نوح فيلدمان
أستاذ القانون بجامعة هارفارد وكاتب بموقع «بلومبيرغ»
TT

هل الكنيسة الكاثوليكية الأميركية تغذي اليمين المتطرف؟

استمع إلى المقالة

إلى أي مدى تعتبر الكنيسة الكاثوليكية مُحافظة؟ الحقيقة هي أنها مؤسسة مُحافظة للغاية لدرجة أن عندما قال البابا فرنسيس مؤخراً إن المثلية الجنسية تعتبر خطيئة ولكنها ليست جريمة، اعتبر المراقبون تصريحه هذا بمثابة تقدم، وهم على حق في ذلك، فالعلاقة بين الكاثوليكية والمُحافظة عميقة للغاية، فهي تعود على الأقل إلى فترة الإصلاح المضاد، عندما كان يتعين على الكنيسة أن تدافع عن الوضع الديني في أوروبا المسيحية في ذلك الوقت ضد انتقادات البروتستانت الراديكالية التي كان يتم توجيهها للقساوسة وللتسلسل الهرمي وللمذاهب، ففي ذلك الوقت كانت الكنيسة الكاثوليكية تعارض التنوير، وترفض حرية الضمير، كما ظلت تعاليمها لفترة طويلة متشككة للغاية في الديمقراطية.

ومن الإنصاف القول أيضاً إن النقد المحافظ الأكثر عمقاً واستدامةً لليبرالية يأتي من التقاليد الفكرية الكاثوليكية، فليس من قبيل المصادفة أن القضاة المحافظين الستة في المحكمة العليا هم كاثوليكيون، وعندما شرع المجتمع الفيدرالي في تطوير كادر نخبوي من رجال القانون المحافظين، كان المحامون الكاثوليك الشباب اللامعون أكثر ميلاً واستعداداً للسير على خُطى القاضي أنتونين سكاليا أكثر من المحامين الشباب الإنجيليين البروتستانت.

ولطالما شكلت الطبيعة المحافظة للكنيسة الكاثوليكية تحدياً لليبراليين الكاثوليك الأميركيين في فترة ما بعد الحرب، واليوم، يصر السياسيون أمثال الرئيس الأميركي جو بايدن (وهو الرئيس الكاثوليكي الثاني فقط للولايات المتحدة) ورئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي على معتقداتهم الكاثوليكية بينما يتمسكون في الوقت نفسه بمواقفهم السياسية الليبرالية السائدة في الوقت الحالي، وذلك في بعض القضايا مثل الإجهاض وزواج المثليين، حيث يتعارض موقفهم مع التعاليم الرسمية للكنيسة، وهما في ذلك يسيران على طريق جون كيري وماريو كومو، وحتى جون كينيدي.

وفي كتابها الجديد الذي جاء بعنوان «القيام بدور الرب: الأساقفة الكاثوليك الأميركيون واليمين المتطرف» تهدف الصحافية ماري جو ماكونهاي، وهي كاثوليكية ليبرالية، إلى إظهار المُحافظة المتطرفة لمجموعة من الأساقفة الكاثوليك الأميركيين وربطهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، باليمين المتطرف المؤيد للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ولكن يجب القول إن الأساقفة المحافظين الذين تركز عليهم في كتابها هم محافظون جداً، حيث تحدثت عن مشاركة الأسقف جوزيف ستريكلاند في مسيرة «أوقفوا السرقة» في المركز التجاري الوطني في 12 ديسمبر (كانون الأول) 2020، وكيف روى رئيس الأساقفة كارلو ماريا فيغانو، في نفس التجمع الذي نظمته مجموعة مسيحية تدعى «Jericho March»، كيف أسقط الرب أسوار المدينة المحاصرة بعد أن حاصرها بنو إسرائيل، ثم هناك رئيس الأساقفة سالفاتور كورديليون من سان فرانسيسكو، الذي تحدثت عن رفضه ارتداء قناع الحماية أثناء الوباء ورفضه موقف البابا فرانسيس من لقاحات «كوفيد - 19»، حيث صرح لصحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل» في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بأن لديه جهاز مناعة قوياً، وأن اللقاحات المعتمدة من قبل الحكومة «ليست لقاحات حقاً».

ولم تكن ماكونهاي مخطئة في تحديد بعض أفراد الكاثوليكية المعاصرة الذين ينحرفون نحو أقصى اليمين، ومع ذلك، فإنه لم تذهب أي من الشخصيات التي ذكرتها إلى الحد الذي وصل إليه الأب تشارلز كوغلين أو الأب آرثر تيرمينيلو، اللذان قاما في منتصف القرن العشرين بتعليم العنصرية ومعاداة السامية وحتى الفاشية لجمهور وطني على نطاق واسع، كما تم عزل الأب فرانك بافوني، وهو رئيس منظمة «Priests for Life» ومؤيد لترمب، من قبل الفاتيكان في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بسبب «منشورات تجديفية» على وسائل التواصل الاجتماعي وتجاهله لتوجيهات رؤسائه (وقد اتُهم منذ ذلك الحين أيضاً بسوء السلوك)، فضلاً عن تعاون بعض أساقفة الولايات المتحدة مع الأشخاص الذين اقتحموا مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021.

ولكن قراءة كتاب ماكونهاي قد تكون محبطة بعض الشيء، وذلك لأنها لم تميز بين الآراء المحافظة التي تعد تعاليم رسمية للكنيسة، مثل العقيدة الخاصة بالخطيئة، والآراء اليمينية المتطرفة التي ليست متأصلة في الكاثوليكية نفسها، مثل رفض الانتخابات ورفض اللقاح، وقد تبدو نتيجة ذلك في بعض الأحيان مشابهة بشكل مؤلم للهجمات البروتستانتية القديمة على الكاثوليكية التي جمعت بين الاعتراضات المبدئية على الكاثوليك وعلى مضمون معتقداتهم.

وتقول ماكونهاي في كتابها إن بعض الأساقفة الكاثوليك المحافظين «يتكلمون كما لو كنا لا نزال نعيش في القرن الرابع عشر، عندما كان الدين مهيمناً على الحياة، وكان يتم النظر إلى أي رجل دين باعتباره مصدر المعرفة والحقيقة، إذ ما زالت الكنيسة الكاثوليكية تؤمن بأنها مصدر المعرفة والحقيقة».

وتتابع قائلة: «ولكن اليوم باتت لدينا معرفة أفضل تجعلنا لا نثق برجال الدين، الذين هم مجرد بشر، من دون تفكير»، وهو الرأي الذي كان ليوافق عليه مارتن لوثر وجون كالفن، مؤسسا البروتستانتية، ولكن سيكون من الصعب على البابا فرنسيس أن يتفق معه بشكل كامل؛ لأنه والكنيسة لم يتخليا عن عقيدة العصمة البابوية (التي تقر بأن البابا له سلطة شرعية على الكنيسة الكاثوليكية كلها، وتحت شروط محددة فيما يخص قضايا تعليم الإيمان والأخلاقيات للكنيسة).

وهناك سبب آخر للشعور بالإحباط من قراءة الكتاب، وهو أنه من المفترض أن تدور فرضية ماكونهاي حول العلاقات بين الأساقفة الكاثوليك ونشطاء اليمين والشخصيات العامة، ولكنها مع ذلك واجهت صعوبة في ربط الأساقفة بشكل وثيق بالمحافظين البارزين أو المؤسسات المحافظة، إذ اتهمت بعض الأساقفة بأنهم منخرطون في «خطة كبرى لتحويل اتجاه الولايات المتحدة نحو القومية المسيحية»، وصحيح أنه ربما يكون الأمر كذلك بالفعل، ولكنها لم تقم بربط أي أساقفة كاثوليك بهذا المشروع.

وهناك فصل في الكتاب عن بول ويريش وجهوده الناجحة لتوحيد الكاثوليك والبروتستانت الإنجيليين في الثمانينات، ولكن الفصل لم يتضمن أي شيء تقريباً عن التسلسل الهرمي الكاثوليكي، كما هو الحال في الفصل الخاص بمؤسس دومينوز بيتزا توماس موناغان، الذي موّل تأسيس كلية الحقوق في آفي ماريا ومركز «توماس مور» للقانون.

ومثل الليبراليين الكاثوليك الأميركيين الآخرين، فإن من الواضح أن ماكونهاي معجبة بالبابا فرنسيس الذي يؤيد احتمالية أن تصبح الكنيسة تدريجياً أقل محافظة على الأقل، إن لم تصبح ليبرالية، وأنا شخصياً معجب به في هذا الصدد، ولكنني أجد صعوبة في التعاطف مع تلميحات ماكونهاي المتكررة بأن الكاثوليك المحافظين، بمن فيهم الأساقفة والناس العاديون، يكونون بطريقة ما غير مطيعين عندما يتخذون مواقف مؤيدة للبابا فرنسيس.

وعندما كان البابا بنديكتوس السادس عشر المحافظ في منصبه، وقام بتعيين العديد من الأساقفة الأميركيين المحافظين الذين ما زالوا في مناصبهم حتى الآن، كان من المقبول تماماً للكاثوليك الليبراليين، في الولايات المتحدة أو في أي مكان في العالم، تبني وجهات النظر المعارضة له، فلا تطالب الكنيسة الكاثوليكية، مع كل نزعتها المحافظة، الناس بالولاء التام في كل الأمور، ولكنها تميز التعاليم الأساسية الضرورية للعقيدة عن الأمور التي يُسمح فيها بالاختلاف، ولذا فإنه يجب أن يتمتع كل من الكاثوليك المحافظين والليبراليين بهذه الميزة، كما هي.

وسيبدو من اللطيف تذكير الليبراليين الكاثوليك، أمثال ماكونهاي، بأن الكنيسة الكاثوليكية هي، وفقاً لتعريفها لنفسها، هيكل للسلطة الهرمية، فإذا لم تكن مثل هذه المؤسسة مُحافظة، فأنا لا أعرف كيف يمكن أن تكون المؤسسات المحافظة إذن.

* خدمة «نيويورك تايمز»