القرار الاتهامي الذي وجه إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في ولاية جورجيا ويتضمن 13 تهمة ضده في قضية محاولة قلب نتائج انتخابات 2020 هو الرابع ضد ترمب هذه السنة، ما يجعله ليس فقط أول رئيس يتم توجيه اتهام في المحكمة الفيدرالية ضده، بل أول رئيس توجه إليه تهمة جنائية في تاريخ أميركا، وهو في الوقت نفسه يتصدر لائحة المرشحين الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024.
طرح هذا القرار الاتهامي الجديد تساؤلات حتى من بعض معارضي ترمب، ومن كتاب رأي عما إذا كان هذا الاتهام الأخير في جورجيا «ضروريا»، وشكك آخرون في حكمة قرار توجيه هذا القرار الاتهامي الرابع ضده، لأنه يواجه الاتهام في المحكمة الفيدرالية في القضية نفسها.
القرار الاتهامي الجديد واسع ومتشعب وتطلب 98 صفحة لتوجيه 41 تهمة ضد الرئيس السابق و18 من مساعديه ومحاميه ومقربين منه، أبرزهم رئيس أركان البيت الأبيض السابق مارك ميدوز ورئيس بلدية نيويورك السابق ومحامي ترمب رودي جولياني. والتهم تتعلق بما يصفه الاتهام بمحاولات لتغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية عام 2020. وتتعلق بشكل خاص بمكالمة هاتفية، كشفت عنها صحيفة «الواشنطن بوست»، منذ أكثر من سنتين بين ترمب ومسؤول انتخابات ولاية جورجيا، ويُسمع في المكالمة المسربة، حسب الصحف الأميركية وهو يطلب من المسؤول أن يجد له الأصوات التي يحتاج إليها، لعكس نتيجة الانتخابات التي فاز فيها الرئيس بايدن في الولاية بهامش ضيق. عدد الأصوات التي طلب ترمب من المسؤول «إيجادها» 11780 صوتاً!
لذلك فإن التهم تضم تهمة بالطلب من موظف أن يخرق القانون، وخرق قانون الابتزاز، والتآمر للتزوير بالدرجة الأولى والتآمر لتزوير وثائق وغيرها. كما استخدمت تعليقات ومواقف له في «تويتر» ضده دلائل على تدخله في الانتخابات.
وعدت الصحف الأميركية هذه الاتهامات الأخيرة الأكثر خطورة لأنها تحمل فترة سجن إجبارية، ولأن ترمب لن يتمكن من إصدار عفو عن نفسه إذا أصبح رئيسا، لأن العفو ممكن في المحاكم الفيدرالية ولا يسمح به في محاكم الولايات. فإذا حكم عليه في ولاية جورجيا فلن يتمكن الرئيس السابق إذا عاد إلى البيت الأبيض من إصدار عفو في هذه الولاية؛ وهذا هو السبب الذي يجعل الرئيس ترمب والمتهمين معه أن يفضلوا نقل القضية إلى المحكمة الفيدرالية كما طلب مارك ميدوز بعد صدور القرار الاتهامي، ومن المتوقع أن يقوم ترمب بطلب الشيء نفسه لأن هيئة المحلفين في دائرة أوسع من دائرة فولتن كاونتي حيث صدر القرار الاتهامي وغالبية سكانها صوتوا للرئيس بايدن في الانتخابات السابقة، وستكون ربما أكثر تساهلا مع ترمب خصوصا أن فيها مناطق مؤيدة له. والسبب الآخر. والأهم أنه إذا نقلت القضية إلى محكمة فيدرالية فهناك فرصة أيضا أن يتم نقلها إلى المحكمة العليا التي تضم العديد من القضاة الذين عينهم ترمب.
إضافة إلى ذلك، وبما أن المحاكمات ستجري في «محكمة» الرأي العام أولا قبل أن يصدر قضاة المحاكم حكمهم فيها فإن من مصلحة الرئيس ترمب والمتهمين الآخرين أن تجري المحاكمات في المحكمة الفيدرالية حيث الجلسات مغلقة، وليس مسموحا لكاميرات المصورين والتلفزيون نقل وقائعها على عكس محكمة جورجيا؛ حيث النقل التلفزيوني مسموح، ما سيجعل المحاكمة العلنية مسلسلا شائقا للمشاهدين كما حصل في فضيحة ووترغيت وجلسات الكونغرس المتلفزة.
هناك كثيرون يرون فيما يحدث من تشكيك في القضاء واتهامه بالتحيز خطراً على القضاء، وعلى مستقبل الحياة السياسية في البلاد إذا استمر الانقسام الحالي في خلق خنادق سياسية ويتخوف هؤلاء من تأثير محاكمة علنية لترمب تزيد الانقسام في البلاد.
هكذا يمكن فهم بعض الأصوات التي خرجت بعد صدور هذا القرار الاتهامي الرابع لترمب لتقول: «هل كان هذا ضروريا؟».
المرشح الجمهوري كريس كريستي، الحاكم السابق لولاية نيوجيرسي سأل هذا السؤال بعد صدور الاتهام. ورغم أنه ضد ترمب وخصم له في الانتخابات، قال إن التهم الواردة في هذا القرار الاتهامي لجهة التدخل في الانتخابات قد تمت تغطيتها في التهم الأربع التي وجهها إليه المدعي العام في القضية الفيدرالية منذ أسابيع. وانتقد المدعية العامة التي وجهت الاتهامات عادّا أنها فعلت ذلك من أجل «تعزيز غرورها» كما قال.
الكاتبة روث ماركوس كتبت في «واشنطن بوست» معبرة عن القلق من «التراكم» في التهم التي توجه لترمب. وتساءلت عما إذا كانت ستتم محاكمته في ست ولايات فيها تهم له تتعلق بمحاولة تغيير نتيجة الانتخابات. وأضافت: «في مرحلة ما، يصبح من غير الإنصاف حتى لترمب، أن تتم محاكمته من ولاية إلى أخرى. لذلك فإن المقاربة الفيدرالية هي الأفضل». وقالت إن سبب شعورها «بالغثيان» هو تحيزها للمدعين العامين الفيدراليين الذين - وعلى عكس المدعين العامين المحليين - لا يترشحون للانتخابات. وهي تغمز جهة المدعية العامة في جورجيا فاني ويليس التي أصدرت القرار الاتهامي.
كثيرون يحذرون من التمادي ضد ترمب لكيلا يجعلوا منه ضحية يستخدمها للحصول على المزيد من الدعم الشعبي والمالي. فالداعمون له قالوا إن دعمهم يزداد كلما تعرض للمزيد من الاتهامات التي يعدونها «ملفقة». وهذا جعله يفوز بلقب «دون ذي تفلون»، أي دونالد الذي لا يلصق به شيء. وأظهرت الاستفتاءات حول حملة 2024 أنه يتقدم على منافسه الأول رون دوسانتس بـ7.38 نقطة، وهذا ارتفع من 10 - 20 نقطة في مارس (آذار) الماضي رغم الاتهامات الموجهة إليه.
فهل هذا يعني أنْ لا شيء يمكن أن يوقف ترمب ويمنعه من الترشح وربما الفوز. خبيران قانونيان سينشران دراسة تحليلية وفقاً لإحدى الصحف البريطانية التي تقول إن ترمب وبعيدا عن سيل القرارات الاتهامية، هو غير مؤهل دستوريا للترشح أو خوض الانتخابات أو العودة إلى البيت الأبيض، بسبب الدور المتهم بلعبه في الهجوم على الكونغرس لأن المادة 3 من البند الرابع عشر في الدستور الذي تم تبنيه بعد الحرب الأهلية، ينص على عدم أهلية أي شخص في تبوّء أي منصب رسمي، إذا شارك في تمرد ضد الولايات المتحدة.
يحار خصوم ترمب كيف يحاصرونه، لكن حتى اليوم وبسبب عدم تخلي داعميه عنه يبقى في طليعة مرشحي حزبه وربما يقترب مرة أخرى من البيت الأبيض. هذا ما يؤرق كثيرا من الأميركيين وليس الديمقراطيين فقط. فترمب 2024 سيكون نسخة مضاعفة عشرات المرات من ترمب 2016؛ لأنه يشعر بالاستهداف.