الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن

تسلَّحت روسيا بامتياز النقض (الفيتو) الذي ورثته عن الاتحاد السوفياتي السابق لمنع مجلس الأمن من اتخاذ أي موقف من غزوها لأوكرانيا (أ.ف.ب)
تسلَّحت روسيا بامتياز النقض (الفيتو) الذي ورثته عن الاتحاد السوفياتي السابق لمنع مجلس الأمن من اتخاذ أي موقف من غزوها لأوكرانيا (أ.ف.ب)
TT
20

الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن

تسلَّحت روسيا بامتياز النقض (الفيتو) الذي ورثته عن الاتحاد السوفياتي السابق لمنع مجلس الأمن من اتخاذ أي موقف من غزوها لأوكرانيا (أ.ف.ب)
تسلَّحت روسيا بامتياز النقض (الفيتو) الذي ورثته عن الاتحاد السوفياتي السابق لمنع مجلس الأمن من اتخاذ أي موقف من غزوها لأوكرانيا (أ.ف.ب)

خلال عام كامل من أخطر أزمة يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، تسلَّحت روسيا بامتياز النقض (الفيتو) الذي ورثته عن الاتحاد السوفياتي السابق، لمنع مجلس الأمن -باعتباره الجهة المخولة صون الأمن والسلم الدوليين طبقاً لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها- من اتخاذ أي موقف من غزوها لأوكرانيا. جردته عملياً من الوظيفة الرئيسية التي أنشئ من أجلها.
ولئن كان «الفيتو» الذي تحظى به الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، وروسيا، موضع شكوى قديمة من بقية الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة، فإن الانتقادات تتركز منذ أكثر من عشر سنين على استخدام روسيا الرئيس فلاديمير بوتين لهذا الامتياز، حتى قبل بدء «العملية العسكرية الخاصة» ضد أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) 2022. حال الفيتو الروسي دون اتخاذ المجلس المؤلف من 15 عضواً قرارات حاسمة وملزمة لوقف الحرب السورية المتواصلة منذ 12 عاماً. بقيت الجمعية العامة التي يمكنها اتخاذ قرارات ولكن غير ملزمة، منتدى كبيراً للتنديد بروسيا وغزوها لأوكرانيا. لا شك في أن هذه القرارات تمثل «إدانة أخلاقية» تثير كثيراً من الإزعاج لروسيا، وتظهرها «معزولة» أو «منبوذة» على الساحة الدولية.

لا سكوت
منذ بدء الأزمة الروسية- الأوكرانية في فبراير 2014 حين انتزعت روسيا شبه جزيرة القرم بالقوة من أوكرانيا، عقد مجلس الأمن عشرات الاجتماعات المخصصة للتطورات على مستويات عديدة في الجمهورية السوفياتية السابقة. غير أن الأحداث المتسارعة التي قادت إلى دخول القوات الروسية إلى أجزاء واسعة من الأراضي الأوكرانية، بدءاً من 24 فبراير 2022، جعلت الحاجة إلى تحرك جدي في مجلس الأمن أكثر إلحاحاً بالنسبة إلى أوكرانيا، وداعمي احترام سيادتها على أراضيها. وإذا كانت الدعوة إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن، والتصويت على قرار يندد بالغزو، أمراً بديهياً، فإن «الفيتو» الروسي بدا حتمياً حتى بالنسبة إلى المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، التي أعلنت أن روسيا «لن تتمكن من إسكاتها». وبعدما أخفق القرار بسبب «الفيتو»، تباينت التفسيرات حول امتناع الصين والهند والإمارات العربية المتحدة عن التصويت. وقررت الدول الراعية للقرار نقله إلى الجمعية العامة.
لم يكن الاجتماع والتصويت بعد أقل من 24 ساعة على بدء الغزو هو المحاولة الأولى لتعامل مجلس الأمن مع الأزمة المتصاعدة. سبقتها أربع جلسات: الأولى في 31 يناير (كانون الثاني)، وتلتها جلسة ثانية في 17 فبراير، ثم ثالثة في 21 فبراير، بطلب من كييف عقب قرار موسكو الاعتراف باستقلال إقليمي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، ورابعة استثنائية في 23 فبراير بطلب من أوكرانيا أيضاً، بعدما طلبت سلطات جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين مساعدة عسكرية من روسيا.

عزل روسيا
كان اللجوء إلى الجمعية العامة فور بدء الحرب مناسبة كرر فيها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن تصرفات روسيا تشكل انتهاكاً لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، وتتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
عندما صار مجلس الأمن في وضع «مشلول»، تمكنت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية من فتح دورة استثنائية، تسمح بالعودة إلى الجمعية في أي وقت عملياً.
ومع اقتراب الذكرى الأولى للغزو، عمم الدبلوماسيون الغربيون مشروعاً لقرار جديد على الدول الأعضاء، بهدف تأكيد الحاجة إلى «سلام عادل ودائم» لأوكرانيا. ويكرر القرار غير الملزم أنه «لن يتم الاعتراف بأي استيلاء على الأراضي ناتج عن التهديد باستخدام القوة على أنه أمر قانوني»، داعياً روسيا مجدداً إلى «سحب قواتها فوراً وبشكل كامل وغير مشروط» من أوكرانيا «داخل حدودها المعترف بها دولياً». ويكرر القرار الجديد أنه «بعد عام واحد من بدء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا»، فإن تحقيق «سلام شامل وعادل ودائم» سيشكل «مساهمة كبيرة في تعزيز السلم والأمن الدوليين».

قرارات سابقة
أما الهدف الرئيسي الآخر، فهو أن يفوز القرار بتأييد أكبر عدد ممكن من الأصوات، علماً بأن القرارين السابقين حصل آخرهما على 143 صوتاً في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، عند التصويت على قرار يندد بمحاولة بوتين «غير القانونية ضم أربع مناطق من أوكرانيا: دونيتسك وخيرسون ولوغانسك وزابوريجيا». ويطالب روسيا «بالانسحاب الفوري والكامل وغير المشروط» من أوكرانيا. وصوتت خمس دول ضد القرار، وهي: نيكاراغوا، وكوريا الشمالية، وروسيا، وسوريا، وبيلاروسيا، بينما امتنعت 35 دولة عن التصويت. ولم تصوت خمس دول.
وكانت الجمعية العامة قد صوتت في مارس (آذار) الماضي على قرار يدين روسيا بأكثرية 141 صوتاً. واعترضت خمس دول، هي: بيلاروسيا، وإريتريا، وكوريا الشمالية، وروسيا، وسوريا، بينما امتنعت 35 دولة عن التصويت.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وافقت الجمعية على قرار يضع مساراً دولياً لتعويضات الحرب. وصوتت معه 94 دولة، مقابل اعتراض 14 دولة وامتناع 73 دولة عن التصويت. وطلب الجلسة الجديدة في ذكرى الحرب كل من: ألبانيا، وأستراليا، وبريطانيا، وكندا، وغواتيمالا، واليابان، ومولدافيا، وكوريا الجنوبية، وتركيا، وأوكرانيا، والولايات المتحدة، ووفد الاتحاد الأوروبي الذي يمثل 27 دولة.

إدانة أخلاقية
هناك اجتماعات أخرى سبقت ثم تلت عن حقوق الإنسان وضحايا الحرب؛ لكن كل الاجتماعات التي عقدها مجلس الأمن، بما فيها تلك التي حضرها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لم تتمكن من اتخاذ أي موقف ذي مغزى. أما تلك التي شهدتها الجمعية العامة في الدورة الاستثنائية الحادية عشرة المخصصة لأوكرانيا، فليس لها حتى الآن سوى صدى للإدانة الأخلاقية ضد روسيا.
بالإضافة إلى اعتبار الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها روسيا عن طريق التهديد بالقوة أو استخدامها غير قانونية، يتضمن القرار أحكاماً حول كيفية معاملة أسرى الحرب والمحتجزين، على وجه التحديد بما يتماشى مع اتفاقيات جنيف. وهي تتألف من أربع معاهدات، وثلاثة بروتوكولات إضافية جرى التفاوض عليها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهي تضع المعايير القانونية للمعاملة الإنسانية خلال فترات النزاع المسلح. تجري عمليات تبادل لأسرى الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مما يعكس كيف يمكن للجانبين الاتفاق على خطوة واحدة مثمرة.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا
الكرملين أمام انتصار بعيد... وهزيمة مستحيلة
بوتين «معزول» عالمياً وأمام «طريق مسدود» ... وروسيا خسرت أوكرانيا «إلى الأبد»
زيلينسكي... الممثل الهزلي لعب أدواراً كوميدية بحضور بوتين
هل أعادت الحرب الحياة إلى «الناتو» أم أيقظته «مرحلياً»؟


مقالات ذات صلة

9 قتلى و63 جريحا في قصف صاروخي روسي استهدف كييف

أوروبا رجال إنقاذ أوكرانيون يززيلون الأنقاض بعد هجوم صاروخي باليستي روسي لدى كييف في وقت مبكر من يوم الخميس (أ.ب)

9 قتلى و63 جريحا في قصف صاروخي روسي استهدف كييف

سقط ما لا يقلّ عن تسعة قتلى و63 جريحا، بينهم ستة أطفال، في قصف صاروخي روسي استهدف كييف ليل الأربعاء-الخميس، بحسب ما أعلنت فرق الإسعاف في العاصمة الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا مسيرة من طراز «شاهد 136» (أرشيفية - رويترز)

أوكرانيا تعلن استهداف موقع روسي لتصنيع الطائرات المسيرة في تتارستان

أعلن الجيش الأوكراني، اليوم الأربعاء، أنه قصف موقعاً روسياً لإنتاج الطائرات المسيرة بعيدة المدى في تتارستان، مما أدى إلى إتلاف خط التجميع النهائي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا زيلينسكي: أوكرانيا ستظل تتصرف وفقاً لدستورها

زيلينسكي: أوكرانيا ستظل تتصرف وفقاً لدستورها

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم (الأربعاء)، إن بلاده ستظل تتصرف وفقاً لدستورها.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أندري يرماك (أ.ف.ب)

أوكرانيا تؤكد تمسكها بمبادئها الأساسية خلال المفاوضات مع روسيا

قال أندري يرماك، مدير مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن بلاده ستظل متمسكة بمبادئها الأساسية خلال أي مفاوضات تهدف إلى إنهاء الحرب مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

ترمب يهاجم زيلينسكي ويتهمه بالإدلاء بـ«تصريحات تحريضية» حول القرم

هاجم الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اليوم (الأربعاء)، نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، متهماً إياه بالإدلاء بـ«تصريحات تحريضية» حول شبه جزيرة القرم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

رئيس وزراء غرينلاند يعتزم زيارة الدنمارك

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)
TT
20

رئيس وزراء غرينلاند يعتزم زيارة الدنمارك

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

يعتزم رئيس وزراء غرينلاند الجديد زيارة الدنمارك يومي 27 و28 أبريل (نيسان)، وفقاً لما أعلنته الحكومة، الأربعاء، لبحث الأزمة الناشئة عن طموح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالسيطرة على الإقليم الدنماركي الذي يتمتع بحكم ذاتي.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، يصر ترمب على حاجة بلاده إلى ضم غرينلاند لأسباب أمنية، رافضاً استبعاد احتمال استخدام القوة لتحقيق ذلك، ما أدى إلى توتر العلاقات بين واشنطن وكوبنهاغن.

وتوجهت رئيسة الوزراء الدنماركية، ميته فريدريكسن، التي زارت غرينلاند مطلع أبريل (نيسان) لإظهار وحدة الموقف، إلى الولايات المتحدة بالقول «لا يمكنكم ضم دولة أخرى».

ويقود ينس فريدريك نيلسن الحكومة الائتلافية الجديدة في غرينلاند بعد فوز حزبه الديمقراطي من يمين الوسط في الانتخابات التشريعية التي جرت في مارس (آذار).

وستكون هذه أول زيارة له إلى الدنمارك منذ توليه منصبه. وقالت فريدريكسن في بيان قبل الزيارة: «نعيش في زمن يتطلب الوحدة».

وأضافت: «علينا أن ندعم بعضنا بعضاً في ظل الوضع السياسي الخارجي الصعب الذي تمر به غرينلاند والمملكة الدنماركية حالياً».

وخلال زيارته، سيلتقي نيلسن أيضاً ملك الدنمارك فريدريك، وممثلين للبرلمان الدنماركي.

وأعلن القصر الملكي، في بيان منفصل، أن الملك سيرافق نيلسن بعد ذلك إلى غرينلاند لزيارة الجزيرة القطبية الشمالية.