منذ وصف جيمس واتسون وفرانسيس كريك البنية اللولبية المزدوجة للحمض النووي لأول مرة، ناقش العلماء إمكانية تكوين أطفال معدلين وراثياً. ففي عام 2018، أعلن عالم صيني، يدعى هي جيانكوي، أنه نفّذ ذلك بالفعل، إذ استخدم أداة للتعديل الجيني تُسمى «كريسبر» لتعديل أجنة الفتيات التوائم، على أمل جعلها مقاومة لفيروس نقص المناعة البشرية.
كانت قوانين الصين الحاكمة للطب الإنجابي وتعديل الجينات مُحددة بصورة غير جيدة في ذلك الوقت. لكن الغضب بين العلماء والجمهور أدى إلى الحكم على الدكتور جيانكوي بالسجن 3 سنوات بتهمة «الممارسة الطبية غير القانونية»، بموجب قانون واسع النطاق، ونُدّد به بصفته ساعياً إلى «الشهرة الشخصية والربح».
شددت الصين، منذ ذلك الحين، من قوانينها الحاكمة لتعديل الجينات وطب الخصوبة. كان الدكتور جيانكوي قد تحرك في أبحاثه بسرعة كبيرة، وفشل في إثبات حمايته الفعلية للتوائم من فيروس نقص المناعة البشرية. لذلك ينبغي على الحكومات والمجتمع العلمي تطوير أطر قانونية واضحة لمنع العلماء المارقين من تتبع خُطاه.
ألفتُ كتاباً عن تجربة الدكتور جيانكوي، وكنت أحادثه بانتظام منذ إطلاق سراحه من سجنه في مارس (آذار) 2022. قال لي: «التأمل في هذه الانتقادات ألهمني رؤى جديدة». ومع ذلك، شرع الدكتور جيانكوي مؤخراً في مشروعات جديدة ضمن مجال التقنية الحيوية تعكس إشارات على تكرار زلاته الأخلاقية الماضية. يمنح هذا الجدل الفرصة لمناقشة أكثر قوة بشأن مستقبل تقنيات تعديل الجينات في عيادات الخصوبة.
وتوضح قصة الدكتور جيانكوي مشكلة غير محلولة في اقتصاد الابتكار. وتتصادم قيم السوق (المُحبذة للسرعة، والأرباح، والطفرات) مع قيم أساسية أعمق تتعلق بصحة الإنسان، والإنصاف، والتنوع.
تلقى الدكتور جيانكوي تدريباً لمدة عام في جامعة ستانفورد، في قلب وادي السيليكون، حيث «يتحرك التقنيون بسرعة عالية ويعصفون بالأشياء». ثم عاد إلى الصين بفضل الحوافز الحكومية في عام 2012. وأنشأ هناك مختبراً في مدينة شينزين، المدينة المعروفة صينياً بالسرعة والإبداع. بعد تأسيس شركة ناشئة، بقيمة 312 مليون دولار، أنفق بعض أسهم الشركة لتمويل مشروعه «كريسبر».
كان مسؤولو الحزب الشيوعي الحاكم قد دعموا في البداية أبحاث «كريسبر» للدكتور جيانكوي، في سياق الحلم الصيني للرئيس شي جينبينغ، وهي سياسة داعمة «للتقنيات المتطورة» لجعل «الصين بلد المبتكرين». وهكذا، قال الدكتور جيانكوي إنه ظن أنه سوف يُصبح بطلاً وطنياً، ثم تفاجأ عندما صار منبوذاً.
دفع أكاديميو أخلاقيات علم الأحياء بأنه لا ينبغي السماح للدكتور جيانكوي بنشر أبحاثه، لانتهاكه المبادئ والمعايير الأساسية للعلم. أنا لا أوافق على ذلك، فلا يزال هناك كثير مما يمكن أن نتعلمه من زلاته الأخلاقية الخاطئة، فضلاً عن بياناته العلمية.
وينبغي إخضاع مزاعمه بشأن المقاومة الهندسية لفيروس نقص المناعة البشرية للتفحص النقدي الذي يقترن مع المراجعة العلمية للنظراء. ويجب نشر بياناته الأصلية حتى يتمكن المجتمع العلمي من التعرف على إمكانات ومشكلات «كريسبر» في الطب الإنجابي.
إذا ما نجح أسلوبه، فلا بد من معالجة التساؤلات الأخلاقية واسعة النطاق، وليس دسّها أسفل البساط، إذا كان بوسعنا تعديل الحمض النووي للأجنة البشرية بصورة فعالة، فهل ينبغي لنا ذلك حقاً؟
استخدام «كريسبر» على الأجنة البشرية يمكن أن يُغيّر التركيب الجيني للأجيال القادمة بطرق متنوعة. ربما نستهدف بعض أشكال الصمم والعمى بأدوات تعديل الجينات قبل ولادة الأطفال. وربما يستخدم الأطباء تقنيات تعديل الجينات في الأجنة لإصلاح الأمراض الخلقية، مثل «فقر الدم المنجلي» و«التليف الكيسي».
كما أن تعديل الجينات يُغذي المناقشات بشأن مبحث تحسين النسل (أو علم الوراثة البشرية). وكما ذكرت مجلة «بيزنس إنسايدر»، فإن أصحاب رؤوس الأموال المتجاسرين وأهل الرؤى التقنية الذين يطلقون على أنفسهم مسمى «المؤيدين للإنجاب»، يريدون إنقاذ الحضارة عبر إنجاب أطفال متفوقين وراثياً. ويبدو أن بعض أصحاب الرؤى المثالية يعتقدون أنهم يمتلكون بالفعل جينات جيدة، في حين يسعى آخرون إلى التحسينات الوراثية. ويعمل رواد الأعمال في وادي السيليكون على استقطاب علماء «كريسبر» ضمن مساعيهم لتصميم جينات الأطفال المثاليين.
نظراً لإمكانية إساءة استخدام هذه التقنية، فإن فوائد استخدام «كريسبر» في طب الخصوبة قد لا تفوق المخاطر. وبصفة جماعية، يمكننا اتخاذ القرار بنقل هذه التقنية إلى المحفوظات، لأن تعديل «كريسبر» للجينات لصالح الاستخدامات الإنجابية يمكن أن يسير في سبيل الاستنساخ البشري، ومن ثم حظره، أو قد يُقرر أساتذة العلم وزعماء المجتمع المدني أن بعض استخدامات تعديل الجينات مسموح به في الأجنة البشرية، إذا كان «كريسبر» قادراً على طرح حلول للمشكلات الطبية المنتشرة، على سبيل المثال. لكن هناك حاجة إلى مبادئ توجيهية أخلاقية وقواعد قانونية جديدة لتنظيم هذه التقنية في عيادات الخصوبة.
لتنفيذ ذلك بصورة جيدة، نحتاج إلى فهم المخاطر التقنية، فضلاً عن المخاطر الاجتماعية.
لقد ضلّل الدكتور جيانكوي الجماهير عندما أصدر إعلانه عام 2018 على موقع يوتيوب قائلاً: «جاءت فتاتان صينيتان صغيرتان جميلتان، اسمهما لولو ونانا، إلى هذا العالم بصحة جيدة مثل أي طفل آخر، قبل بضعة أسابيع».
في الواقع، أمضى التوأمان الأسابيع الأولى في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في المستشفى. فقد ولدت لولو ونانا قبل الأوان، بعملية قيصرية طارئة في الأسبوع 31، وكانتا تُعانيان في البداية من صعوبة في التنفس.
يمكن أن تكون المشكلات الصحية التي واجهتها لولو ونانا عند الولادة ناتجة عن المخاطر المعروفة للحمل بالتوائم وعلاجات الإخصاب التقليدية في المختبر، أو قد تكون نتيجة لمخاطر غير معروفة مرتبطة بتعديل الجينات بتقنية «كريسبر». واليوم، يُقال إنهما تتمتعان بصحة جيدة، لكن مستقبلهما غير معروف.
يقول الدكتور جيانكوي إنه يجب استخدام «كريسبر» لأسباب طبية فقط، برغم أنه يمكن القول إن تجربته الخاصة أسفرت عن طمس الحدود ما بين الطب الإكلينيكي والتحسين البشري. جاء في ورقة بحثية بشأن أخلاقيات تعديل الجينات، شارك الدكتور جيانكوي في تأليفها (وسُحبت الدراسة لاحقاً): «ليس لأحد الحق في تحديد الخصائص الوراثية للطفل إلا بغرض الوقاية من المرض». لكن الدراسة تابعت: «كل شخص يستحق التحرر من المرض الوراثي».
كما يمكن للمبادئ المجردة بشأن الوقاية من الأمراض في المستقبل أن تسفر عن حدوث مشكلات غير مقصودة. ويشعر كثير من الصُمّ والمكفوفين بالقلق من أن أشخاصاً مثلهم سيجري تعديلهم (استبعادهم) من الوجود، بدلاً من أن يتعلم المجتمع كيفية استيعابهم بصورة أفضل. في الوقت نفسه، تحتشد بعض جماعات الدفاع عن المرضى مؤيدةً لعلاجات «كريسبر».
كما أن الحصول على هذه التقنية في المستقبل هو مصدر قلق أيضاً. إن تعديل الجينات في الأجنة قد يكون باهظ التكاليف بالنسبة لأغلب الأزواج. وتتراوح دورة واحدة من الإخصاب المختبري في الولايات المتحدة من 15 ألفاً إلى 30 ألف دولار، اعتماداً على احتياجات المريض، في حين أن تكاليف العلاجات الجينية المعتمدة للبالغين باهظة بالفعل.
القوانين ذات الصلة بتعديل الجينات في الولايات المتحدة غامضة حالياً، على الأقل مقارنة باللوائح الصارمة التي أقرتها الصين. وقد حظر الكونغرس الأميركي التمويل الفيدرالي لأي تجربة إكلينيكية تتعلق بتعديل جينات الأجنة البشرية، غير أن هذا الحظر يخضع لإعادة التفويض بصفة دورية.
* أستاذ مشارك
في الأنثروبولوجيا بجامعة أكسفورد
* خدمة «نيويورك تايمز»