مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
TT

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان

لم يصدف في التاريخ أن كانت الحرب معزولة عن السياسة. فالحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، حسب كارل فون كلوزفيتز. والحرب تُخاض لأهداف سياسية بحتة، شرط أن تكون هذه الأهداف قابلة للتحقيق. والعكس قد يعني أن استراتيجيّة الحرب المرسومة سوف تناقض طبيعتها. فاستراتيجيّة الحرب بشكل عام، هي تلك الطريقة (الكيف في التنفيذ) التي تربط الأهداف بالوسائل، شرط التوازن بين الاثنتين.
أن تدخل الحرب بثقة زائدة، متجاهلاً الكثير والكثير من متطلّبات النجاح، لهو أمر قاتل. وأن تدخل الحرب ومفتاح نجاحها بيد الأعداء، لهو أمر يعكس السطحيّة الاستراتيجيّة للمخطّطين. لكن المصيبة تكمن، بالثمن المدفوع لأي تعثّر. فمن يرِدْ أن يكون قوّة عظمى فعليه تجميع عناصر القوّة لمشروعه.
وإذا تعذّر ذلك، فعليه ابتكار استراتيجيّة فريدة من نوعها، تجمع «القوّة الطريّة» مع القوّة الصلبة، بهدف التعويض عن أيّ نقص من عناصر القوّة.

فشل منظومة بوتين
لردع الغرب!
لم يستطع الرئيس بوتين وبعد سنة على عمليته العسكريّة في أوكرانيا، تركيب منظومة ردعيّة فاعلة وقادرة على تسهيل حربه. بكلام آخر، لم تنفع استراتيجيّته والمُسمّاة استراتيجيّة الرجل المجنون (Mad Man Theory)، في ردع الغرب. فهو أراد حماية حربه التقليديّة بمظلّته النوويّة، مُظهراً نفسه لاعباً غير عقلانيّ (Irrational). فمن التهديد النوويّ المتكرّر من قبله، ومن قبل الرئيس الروسي السابق ميدفيديف، إلى وزير الخارجيّة سيرغي لافروف. كان ردّ الغرب عبر اتباع استراتيجيّة القضم المُتدرّج لخطوط بوتين الحمراء.
وللتذكير فقط، استعمل الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، وبالتعاون والتنسيق مع هنري كيسنجر، استراتيجيّة الرجل المجنون في حربه على فيتنام. فصوّر نيكسون نفسه آنذاك على أنه لاعب غير عقلاني قد يذهب إلى استعمال النووي في حال لم تلبَّ مطالبه، وذلك مقابل حركيّة كيسنجر العقلانيّة لإيجاد مخرج من مستنقع فيتنام.

من يريد كلّ شيء، قد
لا يحصل على شيء
وضع الرئيس بوتين لنفسه أهدافاً تعجيزيّة. من طلبه عودة وضع حلف «الناتو» إلى منتصف التسعينات، إلى إلغاء الدولة الأوكرانيّة، وضمّها إلى روسيا على أنها جزء لا يتجزّأ من مناطق النفوذ الروسيّ، إلى قيادة الانتفاضة العالميّة ضد الإمبرياليّة الأميركيّة، إلى رسم نظام عالميّ جديد تكون فيه روسيا لاعباً كونيّاً وقوّة عظمى على غرار أميركا والصين. كلّ ذلك، باقتصاد ودخل قوميّ يوازي الدخل القومي لمدينة نيويورك. كل ذلك مع تصنيع حربيّ متواضع، يعود أغلبه إلى أيام الاتحاد السوفياتيّ، ودون تصنيع محلّي للشرائح الذكيّة، التي تعد حيويّة لتشغيل أسلحة القرن الحادي والعشرين. كل ذلك مع جيش أغلبه من الأقليات التي تعيش في المناطق النائية وعلى هامش حياة الشعب الروسي في المدن الرئيسّية. جيش لا يحسن القتال المشترك للأسلحة (Combined). جيش مؤلّف من عدّة جيوش، منها الجيش الروسيّ الرسمي، إلى الفرق الشيشانيّة، وحتى شركة «فاغنر» الخاصة. حتى إن هذه الجيوش لا يقاتل بعضها مع بعض، وهي ليست على وفاق، لا بل تتصارع علناً، إن كان حول الاستراتيجيات العسكريّة، أو حتى في طريقة إدارة الحرب. جيش لم يخطط للسيناريو السيّئ، فوقع في فخ الرضا المسبق عن الذات.
بوتين الحائر
بين الاستراتيجيّة والتكتيك
في المرحلة الأولى للحرب حول كييف، خسر بوتين في الاستراتيجيّة والتكتيك. غيّر الاستراتيجيّة وتوجّه نحو إقليم الدونباس فحقق نجاحات تكتيكيّة، لكنها لم تُصَب وتتراكم لتؤمّن النجاحات الاستراتيجيّة.
بعد الدونباس، خسر الرئيس بوتين التكتيك في إقليم خاركيف، كما أجبر على الانسحاب من مدينة خيرسون. وبذلك، تراكمت الخسائر التكتيكيّة والاستراتيجيّة على كتف الرئيس بوتين لتعيده إلى مربّع الخسارة الأول حول العاصمة كييف.

التقييدات على سلوك بوتين
في المرحلة المقبلة
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرّتين متتاليتين في أوكرانيا.
• فالخسارة تعني بالحدّ الأدنى الإطاحة به سياسياً، حتى ولو لم تتظهّر معارضة داخلية حتى الآن.
• تاريخيّاً، لا مكان للضعفاء في الكرملين. فكلمة الكرملين وهي من أصل تتريّ، تعني القلعة المُحصّنة. وكلّما كان هناك تعثّر عسكريّ روسي في الخارج، كان التغيير السياسي في الداخل النمط المعتاد.
• لا بد للرئيس بوتين من تقديم نصر عسكريّ للداخل الروسي، حتى لو كان محدوداً. وقد يكون هذا النصر في إقليم الدونباس أولاً، وفي إقليم زابوريجيا ثانياً. فهو قد ضمّ هذين الإقليمين إلى جانب إقليم خيرسون.
• لكن السيطرة على الأقاليم الثلاثة: الدونباس وزابوريجيا وخيرسون، بأكملها، ليس بالأمر السهل، وذلك استناداً إلى التجارب السابقة مع الجيش الروسيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يستطع الجيش الروسي، و«فاغنر» إسقاط مدينة بخموت حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على العمليّة العسكريّة حولها.

المنتظر من بوتين
• بدل النوعيّة أغرق الرئيس بوتين الجبهات بالكميّة، خصوصاً من العسكر الجديد. ألم يقل الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين: «إن للكميّة نوعيّة بحد ذاتها؟»، وبذلك يحاول بوتين اختبار جاهزيّة الانتشار الأوكراني على طول الجبهة لرصد نقاط الضعف.
• تقول المعلومات إن الجيش الروسي قد حشد كثيراً من الطائرات الحربيّة والطوافات على حدود أوكرانيا استعداداً لاستعمالها في المعركة المقبلة، خصوصاً أن جاهزيّة السلاح الجويّ الروسي تتجاوز نسبة 80 في المائة.
• كما تقول المعلومات إن التجمعات العسكريّة بدأت تظهر داخل الأراضي الروسيّة خصوصاً في مدينة كورسك، التي تقع خارج مدى راجمات «الهايمرس».
• يحاول الرئيس بوتين استرداد زمام المبادرة من يد الجيش الأوكراني، وذلك استباقاً لوصول المساعدات الغربيّة، خصوصاً الدفاعات الجويّة ودبابات القتال الرئيسيّة.
• وأخيراً وليس آخراً، قد يحاول الرئيس بوتين زرع الفوضى في المحيط الجغرافي لأوكرانيا، إن كان في مولدوفا، أو انطلاقاً من إقليم كاليننغراد الروسي والواقع على بحر البلطيق. هذا عدا إمكانيّة ضرب خطوط الإمداد لأوكرانيا على ثلاثة ممرات بريّة؛ تمرّ عبر كل من: سلوفاكيا ورومانيا وبولندا.
في الختام، هذه هي صورة الجبهّة الروسيّة. لكن رقصة «التانغو» بحاجة إلى شخصين كي تكتمل. فكيف ستكون عليه الجاهزيّة الأوكرانيّة؟ خصوصاً أننا عاينّا في هذه الحرب نماذج الحرب من العصر الزراعي، كما من العصر الصناعي، ودون شكّ من العصر التكنولوجيّ.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن


مقالات ذات صلة

ردود فعل متباينة على فوز اليمين القومي بالانتخابات التشريعية الفرنسية

أوروبا مارين لوبان، مرشحة حزب "التجمع الوطني" القومي، تتفاعل في نهاية يوم الانتخابات الفرنسية في باريس، فرنسا، 1 يوليو 2024 (إ.ب.أ)

ردود فعل متباينة على فوز اليمين القومي بالانتخابات التشريعية الفرنسية

تصدّر فوز اليمين الفرنسي بقيادة حزب «التجمّع الوطني» بالجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الصفحات الرئيسية للصحف العالمية وبدأت تخرج ردود الساسة الأوروبيين.

شادي عبد الساتر (بيروت)
أوروبا جنود أوكرانيون يلقمون راجمة الصواريخ «فامباير» على الجبهة قرب دونيتسك (رويترز)

روسيا تعلن السيطرة على قريتين إضافيتين في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا سيطرتها على قريتين إضافيتين في شرق أوكرانيا، بعد دخول ثلاث قرى خلال عطلة نهاية الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أوكرانيات مدنيات لدى حضورهن تدريباً على استخدام الأسلحة القتالية والمعدات الطبية في كييف (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحبط مخططاً لانقلاب مزعوم

أعلنت السلطات الأوكرانية عن إحباط مخطط لانقلاب مزعوم كان يستهدف الاستيلاء على السلطة في العاصمة كييف.

«الشرق الأوسط» (كييف)
جندي أوكراني يستعد لإطلاق نظام صواريخ متعددة الإطلاق من طراز «RM-70 Vampire» باتجاه القوات الروسية في موقع بالقرب من خط المواجهة بمنطقة دونيتسك (رويترز)

أوكرانيا: عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي وصل إلى ما يقرب من 544 ألفاً

أعلن الجيش الأوكراني اليوم ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجنود الروس منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 إلى ما يقرب من 544 ألف جندي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
آسيا عناصر من الدفاع المدني تحاول إنقاذ رجل مصاب داخل سيرة مدمرة قرب مبنى سكني استهدفته غارة روسية في دنيبرو بأوكرانيا (رويترز)

روسيا تعلن إسقاط 36 مسيّرة أوكرانية

أعلنت موسكو أن الدفاعات الجوية الروسية دمّرت 36 طائرة مسيّرة أطلقتها كييف ليل السبت - الأحد على مناطق عدة في جنوب غربي روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)

بعدما ذرف «دموع الفرح»... الهلال يصدم جماهيره بـ«رحيل الفرج»

دوري أبطال آسيا من أبرز الإنجازات التي أسهم الفرج في تحقيقها لصالح ناديه الهلال (الشرق الأوسط)
دوري أبطال آسيا من أبرز الإنجازات التي أسهم الفرج في تحقيقها لصالح ناديه الهلال (الشرق الأوسط)
TT

بعدما ذرف «دموع الفرح»... الهلال يصدم جماهيره بـ«رحيل الفرج»

دوري أبطال آسيا من أبرز الإنجازات التي أسهم الفرج في تحقيقها لصالح ناديه الهلال (الشرق الأوسط)
دوري أبطال آسيا من أبرز الإنجازات التي أسهم الفرج في تحقيقها لصالح ناديه الهلال (الشرق الأوسط)

في قرار مفاجئ أثار ضجة بين أنصار النادي، أعلنت شركة نادي الهلال اتفاقها مع سلمان الفرج قائد الفريق على عدم إكمال مشواره والمتبقي منه نحو عام، ومغادرته النادي العاصمي بعد 16 عاماً قضاها بين أسواره، مثمنين ما قدمه اللاعب طيلة فترة تمثيله للنادي، التي شهدت تحقيق العديد من الإنجازات والبطولات.

يذكر أن الفرج لمح في أواخر مايو (أيار) الماضي، إلى إمكانية رحيله عن صفوف الأزرق العاصمي مع نهاية الموسم الحالي رغم امتداد عقده حتى نهاية الموسم المقبل.

وعقب تتويجهم بلقب كأس الملك، قال الفرج إن دموعه التي انهمرت بغزارة كانت نتيجة الفرحة وليست لها معان أخرى، مشدداً على أن لاعبي الهلال قادرون على المواصلة في طريق المنجزات.

وكشف الفرج صعوبة الموسم الحالي على الصعيد الشخصي، لكونه بات بعيداً عن المشاركة بصورة أساسية.

وقال الفرج: سعادتي ستكون أكبر إذا أكملت مشواري في الهلال، وبإذن الله يحدث، الأهم أن يكون الجمهور راضياً عني.

وأضاف: لو غادرت فأحب أن أغادر ومحبتهم كبيرة لي، فقد أعطيتهم كل شيء.

ومضى الفرج، البالغ من العمر 34 عاماً، قائلاً: الجماهير يجب أن تعرف... لا يوجد لاعب دائم، قد أعتزل وقد أنتقل لناد آخر، تلك هي كرة القدم، في النهاية هي مصالح مشتركة، النادي يتجه إلى مصلحته وأنا كذلك.

وختم سلمان الفرج حديثه: «أنا محب لهذا النادي وجمهوره الكبير ولا يمكن أن أنساهم طوال حياتي، وأتمنى أن تكون محبتهم مستمرة لي ولا تتغير في حال غادرت»، موضحاً: الجمهور هو أساسنا وهو الداعم الدائم لنا في تحقيق هذه المُنجزات.

وكان الهلال أعلن أيضاً عن رحيل مهاجمه الدولي صالح الشهري بعد انتهاء عقده، وقدم النادي شكره للاعب لإسهامه في منجزات الفريق الكروي منذ انتقاله قادماً من الرائد.

من جانب آخر، استأنف لاعبو الهلال استعداداتهم للموسم الرياضي المقبل، بعد انتهاء الإجازة التي منحت لهم لمدة شهر بداية من 1 يونيو (حزيران).

وأعلن البرتغالي خورخي خيسوس مدرب الفريق البرنامج الذي سيتبعه اللاعبون بداية من يوم الثلاثاء، الذي يشتمل على عمل مجموعة من الفحوصات الطبية الاعتيادية في الفترة الصباحية، فيما سيؤدي اللاعبون اختبارات بدنية في الفترة المسائية.

ولم يوجد لاعبو الفريق الدوليون، حيث منحهم المدرب إجازة حتى يوم 7 من شهر يوليو (تموز) الجاري، نظير تأخرهم في التمتع بإجازتهم السنوية لمشاركتهم مع المنتخب في منافسات دولية بعد نهاية الموسم الماضي، فيما سيلتحق الثنائي الصربي سيرجي سافيتش، وألكسندر ميتروفيتش بتدريبات الفريق، مع انطلاق معسكر الفريق الخارجي في النمسا، يوم 15 من شهر يوليو الحالي.

من جهة أخرى، انضم الثنائي البرتغالي ريكاردو سيلفا مدرب اللياقة، وجواو كارلوس مدير العمليات إلى الطاقم الفني للفريق الأول لكرة القدم، حيث حل سيلفا بديلاً عن مدرب اللياقة السابق البرتغالي مارسيو سامبايو، الذي ترك عمله في الفريق لظروف خاصة تمنعه من الاستمرار.