بعد 20 عاماً من الاضطرابات والتحديات، فإن «عراقاً قوياً ومقتدراً» هو ما وعد به رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الشعب العراقي في رسالته بمناسبة عيد الأضحى في 27 يونيو (حزيران). وقد يعدّ معظم المراقبين للشأن العراقي أن مثل هذه الفكرة بعيدة المنال، حتى مستحيلة. لكن الرؤية التي يطرحها رئيس الوزراء، واسترشد بها بالفعل برنامجه الحكومي، يتم تنفيذها على الأرض منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2022، ما وضع الأسس لبناء عراق أقوى حقيقة واقعة.
يعتمد تأسيس عراق قوي على جانبين؛ الأول هو برنامج الإصلاح الذي تبنته الحكومة، والذي يتضمن 5 أولويات رئيسية؛ مكافحة الفساد، ومعالجة الفقر، والحد من البطالة، وتوفير الخدمات، وتنفيذ الإصلاح الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، تركز الحكومة على بناء مؤسسات الدولة وإبعادها عن المحاصصة السياسية، وإعطاء الأولوية لبناء القدرات، والاستثمار في المستقبل. أما الجانب الثاني فهو العلاقات الدبلوماسية.
حملة السياسة الخارجية الجديدة للعراق
تقوم السياسة الخارجية للعراق على ما يسميه رئيس الوزراء «الدبلوماسية المنتجة» المصممة لتعزيز العلاقات البناءة بين العراق وشركائه، والمبنية على أساس شراكة طويلة الأجل، ومصالح مشتركة تعود بالنفع على الجانبين في قطاعات تشمل الاقتصاد والأمن والثقافة. وأيضاً التأكيد على أن العراق قائم لذاته، ودولة ذات سيادة، وشريك، وليس وكيلاً لصراع أوسع أو ساحة لتسوية الحسابات في حروب بالوكالة.
وتعد العلاقات الثنائية عنصراً حاسماً في هذا النهج الجديد، القائم على خطوات عملية لتطوير شراكات هادفة للوصول إلى نتائج ملموسة تؤدي إلى تحديد الأهداف والمصالح المشتركة ورسم خريطة طريق للعلاقات الثنائية التي تؤدي إلى توقيع الاتفاقيات الدائمة أو مذكرات التفاهم الثنائية. ونتيجة لهذه الجهود، يتمتع العراق الآن بعلاقة متينة مع الشركاء على المستوى الإقليمي والدولي، ويرى بالفعل فوائد هذا النهج في شكل أمن واستقرار بات يتمتع بهما.
علاوة على ذلك، يطلق العراق كثيراً من المبادرات خلال الأسابيع والأشهر المقبلة لتعزيز مكانته كنقطة محورية في الدبلوماسية الإقليمية، ويعمل على إعادة تشكيل علاقاته مع المجتمع الدولي، من خلال استضافة مؤتمر بغداد 2023 (للتكامل الاقتصادي والاستقرار الإقليمي)، ومراجعة العلاقة مع التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) بناء على التقدم المحرز على أرض الواقع.
لعبت بغداد دوراً حيوياً في تسهيل المحادثات بين اللاعبين الإقليميين لتسوية خلافاتهم وإيجاد أرضية مشتركة لعلاقة أفضل وأكثر فائدة. وكان الدور الأبرز هو استضافة المحادثات بين السعودية وإيران، ما أسفر عن الاتفاق التاريخي، الذي أعلن عنه في 10 مارس (آذار) 2023، بالإضافة إلى تسهيل المحادثات بين إيران ومصر، وتركيا والإمارات، ومبادرات أخرى غير معلنة.
والآن، يتحول تركيز الدبلوماسية العراقية إلى التعاون الاقتصادي وانعقاد مؤتمر بغداد 2023، الذي من المقرر عقده في بغداد هذا العام، واستضافة رؤساء الدول الإقليمية وممثلين رفيعي المستوى من الشركاء الدوليين.
وبرنامج القمة مبني على التكامل الاقتصادي لبناء المصالح المشتركة الإقليمية والدولية، هذا التكامل يأتي من خلال إطلاق المشاريع الضخمة المتعددة الأطراف المصممة لصالح المنطقة بأسرها. علماً أن أول مشروع تم إطلاقه هو طريق التنمية. إن الرغبة في المشاركة في بناء هذا المشروع تتصاعد يومياً، وقد أعربت 14 مؤسسة مختلفة، تتراوح بين الصناديق السيادية والمؤسسات المالية، عن اهتمامها بالاستثمار في المشروع حتى الآن، بالإضافة إلى مئات الشركات الحريصة على المشاركة في بناء الطريق من بلدان المنطقة والعالم. وسيشهد المؤتمر إطلاق رؤية رئيس الوزراء السوداني لإنشاء منطقة اقتصادية جديدة، تربط المنطقة بعضها ببعض لخدمة شعوبها.
الأمن ومكافحة الإرهاب
لقد خاض العراق الحرب ضد «داعش» وانتصر فيها بمساعدة المجتمع الدولي، ممثلاً في التحالف الدولي وقوة المهام المشتركة (CJTF)، والأصدقاء، بما في ذلك إيران. فالأراضي المحتلة من قبل الإرهابيين تم تحريرها، وبقايا التنظيم الإرهابي باتت مشتتة، وتواجدها محدود بالمناطق النائية داخل العراق وخارجه.
يتمتع العراق بقوات قتالية مدربة، ولم يعد بحاجة إلى وجود قوات قتالية أجنبية. وتمتلك البلاد ما يلزم لمحاربة عناصر «داعش» أينما كانوا، ويتم تنفيذ مهام ناجحة منتظمة للعثور على مخابئهم وتدميرها.
ونتيجة لذلك، يخوض العراق الآن مباحثات مع التحالف الدولي لإعادة النظر حول تواجدهم. وقد قال السوداني، في مقابلة، في 2 فبراير (شباط) 2023، إن «وجود قوات التحالف الدولي في العراق يحتاج إلى تنظيم وتفويض قانوني». وتواجدهم يقتصر على تقديم الاستشارات والتدريب وتمكين قوات الأمن العراقية.
إن رؤية الحكومة العراقية لأمن البلاد واضحة، وهي تتمحور حول حماية سيادة العراق وتمكين قواته الأمنية من الوقوف على أقدامها للدفاع عنه. هذه هي الأولوية والمفهوم الذي ستستند إليه العلاقات مع التحالف الدولي.
العراق يؤيد إعادة النظر في مهام «يونامي»
اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار الرقم 2682 في 30 مايو (أيار) 2023 لتمديد عمل «يونامي»، ودعمت الحكومة العراقية في رسالة إلى مجلس الأمن «مراجعة استراتيجية مستقلة» للبعثة. وخلال عملها، كان للبعثة دور فعال في دعم إجراء الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات، وتقديم المساعدة لبناء مؤسسات الدولة العراقية وقدراتها، وفي بعض الأحيان العمل على المصالحة والدبلوماسية الإقليمية.
مع ذلك، فإن التفويض الواسع لمهام «يونامي» لم يعد هو ما يحتاجه العراق. ونتيجة لذلك، هناك حاجة الآن إلى مراجعة استراتيجية لمهامها. والأمين العام سيجري هذه المراجعة «بالتشاور مع حكومة العراق» في موعد أقصاه 31 مارس 2024. وتحتاج هذه المراجعة إلى النظر في التحسينات الإيجابية في كثير من القطاعات من خلال برنامج الإصلاح الذي نفذته الحكومة العراقية.
أحرز العراق تقدماً سريعاً على كثير من الجبهات، ما يعكس رغبة هذه الحكومة الراسخة في تعزيز مكانة البلاد على الساحة العالمية، وكلاعب رئيسي في السياسة الإقليمية والدولية. والحكومة لديها الرؤية اللازمة لتحقيق هذا الهدف، ولقد حان الوقت لشركاء العراق الدوليين أن يدركوا قيمة الشراكة مع العراق لما فيها الفائدة لهم وللعراق.
*مستشار شؤون العلاقات
الخارجية لرئيس وزراء العراق