدة، وهي أن الاقتصاد الناجح، هو القائم على النظرة الاستراتيجية، وليس المكاسب الآنية، وعلى مبدأ التعاون وليس التنابذ، فالكلّ للواحد والواحد للكلّ. هكذا كان الأمر، في جذر التجارة العالمية القديمة، وهكذا يكون اليوم.