قادت المملكة العربية السعودية استراتيجية جديدة وشاملة مع الصين الشعبية تنعكس على مستقبل التعاون العربي - الصيني بشكل لم يتحقق بمثل هذه الحيوية المتسعة سياسياً واقتصادياً. وهو تحولٌ نوعي في المنطقة العربية التي كانت تتسم بنفوذ أميركي سياسي وأمني واقتصادي. وهو أيضاً تحولٌ تدعمه مؤشرات وبروتوكولات واتفاقيات مع الصين امتدت إلى دول عربية أخرى شملتها اجتماعات قمة لدول عربية عدة مع الصين في بداية العام الماضي (2022). وشكلت القمة الصينية - العربية برعاية سعودية نقطة تحول بارزة في مراجعة العلاقات الأميركية - السعودية. وذكرت المصادر السعودية أن بكين والرياض وقعتا اتفاقيات في مجالات الطاقة والاقتصاد والعمران ومبادرة «طريق الحرير» وصولاً إلى تعليم اللغة الصينية، تحت لافتة «رؤية 2030»، التي يعدّ فيها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي شريكاً مهماً وطموحاً.
وفي ظل اتفاقية بكين - الرياض وُلدت الاتفاقية السعودية - الإيرانية، وتكون الصين بذلك قد نجحت في عبور أزمة معقدة وسط مناخ دولي ملغوم يمكن أن يكون مدخلاً لحل مشكلات أخرى في المنطقة وخارجها، وبذلك تتحول الصين عن جدارة إلى وسيط سياسي محترف.
ونقلت محطة تلفزيون «سي إن إن» عن وزير الخارجية الإيراني حسين عبداللهيان أن اجتماعه مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في بكين كان «إيجابياً»، وتمت فيه مناقشة استئناف العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الرياض وطهران، وإعادة فتح السفارات والقنصليات والتأكيد على الاستقرار والأمن والتنمية في المنطقة. وشمل الاتفاق التبادل الاقتصادي والتجاري، واستئناف الرحلات الجوية والزيارات المتبادلة للوفود الرسمية في القطاع الخاص، وتسهيل منح تأشيرات الحج والعمرة.
وهذا الاجتماع هو أعلى مستوى لمسؤولين من البلدين منذ أكثر من 7 سنوات. وينتظر أن تنعكس العلاقات السعودية - الإيرانية على العلاقات الخليجية مع إيران، في مبادرة صينية نشطة لتحسين العلاقات الثنائية بين الرياض وطهران عبر بكين.
وكانت العلاقات بين الجانبين قد ساءت بسبب حرب اليمن أولاً، والاعتداءات الإيرانية على المؤسسات النفطية السعودية، وتهديد الملاحة في الخليج العربي، واعتداءات الحرس الثوري على السفارة السعودية في طهران أكثر من مرة، بالإضافة إلى أعمال فوضوية في بعض مواسم الحج والعمرة.
ووصفت إذاعة «بي بي سي» البريطانية، الاتفاق بين البلدين بأنه حقق «اختراقاً» في خلاف شائك منذ سنوات. وكانت الرياض قطعت العلاقات الدبلوماسية مع طهران في يناير (كانون الثاني) 2016 بعد الاعتداء على سفارة المملكة وقنصليتها في إيران.
والاتفاق الثلاثي، السعودي - الإيراني - الصيني، سبقته مباحثات بين طهران والرياض خلال عامي 2021 و2022 استضافتها سلطنة عمان وجمهورية العراق. ويفترض أن الصين تضمن بنود الاتفاقية.
وكشف وزير المالية السعودي محمد الجدعان عن وجود كثير من فرص الاستثمار السعودي في إيران. لكن اتفاقيات كهذه، كما علق مراقبون، تجري في مناخ حذر بسبب دور إيران «الإشكالي» في المنطقة. ورحب البيت الأبيض بالاتفاق، لكنه قال إنه «لم يتضح بعد ما إذا كان الإيرانيون سيفون بالتزاماتهم». كما رحبت فرنسا بالخطوة، لكنها حثت إيران على «نبذ أعمالها المزعزعة للاستقرار».
وهناك بوادر ومؤشرات إلى إمكانية حل مشكلة اليمن بطرق دبلوماسية نحو اتفاق سياسي شامل ينهي هذا الصداع المزمن. فهل يجد اليمن الذي «كان» سعيداً، أملاً في استعادة الأمن والسلام والسعادة في ظل اتفاقية بكين؟ الحلول واردة سواء عن طريق المفاوضات أو النظام الفيدرالي أو الديمقراطي أو الانتخابات كما تم حل مشكلة الأكراد في العراق، مثلاً.
وفي إيران قال علي شمخاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي: «إن إزالة سوء التفاهم والتطلع إلى مستقبل العلاقات بين طهران والرياض، سيؤديان إلى تعزيز الاستقرار والأمن الإقليميين». ومع كل التأكيدات على سريان مفعول بيان بكين والتمسك بنقاطه وأهدافه جميعها، فإن الشكوك في التنفيذ الإيراني لها موقع في تحليلات الصحف العالمية. وعلى العكس من منطق الدولة الذي انتهجته الدول العربية في السعودية ودول الخليج، اتجه النظام الإيراني فور نجاح ثورته على حكم الشاه في عام 1979 نحو الاستفزازات وتصدير الثورة وإثارة النزعات الطائفية، ما أدى إلى اندلاع حرب طويلة بين العراق وإيران (1980 - 1988) انتهت بانتصار العراق.
في هذا الصدد، أكدت مجلة «فورين بوليسي» أن الرياض «تعرف الهوية الحقيقية للحرس الثوري الإيراني ودوافعه...». وأضافت أنه بالنسبة للسعوديين فإن الصفقة «تمنحهم القدرة على متابعة أهدافهم الأساسية المتعلقة ببناء القوة الاقتصادية لبلدهم، والمضي في الإصلاحات الاجتماعية التي تحتاج البلاد إليها بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان». وترى «مجموعة الأزمات الدولية» أن المملكة تريد نهجاً مختلفاً حيال إيران بما يقلل التهديدات ضد السعودية، معتبرة أنه بدلاً من محاولة عزل إيران، تسعى السعودية الآن إلى «مواجهة واحتواء وإشراك إيران».
بعد انتهاء سبع سنوات ثقيلة بين السعودية وإيران نال الإعلان عن البيان السعودي - الإيراني ترحيباً عربياً وإقليمياً ودولياً، إلا إذا أرادت طهران من اتفاقية بكين جسراً لمآربها النووية... وحينها لكل حادث حديث.