كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟

برلين فاجأت بوتين بتغيير سياساتها تماماً ونجاحها في فك ارتباطها بالطاقة الروسية

ميركل تتوسط بوتين وبوش الابن عام 2007 خلال قمة «جي-8» في ألمانيا (أ.ف.ب)
ميركل تتوسط بوتين وبوش الابن عام 2007 خلال قمة «جي-8» في ألمانيا (أ.ف.ب)
TT

كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟

ميركل تتوسط بوتين وبوش الابن عام 2007 خلال قمة «جي-8» في ألمانيا (أ.ف.ب)
ميركل تتوسط بوتين وبوش الابن عام 2007 خلال قمة «جي-8» في ألمانيا (أ.ف.ب)

بعد مرور عام على غزو روسيا لأوكرانيا، يزداد كل يوم وضوح حجم الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ لكن هناك خطأً واحداً له الصدارة يتعلق بسوء التقدير بالنسبة لألمانيا. فقد رأى بوتين أن ألمانيا تعتمد اعتماداً كبيراً للغاية على الطاقة الروسية، وضعيفة للغاية عسكرياً، وذات عقلية تجارية تحول دون قيامها بأي مقاومة لحربه ضد أوكرانيا. وكان مخطئاً في ذلك.
وتقول الدكتورة ليانا فيكس، خبيرة شؤون أوروبا بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، وكارولين كاب، الباحثة بالمجلس، إن روسيا أصبحت في العقد المؤدي للاجتياح في فبراير (شباط) 2022، تشعر بالجرأة بافتراضها أن ألمانيا تقدِّر مصالحها الاقتصادية فوق كل شيء آخر. وهذه المصالح مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باعتماد ألمانيا الشديد على استيراد الغاز الطبيعي الروسي رخيص الثمن.
وتضيف فيكس وكاب في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، أن اعتماد ألمانيا على روسيا استمر بالنسبة للطاقة في التزايد، حتى بعد أن ضمت شبه جزيرة القرم، وأشعلت حرباً في شرق أوكرانيا عام 2014، مما يبدو أنه تأكيد لتفكير موسكو. وعندما اجتاحت القوات الروسية أوكرانيا مطلع العام الماضي، كانت روسيا تزوِّد ألمانيا بأكثر من نصف إجمالي الغاز الطبيعي الذي تستهلكه، بقيمة تبلغ نحو 220 مليون دولار يومياً.
وعزز تجنب ألمانيا الراسخ استخدام القوة العسكرية الذي يرجع إلى تاريخها في الحرب العالمية الثانية سوء تقدير روسيا. ففي عام 2014 أكدت أنجيلا ميركل، مستشارة ألمانيا في ذلك الوقت، أنه ليس هناك حل عسكري للنزاع في أوكرانيا، ورفضت الاقتراحات بأن تقدم ألمانيا مساعدات أسلحة لكييف.
وأكدت وساطة ألمانيا فيما تسمى «صيغة نورماندي» في الفترة من 2014 إلى 2022 بينها وبين روسيا، وأوكرانيا، وفرنسا، انطباع روسيا بأن ألمانيا سوف تعطي الأولوية للدبلوماسية كنهجها الأساسي في السياسة الخارجية. وتوقعت روسيا أنه -فيما وراء الخطاب السياسي والعقوبات الاقتصادية- سوف تذعن ألمانيا في نهاية الأمر للهيمنة الروسية في أوروبا الشرقية.
كما أن تصورات بوتين الخاطئة تعتبر نتيجة لاتصالاته الشخصية العميقة مع ألمانيا. فقد عاش وعمل ضابطاً للمخابرات الروسية في درسدن لعدة سنوات في ثمانينات القرن الماضي، وشهد الاحتجاجات الجماهيرية التي اتسمت بها الأيام الأخيرة للجمهورية الديمقراطية الألمانية (ألمانيا الشرقية) ونهاية حلف وارسو. وهو يتحدث الألمانية بطلاقة.
وفي عام 2001 ألقى خطاباً في البرلمان الألماني باللغة الألمانية، وهو أول رئيس روسي يفعل ذلك. كما ارتبط بعلاقات شخصية وثيقة مع المستشار الأسبق جيرهارد شرودر، وبعد أن ترك شرودر منصبه، تم تعيينه رئيساً لمجلس إدارة شركة الطاقة الروسية العملاقة «روسنيفت». وعزز كل ذلك اعتقاد بوتين بأنه يعرف ويفهم خبايا السياسة الألمانية؛ التي كان يعتقد أن مجال الأعمال يهيمن عليها.
وذكرت فيكس وكاب أن بوتين أكد مراراً وتكراراً الصلات التاريخية بين ألمانيا وروسيا؛ مشيراً إلى عقدة الذنب بالنسبة للجرائم التي ارتكبتها ألمانيا النازية في الاتحاد السوفياتي، وتقدير ألمانيا لموافقة الرئيس الروسي ميخائيل غورباتشوف على تحقيق توحيد سلمي لألمانيا. ووصف بوتين في مناسبات عديدة ضم شبه جزيرة القرم بأنه توحيد، في محاولة لعقد مقارنة بتوحيد ألمانيا عام 1990.
وكانت مفاجأة لبوتين قيام ألمانيا بتغيير سياساتها تماماً تجاه روسيا، بما في ذلك فك ارتباطها بالطاقة الروسية بنجاح. وسعت روسيا إلى الإسراع بوضع اللمسات الأخيرة لخط أنابيب «نورد ستريم 2» في الشهور التي سبقت الاجتياح، وتعمدت تفريغ خزانات الغاز الألماني التي تمتلكها شركة «غازبروم» الروسية لزيادة الضغط على ألمانيا. ومع ذلك، قامت ألمانيا قبل أيام قليلة من الحرب بإنهاء مشروع «نورد ستريم 2» بصورة لا رجعة فيها، بعد أن أوقفت روسيا كل إمدادات الغاز، وتحولت أساساً من غاز خط الأنابيب الروسي الأساسي إلى الغاز الطبيعي المسال لملء خزاناتها.
كما قامت ألمانيا بتعزيز ودعم العقوبات المفروضة على روسيا. ونقلت صحيفة «فيلت أم زونتاغ» عن وزارة المالية الألمانية قولها إن السلطات فرضت عقوبات على أصول روسية بقيمة 5.32 مليار يورو (5.69 مليار دولار) تقريباً في ألمانيا بسبب اجتياحها أوكرانيا. وأفادت الصحيفة بأن الأصول مملوكة لكيانات روسية، مثل البنك المركزي الروسي، وشركات وأفراد مدرجين على قائمة الاتحاد الأوروبي للعقوبات. وقالت إن الوزارة لم تذكر قيمة الأصول المجمدة التي يملكها أثرياء من النخبة الروسية. ونقلت الصحيفة عن الوزارة أيضاً أن هيئة مركزية جديدة لتنفيذ العقوبات لا تزال قيد الإنشاء، ويعمل بها بالفعل 36 موظفاً، وسيتم تعيين المزيد.
وفي الفترة ما بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، ونوفمبر 2022، انخفضت صادرات ألمانيا إلى روسيا بمقدار 29.‏1 مليار يورو، بنقص يبلغ 3.‏51 في المائة، وانخفضت الواردات من روسيا بمقدار 36.‏2 مليار يورو، بنقص يبلغ 4.‏59 في المائة.
وتشير فيكس وكاب إلى أن ألمانيا التي كانت مقيدة عسكرياً، التزمت بإنفاق ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي على الدفاع، وهو الهدف المعلن بالنسبة لأعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وقدمت دعماً عسكرياً كبيراً لأوكرانيا. وتعتبر ألمانيا في الوقت الحالي ثاني أكبر دولة بالنسبة للمساعدات العسكرية لأوكرانيا في أوروبا بعد المملكة المتحدة.
وعلى الرغم من شكوى بوتين من أنه بعد 80 عاماً من الحرب العالمية الثانية «يتعرض الروس للتهديد مرة أخرى من جانب دبابات (ليوبارد) الألمانية»، من المقرر أن ترسل ألمانيا وشركاؤها أول كتيبة دبابات «ليوبارد 2» إلى أوكرانيا بحلول أبريل (نيسان) المقبل، وسوف يتبع ذلك إرسال دبابات «ليوبارد 1» ذات الطراز الأقدم.
واختتمت فيكس وكاب تقريرهما بالقول إن إساءة تقدير روسيا لموقف ألمانيا، وتحول ألمانيا، لهما دور مهم في حرب افترض كثيرون أنها سوف تنتهي بهزيمة أوكرانية سريعة. وقد تعرضت التزامات المستشار أولاف شولتس للانتقاد بسبب التردد، وبطء التنفيذ، والإذعان للقيادة الأميركية. ومع ذلك، فقد دحضت ألمانيا تماماً توقعات بوتين. وفي الحقيقة أدت حرب روسيا إلى أكبر تحول في السياسة الخارجية والأمنية الألمانية منذ نهاية الحرب الباردة.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن
الكرملين أمام انتصار بعيد... وهزيمة مستحيلة
بوتين «معزول» عالمياً وأمام «طريق مسدود» ... وروسيا خسرت أوكرانيا «إلى الأبد»
زيلينسكي... الممثل الهزلي لعب أدواراً كوميدية بحضور بوتين
هل أعادت الحرب الحياة إلى «الناتو» أم أيقظته «مرحلياً»؟


مقالات ذات صلة

أوكرانيا: القوات الروسية أعدمت 5 من أسرى الحرب

أوروبا مظاهرات أوكرانية في كييف تطالب بتبادل الأسرى (أ.ف.ب)

أوكرانيا: القوات الروسية أعدمت 5 من أسرى الحرب

قال مفوض البرلمان الأوكراني لحقوق الإنسان، ديميترو لوبينيتس، اليوم الأحد، إن القوات الروسية أعدمت 5 من أسرى الحرب الأوكرانيين.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أحد عناصر الإطفاء يحاول إخماد حريق في روسيا (خدمة الطوارئ الروسية عبر تلغرام)

روسيا تشهد موجة من الحرائق المتعمدة

شهدت روسيا سلسلة محاولات لإشعال حرائق بشكل متعمد استهدفت مصارف ومراكز تسوق ومكاتب بريد ومباني حكومية خلال الأيام الثلاثة الماضية وفق وسائل إعلام

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماع في كييف بأوكرانيا 9 ديسمبر 2024 (أ.ب)

زيلينسكي يعلن أنه التقى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في كييف

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، أنه التقى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في كييف، في إعلان رسمي نادر عن اجتماع بينهما.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا واجهة مطار قازان الروسي (أرشيفية - ريا نوفوستي)

إعادة تشغيل مطار قازان في روسيا عقب هجوم أوكراني

أعلنت الوكالة الاتحادية للنقل الجوي في روسيا (روسافياتسيا) إعادة فتح مطار مدينة قازان بعد إغلاقه مؤقتاً عقب هجوم بطائرات مسيّرة أوكرانية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس (د.ب.أ)

وزير الدفاع الألماني: لن نرسل جنوداً إلى أوكرانيا ما دامت الحرب لم تنتهِ

لم يستبعد وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أن تضطلع بلاده بدور عقب وقف محتمل لإطلاق النار في الحرب الروسية على أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)

الأمم المتحدة: 40 % من ضحايا الحروب نساء... و30 % أطفال

بلغت نسبة الضحايا المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 % من مجموع القتلى المسجلين لدى وكالات الأمم المتحدة (رويترز)
بلغت نسبة الضحايا المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 % من مجموع القتلى المسجلين لدى وكالات الأمم المتحدة (رويترز)
TT

الأمم المتحدة: 40 % من ضحايا الحروب نساء... و30 % أطفال

بلغت نسبة الضحايا المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 % من مجموع القتلى المسجلين لدى وكالات الأمم المتحدة (رويترز)
بلغت نسبة الضحايا المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 % من مجموع القتلى المسجلين لدى وكالات الأمم المتحدة (رويترز)

حالكاً كان المشهد العام بالنسبة إلى المرأة خلال العام الماضي في مناطق الصراعات المسلحة والأزمات الإنسانية، التي شهدت تضاعف عدد الضحايا من النساء مقارنة بالعام السابق عليه، ولن يكون أحسن حالاً خلال هذه السنة التي تشرف على نهايتها، كما يتبيّن من التقرير السنوي الذي يعدّه مكتب الأمين العام للأمم المتحدة بشأن حماية المدنيين في ظروف الحرب.

يرسم هذا التقرير، الذي صدر منذ أيام، صورة قاتمة جداً لما عانته النساء في الأزمات المسلحة خلال عام 2023، حيث شكّلن 40 في المائة من مجموع القتلى المدنيين؛ أي ضعف ما بلغته هذه النسبة عام 2022، فيما كانت نسبة الأطفال الذين قضوا في هذه النزاعات 30 في المائة، أي 3 أضعاف العام السابق عليه.

مدنيو غزة... 70 % من إجمالي الضحايا

سيدة فلسطينية تتفقد الدمار في حي الدرج بعد غارة إسرائيلية يوم 22 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)

كما يفيد التقرير بأن عدد الضحايا المدنيين في المدة نفسها ارتفع بنسبة 73 في المائة، حتى بلغ 34 ألفاً من القتلى غير المحاربين، وذلك بسبب نشوب نزاعات مسلحة جديدة، خصوصاً الحرب في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث كانت نسبة الضحايا في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 في المائة من مجموع القتلى الذين سجلتهم وكالات الأمم المتحدة.

يقول بابلو كاستيّو، وهو خبير دولي في شؤون المرأة شارك في إعداد التقرير الأممي بشأن المرأة والسلم والأمن، إن «نسبة النساء الضحايا ارتفعت في جميع الحروب، وإن السبب في ذلك هو عدم احترام القانون الدولي والمواثيق الإنسانية في ظروف الحرب؛ الباردة والساخنة، بين القوى العظمى، وأيضاً بسبب المناخ الجيوسياسي العام وزعزعة النظام الدولي متعدد الأطراف». ويحذّر كاستيّو بأن «ثمة تنامياً لمنحى مهاجمة كل ما يمكن تعريفه أنثوياً، والمشهد العام بالنسبة إلى وضع المرأة تدهور إلى حد اقتضى عودة الأمم المتحدة إلى استخدام سرديتها السابقة، وإدانة استهداف النساء في تقاريرها».

وينبّه التقرير إلى أن «العالم بات رهينة دوامة مخيفة من النزاعات وعدم الاستقرار والأزمات المسلحة، التي بلغ عددها 170 نزاعاً في العام الماضي، و612 مليوناً من النساء والبنات يعشن على مسافة لا تتخطى 50 كيلومتراً من مناطق القتال، أي بزيادة 150 في المائة على العقد السابق».

الاعتداءات الجنسية

من المعلومات الأخرى المقلقة التي يكشف عنها التقرير أن حالات الاعتداءات الجنسية في مناطق الصراعات المسلحة والأزمات ارتفعت بنسبة 50 في المائة، وأن عدد البنات اللاتي يتعرضن لحالات اغتصاب خطرة قد ازداد بنسبة 35 في المائة. وتقول كريستين غارنت، الخبيرة في «الارتباط بين الحرب والنوع الاجتماعي»، إن «هذه الأرقام ليست وليدة الصدفة؛ لأن العنف الجنسي كان ولا يزال من الأسلحة المستخدمة في الحروب، ليس فحسب لدفع السكان إلى النزوح القسري، بل أيضاً للمقايضة بين الجماعات الإرهابية وسبيلاً لتمويل أنشطتها».

يشير التقرير في مواقع عدة إلى «حرب ضد النساء»، وإلى تعرّض المرأة لأشكال شتّى من المعاناة، فضلاً عن القتل والاغتصاب. فهي مثلاً تواجه صعوبات متصاعدة للحصول على العناية الطبية، وأيضاً ما لا يقلّ عن 500 امرأة وبنت يلقين حتفهن كل يوم في مناطق النزاعات المسلحة بسبب المضاعفات الصحية الناجمة عن الحمل و الولادة، «كما حدث في غزة المدمرة أواخر العام الماضي، حيث كانت تسجل 180 حالة ولادة يومياً، جلّها من غير عناية طبية أو مستلزمات صحية أساسية».

وتقول ماري فيكس، رئيسة فريق «أطباء بلا حدود» في السودان، إن «امرأة ريفية حاملاً اضطرت إلى الانتظار 3 أيام لتجمع المال الكافي كي تحصل على العناية الطبية، لكن عندما وصلت إلى المركز الصحي وجدت أن الأدوية والمستلزمات الأساسية لم تكن متوفرة، وعادت إلى منزلها حيث تدهورت حالتها في انتظار المساعدة إلى أن فارقت الحياة بسبب التهاب بسيط كانت معالجته سهلة».

«غياب الوعي العالمي»

نساء مُصطفّات للحصول على مساعدات غذائية بجنوب السودان في 13 نوفمبر الماضي (أ.ب)

يتضمّن التقرير أيضاً، لأول مرة، انتقاداً مباشراً لما يسميه «غياب الوعي العام الأساسي بخطورة هذه المظالم»، ولضعف التغطية الإعلامية لهذه الحالات: «تضاعفت كمية الأنباء المتداولة على وسائل الإعلام حول الحروب 6 مرات في السنوات العشر الماضية، لكن نسبة 5 في المائة منها فقط تناولت أوضاع المرأة ومعاناتها الناجمة عن الصراعات».

منذ سنوات تتوالى الاتهامات حول استخدام العنف الجنسي سلاحاً في الصراع الدائر بجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث سجّلت الأمم المتحدة وقوع 123 ألف حالة اغتصاب في العام الماضي وحده؛ أي بزيادة 300 في المائة على عام 2020، لكن من غير أن يتعرض أي من المرتكبين للإدانة القضائية. والأغرب من ذلك، أن السنوات الماضية شهدت تراجعاً في تمويل المنظمات الناشطة ضمن برامج المساواة والحد من تداعيات الحروب والنزاعات المسلحة على النساء والبنات، في الوقت الذي ازدادت فيه الهجمات والانتقادات التي تتعرض لها هذه المنظمات. ويفيد التقرير بأن السلطات المحلية والوطنية في بلدان، مثل العراق وليبيا واليمن، منعت استخدام مصطلحات مثل «النوع الاجتماعي»، فيما شهدت بلدان كثيرة ازدياداً في الاعتداءات على المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والفنانات.

في أفغانستان، يشير تقرير الأمم المتحدة إلى حالة «آبارتهايد» تتعرض لها المرأة؛ المحرومة منذ 3 سنوات من حقها في التعليم بعد الثانية عشرة من العمر، وإلى أن محاولات الانتحار تزداد بنسبة خطرة بين النساء منذ صيف عام 2021 عندما عادت «طالبان» إلى الحكم. ويدعو التقرير إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة وضع المرأة في أفغانستان «قبل فوات الأوان».