العالم القادم يتبلور، إذ أعلنت مجموعة «بريكس» في جوهانسبورغ قبل أيام، دعوتها لست دول للانضمام لعضوية المجموعة؛ وهي: السعودية والإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين. وانضمام دول جديدة لمجموعة «بريكس»، يعني زيادة ثقل مجموعة «بريكس»، وهو مؤشر ودلالة على تطور جديد في الشراكات بين دول لها ثقلها الدولي، حيث تمثل دول «بريكس» الخمس، البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، مجتمعة 32.1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بما يعادل نحو 27 تريليون دولار في 2023، وفقاً لصندوق النقد الدولي، وسوف يمثل توسع هذه المجموعة زيادة في حصة المجموعة في الناتج المحلي العالمي البالغ 105 تريليونات دولار، لتفوق ما تمثله مجموعة السبع أو «آسيان» في الاقتصاد العالمي.
والناتج المحلي الإجمالي للدول التي ستنضم اعتباراً من عام 2024 هو كالتالي: السعودية 1.06 تريليون دولار، والأرجنتين 641.1 مليار دولار، والإمارات 498.9 مليار دولار، ومصر 387.11 مليار دولار، وإيران 367.9 مليار دولار، وإثيوبيا 156.08 مليار دولار، وهو ما يشكل نحو 3.11 تريليون دولار، إذ تقرر ضم هذه الدول إلى «بريكس» بعضوية كاملة عام 2024.
إن المكاسب المتحققة من الانضمام إلى «بريكس»، تتمثل في تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين دول التكتل، والاستفادة من تعزيز التعاون مع دول «بريكس» لدعم جهود التنمية المستدامة، وتقليل التعاملات البينية بالدولار ما سيخفف من الضغط على النقد الأجنبي، والاستفادة من ثمار نجاح مستهدفات خلق نظام عالمي يمنح مزيداً من الثقل للدول النامية، وزيادة فرص الحصول على تمويلات ميسرة للمشروعات التنموية، وتحسين عدد المؤشرات الاقتصادية المحلية، ورفع الفُرص في مزيد من الاستثمارات الأجنبية.
وتراقب أميركا وحلفاؤها احتمالات تقويض هيمنة الدولار، ولا سيما بعد سعي المجموعة إلى تطوير عملة احتياطية لاستخدامها من قِبل الأعضاء في التجارة عبر الحدود، إذ إن محاولات إيجاد عملات شبيهة جارية بالفعل، ولكن خارج نطاق مجموعة «بريكس»، من قِبل البرازيل والأرجنتين اللتين تسعيان لإطلاق عملة سور، إذ إن التقارير الغربية بدأت توضح العوائق أمام هذه العملة، مستدلّة بالصعوبات التي واجهت اليورو قبل ذلك.
إن تطور بنك التنمية، التابع لمجموعة «بريكس»، حيث يصبح في المستقبل نظيراً للبنك الدولي، والذي تتمكن من خلاله المجموعة من فرض رؤيتها على السياسات الاقتصادية لبعض الدول حيث يعد تقدما في هذا المجال. ولكن حتى الآن لا يبدو بنك التنمية، الذي أُسس عام 2015، ندّاً للبنك الدولي. ولكن الحال قد تختلف في المستقبل بوجود دول لديها القدرة على ضخ السيولة لدعم المشاريع التنموية التي تخدم المصالح المشتركة لهذه الدول، دون فرض أجندات سياسية أو اجتماعية.
ومن الجدير بالإشارة، أن قرار انضمام هذه الدول قد يكون أُولى لبنات بناء الاقتصاد الدولي الجديد، فالصين وروسيا و«بريكس» ومعها الدول العربية وتجمعات إقليمية أخرى، لم تعد ترضى بالرضوخ لأميركا وأوروبا وحلفائهما، وبدأت بالفعل بتشكيل نظام اقتصادي بديل منذ أول اجتماع لمجموعة «بريكس» عام 2009، إذ على الرغم من أن تقدم المجموعة كان بطيئاً نسبياً، فإن الضغوط من قبل أميركا وأوروبا واليابان، على الصين وروسيا خلال السنوات الأخيرة أعطت دافعاً لهما لتسريع عجلة التقدم في المجموعة.
إن هذا التكتل الاقتصادي الجديد الذي يضم نحو 42 في المائة من سكان العالم، سيجلب استثمارات في مجالات متنوعة، ويزيد معدلات التبادل التجاري مع الدول أعضاء «بريكس» ويزيد التدفق السياحي، وكذلك استفادة من التطور التكنولوجي في الدول الأعضاء، كما أنه يمكن الاستفادة من القروض الميسرة التي يقدمها بنك التنمية التابع لهذا التكتل، والتي يقدمها بتسهيلات كبيرة وفوائد صغيرة، وفي حال تم إقرار عملة موحدة لـ«بريكس»، فإن التعامل بين الدول الأعضاء بالعملات المحلية سيخفف الضغط على الحاجة للدولار، إذ رغم حداثة عهد تكتل «بريكس» وصغر عدد أعضائه مقارنة بنظرائه من التكتلات الاقتصادية، كالاتحاد الأوروبي والآسيان، فإن «بريكس» أصبح اليوم أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم؛ نظراً للثقل الاقتصادي لدوله في ظل ما تتمتع به من إمكانات بشرية وصناعية وزراعية، بما جعل قراراته محط اهتمام وتأثير عالميين.
في الختام، فإن زيادة أعضاء مجموعة «بريكس» ستحقق مزيداً من القوة الاقتصادية للمجموعة وتعزز من نفوذها وتوسعها عالمياً في مواجهة التكتلات الاقتصادية الأخرى، إذ إن فتح الأسواق بين أعضاء المجموعة قد يحدث تحولاً مالياً واقتصادياً مهماً في العالم، حيث إن وجود دول عربية في عضوية المجموعة، سينعكس إيجاباً على بقية الدول العربية في التنمية الاقتصادية والأمن الاستراتيجي، إذ إن التوافق السعودي - الروسي في منظمة «أوبك بلس» من أجل تحقيق توازن السوق النفطية ومصالح المنتجين، سيكون دافعاً للمجموعة في التوسع، من أجل تحقيق أثر كبير في التنمية الاقتصادية وتحقيق مصالح الدول الأعضاء، وفق بلورة تحالفات اقتصادية جديدة في العالم القادم.