أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا

خلافات بشأن كيفية إنهاء الحرب... وتفعيل آلية السلام الأوروبية

الرئيس الأوكراني يتوسط رئيسي المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي (أ.ب)
الرئيس الأوكراني يتوسط رئيسي المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي (أ.ب)
TT

أوروبا... تساؤلات حول مآلات الدعم لأوكرانيا

الرئيس الأوكراني يتوسط رئيسي المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي (أ.ب)
الرئيس الأوكراني يتوسط رئيسي المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي (أ.ب)

بعد عام من بدء «العملية العسكرية الخاصة» التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) من العام الماضي، حان زمن تقييم الدور الذي لعبه الاتحاد الأوروبي، ومدى قدرته على التمسك بموقف موحد في دعمه لأوكرانيا، رغم الانعكاسات الكثيرة التي عانى منها المواطن الأوروبي بسبب تبعات الحرب. وتمثلت هذه التبعات في كافة بلدان الاتحاد الأوروبي بالارتفاع الصاروخي للأسعار «الطاقة، المواد الغذائية، السلع الصناعية...»، وانتكاسة القدرات الشرائية، والتضخم الذي ضرب أرقاماً قياسية لم تعرفها أوروبا من 30 إلى 40 عاماً.
وأفضت هذه التداعيات إلى تهميش شرائح واسعة من المجتمعات الأوروبية، واندلاع احتجاجات اجتماعية، واضطرار الحكومات إلى إقرار خطط عاجلة لدعم الفئات الأكثر تأثراً بتبعات الحرب. وقد نجحت دول الاتحاد الأوروبي، إلى حد ما، في احتواء النقمة الشعبية؛ إذ إن استطلاعات الرأي الأخيرة تبين أن أكثرية أوروبية ما زالت تؤيد توفير الدعم لأوكرانيا في حربها لمواجهة القوات الروسية. إلا أن هذا الدعم أخذ بالتراجع ولكن، حتى اليوم، ليس إلى درجة تثير قلق الحكومات.
بيد أن اللجوء إلى التعميم يخفي خصوصية كل بلد وتحولات الرأي العام داخله، كما يستر الشقوق الكامنة بين السياسات الحكومية الأوروبية التي يعبر عنها قادة الاتحاد الأوروبي كمجموعة وأبرز مسؤولي دوله من جهة، وحال الرأي العام وتطلعات المواطنين من جهة ثانية.
من هنا، تأتي أهمية الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة «إيفوب» الفرنسية في كافة بلدان الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى بريطانيا، لقياس حالة الرأي العام في مقاربة الملف الأوكراني. ويبين الاستطلاع تفاوتاً كبيراً؛ إذ بينما تحظى أوكرانيا بنظرة «إيجابية» للغاية في بلد مثل بريطانيا «82 في المائة»، و79 في المائة في بولندا، فإنها تهبط إلى 64 في المائة في فرنسا، وإلى 61 في المائة في ألمانيا. ويبين الاستفتاء بداية تعب الرأي العام من الدعم المتواصل لكييف، ويربطه بانعدام اليقين لجهة المدة الزمنية التي ستتواصل خلالها الحرب، ولكلفتها المادية، ولانعكاساتها على مستوى المعيشة في البلدان المعنية.
ثمة ظاهرة أخرى برزت مؤخراً، وهي التساؤلات عن مستقبل ملايين الأوكرانيين الذين فروا إلى دول الجوار، حتى إن هذه المسألة أخذت تطرح في بولندا التي فتحت حدودها ومؤسساتها وبيوتها كافة بوجههم. يضاف إلى ما سبق تراجع نسبة التأييد لتواصل مد كييف بالسلاح ووجود فوارق حقيقية بين الدول الأوروبية، حيث إنه يتأرجح حالياً ما بين 80 في المائة في بولندا، و70 في المائة في بريطانيا، ويهبط إلى 54 في المائة في ألمانيا، و50 في المائة في فرنسا، ويصبح سلبياً في إيطاليا «49 في المائة». وفي الدول الخمس الرئيسية يتخطى التراجع نسبة 10 في المائة، قياساً على ما كان عليه في أشهر الحرب الأولى، وهو يناقض، إلى حد بعيد، التصريحات الرسمية الداعية إلى مد أوكرانيا بالسلاح ما دامت أنها بحاجة إليه، وطيلة المدة التي تحتاجها. بالمقابل ورغم التبعات المترتبة على فرض عقوبات قاسية على روسيا وانعكاساتها على الاقتصادات الأوروبية كافة، فإن الرأي العام الأوروبي ما زال يؤيد بقوة فرضها.
رغم ما سبق، ورغم التمايزات التي يمكن رصدها بين بلدان الاتحاد الـ27، فإن الأوروبيين يعتبرون أنهم حافظوا بقوة على وحدتهم، وأنهم حتى اليوم نجحوا بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية والحلف الأطلسي ومجموعة الدعم الخمسينية لأوكرانيا التي شكلتها وتديرها واشنطن، في إفشال الخطط الروسية. وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية رفيعة المستوى لـ«الشرق الأوسط» في معرض تقويمها للوضع الراهن: «لا أحد كان يتوقع أن ينجح الاتحاد الأوروبي في تحقيق ما أنجزه في الأشهر الـ12 المنقضية». فالأوروبيون قاموا بالكثير في موضوع الغاز والنفط «أوقف استيراد هاتين المادتين إلى حد بعيد عقوداً من الاعتماد الكبير على الغاز الروسي خصوصاً، ووضع حداً أعلى للأسعار»، وفرض عقوبات على هذا القطاع الحساس «وعلى قطاعات رئيسية غيره»، والاستمرار في ذلك وصولاً إلى الحزمة العاشرة من العقوبات، بل البحث في كيفية مصادرة الأصول الروسية الموجودة في البنوك الأوروبية؛ لإعادة إعمار أوكرانيا.
يضاف إلى ما سبق، أن الأوروبيين شغلوا لأول مرة في تاريخ الاتحاد ما يسمى «آلية السلام الأوروبية» التي مكنت من تمويل جزء رئيسي من الجهد العسكري الأوكراني. وتبين الأرقام المتوافرة أن الأوروبيين وفروا حتى اليوم لأوكرانيا، وفي كافة القطاعات المدنية والعسكرية والإنسانية ما مجموعه 67 مليار يورو، من بينها 22 مليار يورو مخصصة للدعم العسكري. أما التحول الأكبر الذي تشدد عليه المصادر الفرنسية فإنه يتناول تخلي الأوروبيين التدريجي عن كل «التحفظات» التي كانت لديهم لجهة تزويد أوكرانيا بأنواع محددة من السلاح مخافة إثارة موسكو، واعتبارها أن الأوروبيين أصبحوا «طرفاً» في الحرب. واليوم، تبدو طويلة لائحة الأسلحة التي حصلت عليها القوات الأوكرانية والتي منعت عنها في البداية، وآخرها الدبابات القتالية الثقيلة، بل إن طلب كييف الحصول على طائرات غربية قتالية لا يواجه رفضاً بالمطلق، وإن دولاً مثل بولندا وهولندا وحتى فرنسا لا ترى وجود مانع مبدئي.
ويكفي النظر إلى حالة ألمانيا وإلى المسار الذي قطعته من الرفض المطلق لتقديم أي سلاح إلى كييف في بداية الحرب، إلى قبول تزويدها بدبابات «ليوبارد 2» من ترسانتها الخاصة، وإعطاء الضوء الأخضر للدول التي تمتلك هذا النوع من الدبابات للإسراع في نقل بعضها إلى أوكرانيا؛ لتشكيل كتيبتين منها، قبل انطلاق الهجوم الروسي الكبير المنتظر بداية الربيع المقبل. وفيما تعاني الصناعات الدفاعية الأوروبية من نقص في الإنتاج للاستجابة لما تبتلعه الحرب، فإن الدول الأوروبية إرادياً وجماعياً تحث الخطى لفعل المزيد. وقد اقترحت المفوضية الأوروبية مؤخراً شراءً مشتركاً للذخائر من الصناعات الدفاعية على غرار ما حصل في شراء اللقاحات لمواجهة جائحة «كوفيد-19» ومتحوراتها. ثم إن الأوروبيين ومعهم بريطانيا والحلف الأطلسي يعملون منذ شهور على تدريب القوات الأوكرانية، وزيادة كفاءاتها القتالية، بحيث تسد النوعية الضعف العددي في مواجهاتهم الميدانية.
لا تنحصر الإنجازات الأوروبية بما سبق. ذلك أنهم يرون أن نجاحاتهم متعددة، وأولها تمكنهم من عزل روسيا إلى حد بعيد على المسرح الدولي، وحجتهم في ذلك أن 4 دول فقط صوتت لصالحهم في الجمعية العامة للأمم المتحدة «كوريا الشمالية وإيران وسوريا وبيلاروسيا» لدى إدانة غزوهم لأوكرانيا، ولاحقاً لضم 4 مناطق من أراضيها. فضلاً عن ذلك، يتعين النظر إلى الجهود الغربية الساعية إلى إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة المسؤولين عن الحرب الروسية على أوكرانيا، وعن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية... ويرى الأوروبيون أيضاً أنهم لعبوا دوراً في إفشال الخطط العسكرية الروسية استراتيجياً وتكتيكياً. بيد أن افتخارهم الأهم، وفق ما قالته المصادر الدبلوماسية الفرنسية، أن الأوروبيين أفشلوا خطة الرئيس بوتين في نسف وحدة الموقف الأوروبي الذي نجح حتى اليوم في التوصل إلى سياسات موحدة إزاء روسيا في كافة المجالات، رغم بعض الفروق الفردية كموقف المجر من مسألة العقوبات.
ويتوازى الفشل الروسي أوروبياً مع فشله أطلسياً؛ إذ يعتبر المراقبون أن الهجوم على أوكرانيا أعاد إبراز أمرين؛ الأول: أهمية الحلف الأطلسي كمظلة أمنية للغرب بوجه التوسع الروسي، والثاني: القيادة الأميركية المتجددة للحلف بعد أن ضعفت قبضة واشنطن عليه. لكن هذا لم يمنع من استشعار الأوروبيين الحاجة إلى دفاع أوروبي قوي، وزيادة الإنفاق العسكري ليصل إلى 2 في المائة من الناتج المحلي كعتبة أولى. وليس أدل على فائدة الحلف الغربي اليوم من أن دولاً محايدة تقليدياً، مثل السويد وفنلندا، تريد الانضمام إليه للتمتع بما يوفره من ضمانات أمنية ومن مظلة نووية.
تبقى مسألة كيفية وضع حد لهذه الحرب ووفق أي شروط وظروف. وجاءت تصريحات الرئيس ماكرون الأخيرة التي قال فيها: «أريد هزيمة روسيا في أوكرانيا، وأن تتمكن من الدفاع عن مواقعها لكنني مقتنع في نهاية المطاف أن الحرب ستنتهي على طاولة المفاوضات ولا أعتقد، كما يرى البعض، أنه يتعين إلحاق هزيمة تامة بروسيا أو مهاجمة أراضيها. هؤلاء يريدون سحق روسيا، وهذا لن يكون موقف فرنسا أبداً».
ورؤية ماكرون كما شرحها لدى عودته من المشاركة في مؤتمر ميونيخ للأمن أن «المطلوب اليوم أن تقوم أوكرانيا بهجوم يضعضع الجبهة الروسية، بحيث تدفع موسكو للعودة إلى طاولة المفاوضات». ومن جانبه، يرى المستشار الألماني أنه «لا يتعين أن تربح روسيا الحرب». وفي الحالتين يعد هذا الموقف بمثابة «الحد الأدنى» على المستوى الأوروبي، فيما مواقف أخرى «بولندا، دول بحر البلطيق...» أكثر جذرية وتريد إلحاق هزيمة مدوية بروسيا، بحيث لن تفكر بعد ذلك بمهاجمة جيرانها أو تهديدهم.
لكن الموقف الأوروبي الجماعي يقول بمواصلة دعم أوكرانيا لاستعادة أراضيها وسيادتها، ويعود إليه أن تقرر إذا رغبت بالتفاوض ومتى ووفق أي شروط. بيد أن الأوروبيين لا يملكون الورقة الحاسمة الموجودة في واشنطن، الداعم الأكبر، كما أنه ليس من المؤكد أن زيلينسكي جاهز للاستماع للنصائح الأوروبية.
بعد عام على الحرب... هل باتت روسيا أكثر أمناً؟
مغامرة بوتين في أوكرانيا... أمام الامتحان
مستقبل الحرب... واحتمالات توسعها وخروجها عن السيطرة
كيف أساءت روسيا تقدير موقف ألمانيا؟
الأزمة... والدور «المشلول» لمجلس الأمن
الكرملين أمام انتصار بعيد... وهزيمة مستحيلة
بوتين «معزول» عالمياً وأمام «طريق مسدود» ... وروسيا خسرت أوكرانيا «إلى الأبد»
زيلينسكي... الممثل الهزلي لعب أدواراً كوميدية بحضور بوتين
هل أعادت الحرب الحياة إلى «الناتو» أم أيقظته «مرحلياً»؟


مقالات ذات صلة

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

أوروبا حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

قال الجيش الأوكراني في ساعة متأخرة من يوم الخميس إن قواته ضربت مصنعا كبيرا للمواد الكيميائية في منطقة ستافروبول بجنوب روسيا، ما أدى إلى اندلاع حريق.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)

أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

قال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها اليوم الخميس في كلمة أمام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن أوكرانيا تريد «سلاماً حقيقياً وليس تهدئة» مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)

تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

ذكرت وسائل إعلام محلية في آيرلندا أن سفينة تابعة للبحرية الآيرلندية رصدت ما يصل إلى 5 طائرات مسيرة تحلق بالقرب من مسار طائرة الرئيس الأوكراني زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (دبلن)
أوروبا المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدثان في برلين بألمانيا يوم 23 يوليو 2025 (إ.ب.أ)

ماكرون وميرتس قلقان من النهج الأميركي للسلام في أوكرانيا

كشفت مجلة «شبيغل» الألمانية أن الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني عبّرا عن تشككهما في الاتجاه الذي تسلكه أميركا للتفاوض على السلام بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد لافتة لشركة «لوك أويل» على منصة النفط فيلانوفسكوغو في بحر قزوين بروسيا (رويترز)

الولايات المتحدة تعلن تعليق بعض عقوباتها على شركة نفط روسية

أعلنت الولايات المتحدة تعليق بعض العقوبات التي فرضتها على شركة النفط الروسية العملاقة «لوك أويل»، للسماح لمحطات الوقود في خارج روسيا بمواصلة العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
TT

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، اليوم (الجمعة)، أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً على مقربة منها.

وأضافت السفينة أنها لا تزال في حالة تأهب قصوى وأن القوارب غادرت الموقع.

وأفاد ربان السفينة بأن الطاقم بخير، وأنها تواصل رحلتها إلى ميناء التوقف التالي.

وتشن جماعة الحوثي في اليمن هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر تقول إنها مرتبطة بإسرائيل، وذلك منذ اندلاع الحرب في غزة بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل. وقالت الجماعة إن هجماتها للتضامن مع الفلسطينيين.


بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بعض المقترحات في خطة أميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، غير مقبولة للكرملين، مشيراً في تصريحات نُشرت اليوم (الخميس) إلى أن الطريق لا يزال طويلاً أمام أي اتفاق، لكنه شدد على ضرورة «التعاون» مع واشنطن لإنجاح مساعيها بدلاً من «عرقلتها».

وقال بوتين في التصريحات: «هذه مهمّة معقّدة وصعبة أخذها الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب على عاتقه».

وأضاف أن «تحقيق توافق بين أطراف متنافسة ليس بالمهمة بالسهلة، لكن الرئيس ترمب يحاول حقاً، باعتقادي، القيام بذلك»، متابعاً: «أعتقد أن علينا التعاون مع هذه المساعي بدلاً من عرقلتها».

وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أقوى دفعة دبلوماسية لوقف القتال منذ شنت روسيا الغزو الشامل على جارتها قبل نحو أربع سنوات. ولكن الجهود اصطدمت مجدداً بمطالب يصعب تنفيذها، خاصة بشأن ما إذا كان يجب على أوكرانيا التخلي عن الأراضي لروسيا، وكيف يمكن أن تبقى أوكرانيا في مأمن من أي عدوان مستقبلي من جانب موسكو.

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي في الوقت الذي يلتقي فيه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جاريد كوشنر، بكبير المفاوضين الأوكرانيين رستم أوميروف، اليوم، في ميامي لإجراء مزيد من المحادثات، بحسب مسؤول أميركي بارز اشترط عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل له التعليق علانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيات روسية سياسية واقتصادية يحضرون محادثات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قصر مجلس الشيوخ بالكرملين في موسكو بروسيا يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

محادثات «ضرورية»

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن محادثاته التي استمرت خمس ساعات، الثلاثاء، في الكرملين مع ويتكوف وكوشنر كانت «ضرورية» و«مفيدة»، ولكنها كانت أيضاً «عملاً صعباً» في ظل بعض المقترحات التي لم يقبلها الكرملين، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وتحدث بوتين لقناة «إنديا توداي تي في» قبل زيارته لنيودلهي، اليوم. وبينما لم تُبث المقابلة بأكملها بعد، اقتبست وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان «تاس» و«ريا نوفوستي» بعض تصريحات بوتين.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول في المقابلة، إن محادثات الثلاثاء في الكرملين تحتّم على الجانبين «الاطلاع على كل نقطة» من مقترح السلام الأميركي «وهذا هو السبب في استغراق الأمر مدة طويلة للغاية».

وأضاف بوتين: «كان هذا حواراً ضرورياً وملموساً»، وكانت هناك بنود، موسكو مستعدة لمناقشتها، في حين «لا يمكننا الموافقة» على بنود أخرى.

ورفض بوتين الإسهاب بشأن ما الذي يمكن أن تقبله أو ترفضه روسيا، ولم يقدّم أي من المسؤولين الآخرين المشاركين تفاصيل عن المحادثات.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول: «أعتقد أنه من المبكر للغاية؛ لأنها يمكن أن تعرقل ببساطة نظام العمل» لجهود السلام.


القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
TT

القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، زيارة رسمية إلى الهند تستغرق يومين. وتعد واحدة من الزيارات الخارجية النادرة له منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022. ومثلما حظيت زيارته إلى الصين قبل ثلاثة أشهر، وقبلها إلى كوريا الشمالية العام الماضي، بأهمية كبرى في إطار رسم ملامح استراتيجية الكرملين في السياسة الخارجية، تُشكل الزيارة الحالية لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين، خصوصاً على خلفية الضغوط الأميركية المتزايدة على الهند لتقليص تعاونها مع موسكو.

وفي أول زيارة له إلى العاصمة الهندية منذ أربع سنوات، يرافق بوتين وزير الدفاع أندريه بيلووسوف، ووفد واسع النطاق من قطاعي الأعمال، والصناعة. ومن أبرز الوجوه المرافقة لبوتين رئيسا شركتي الطاقة «روسنفت» و«غازبروم» اللتين تخضعان لعقوبات غربية، إلى جانب مسؤولي المجمع الصناعي العسكري، ومؤسسة «روس أبورون أكسبورت» المسؤولة عن الصادرات العسكرية. بالإضافة إلى رؤساء القطاع المصرفي الروسي الذي يخضع بدوره لعقوبات غربية. وتعكس تشكيلة الوفد المرافق أولويات أجندة الطرفين، وطبيعة النقاشات التي تم التحضير لها في موسكو، ونيودلهي.

برنامج حافل

على مدار يومي القمة، سيبحث الطرفان التعاون في مجالات الدفاع، والطاقة النووية، والهيدروكربونات، والفضاء، والتكنولوجيا، والتجارة.

تُشكل زيارة بوتين لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين (أ.ف.ب)

واستبق الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف الزيارة بإشارة إلى أن بوتين سوف يناقش مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي «القضايا الدولية، والإقليمية»، مشدداً على اهتمام الكرملين بتطوير التعاون الثنائي، وفتح مجالات جديدة للتعاون، وأشار إلى موقف واشنطن السلبي تجاه الزيارة، وتلويحها بمضاعفة التعريفات الجمركية في حال استمرت نيودلهي في تعزيز تعاونها مع موسكو، وخصوصاً في مجال الطاقة، موضحاً أنه «لا ينبغي أن تخضع العلاقات التجارية بين موسكو ونيودلهي لتأثير دول ثالثة»، وأعرب عن قناعته بأن «مسألة التعريفات الجمركية الأميركية تظل قضية ثنائية بين الولايات المتحدة والهند». ووصف بيسكوف الإجراءات المفروضة على قطاع النفط الروسي بأنها غير قانونية، مؤكداً أن روسيا تبذل كافة الجهود الممكنة لضمان استمرار تجارة الطاقة، وتدفقها دون انقطاع رغم التحديات. وأشار إلى أن الزيارة ستشهد توقيع حزمة مهمة من الوثائق الثنائية، دون الإفصاح عن تفاصيل محددة.

تعزيز التعاون في مجال الطاقة

قبل زيارة بوتين، أجرى مسؤولون من الجانبين محادثات في مجالات واسعة من الدفاع، إلى الشحن، والزراعة، وفي أغسطس (آب) الماضي، اتفق الطرفان على بدء محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بقيادة روسيا.

وكرست هذه الخطوات مسار تعزيز العلاقة رغم بروز بعض المخاوف لدى مسؤولين في الهند أعربوا عن قلق من أن أي صفقات طاقة ودفاع جديدة مع روسيا قد تُثير رد فعل من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ضاعف الرسوم الجمركية إلى 50 في المائة في أغسطس على السلع الهندية، عقاباً على مشتريات نيودلهي من النفط الخام الروسي.

بوتين يتحدّث خلال مؤتمر في موسكو يوم 3 ديسمبر (رويترز)

ويُشكّل ملف تعزيز التعاون في مجال الطاقة إحدى أولويات الكرملين، الذي أكد أن الهند سوف تواصل الحصول على معاملة تفضيلية.

زادت واردات النفط الروسية على مدار سنوات اتفاقية التجارة الحرة بنسبة 600 في المائة، مما جعل الهند المشتري الرئيس لصادرات النفط الروسية (38 في المائة). كما تشتري الهند الأسمدة، والزيوت النباتية، والفحم، والمعادن.

تُنقل هذه الشحنات عبر الممر البحري الشرقي الذي افتُتح مؤخراً بين فلاديفوستوك وميناء تشيناي الهندي، وهو طريق بطول 10300 كيلومتر يربط بين موانٍ استراتيجية في المحيطين الهادئ والهندي. كما يعمل ممر النقل بين الشمال والجنوب فإن هذا الممر يتيح الاستقلال عن اللوجستيات الغربية، والتسويات بالعملات الوطنية تجاوزاً للعقوبات الغربية بنسبة تصل إلى 90 في المائة. وأكد الطرفان مجدداً هدفهما المتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 (من 67 مليار دولار حالياً). وتطلب الهند دعماً لصادراتها إلى روسيا، لا سيما في مجالات الأدوية، والهندسة، والمنتجات الزراعية، ولتوفير فرص عمل للعمال الهنود المهاجرين، ويأتي ذلك تقديراً لإنجازات الهند في الالتفاف على العقوبات الغربية، خصوصاً في مجال تجارة النفط.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضران اجتماعاً على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند - أوزبكستان يوم 16 سبتمبر 2022 (رويترز)

في المقابل، تسعى موسكو إلى الحصول على مساعدة الهند للحصول على قطع غيار، ومعدات تقنية لأصولها النفطية، حيث عرقلت العقوبات الوصول إلى الموردين الرئيسين.

ووفقاً لمصدر حكومي في الهند، فإن نيودلهي تسعى على الأرجح إلى استعادة حصة 20 في المائة لشركة التنقيب عن الغاز الحكومية في مشروع «سخالين-1» في أقصى شرق روسيا.

وتسعى موسكو أيضاً إلى تطوير تعاملها في القطاع المالي والمصرفي مع الهند، وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، بأنه ستتم خلال الزيارة مناقشة إمكانية إطلاق نظام الدفع الروسي «مير» في الهند، والذي من شأنه أن يُسهم في زيادة السياحة الروسية. ووفقاً له، فقد طُرحت هذه المسألة سابقاً خلال اجتماع بوتين مع وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار. وستُناقش الآن على أعلى مستوى في نيودلهي.

الصفقات العسكرية

ورغم الضغوط الأميركية، لا تخطط الهند لتجميد علاقاتها الدفاعية مع موسكو، لأنها تحتاج إلى دعم مستمر للعديد من الأنظمة الروسية التي تشغّلها.

وقال مسؤولان هنديان مطلعان على الأمر لـ«رويترز» إن طائرات «سوخوي-30» الروسية تشكل غالبية أسراب المقاتلات الهندية البالغ عددها 29 سرباً، وعرضت موسكو مقاتلتها الأكثر تطوراً «سوخوي-57» والتي من المرجح أن تكون جزءاً من المحادثات.

بوتين يلتقي المتطوعين المشاركين في جائزة #WeAreTogether الدولية في مركز التجارة العالمي في موسكو يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ولم تتخذ الهند قراراً بعد بشأن النسخة المحدثة من «سوخوي»، لكن الكرملين أعلن أن هذا الموضوع سيكون مطروحاً للنقاش. ومن المرجح أن تناقش نيودلهي شراء المزيد من وحدات نظام الدفاع الجوي «إس-400» وفق تصريحات لوزير الدفاع الهندي راجيش كومار سينغ، الأسبوع الماضي. وتمتلك الهند الآن ثلاث وحدات، مع انتظار تسليم وحدتين إضافيتين بموجب صفقة عام 2018.

لكن الحديث عن تعاون دفاعي لا يقتصر على بيع الأسلحة، والمعدات، إذ قطعت موسكو ونيودلهي شوطاً مهماً لتوطين صناعات دفاعية في الهند لتصبح أبرز شريك عسكري لروسيا. وأفاد ديمتري شوغاييف مدير الهيئة الروسية للتعاون العسكري التقني بأن القمة الحالية سوف تبحث مشاريع عسكرية تقنية جديدة، وتوسيع العقود القائمة بين البلدين.

وتشير مصادر إلى أنه يمكن توطين إنتاج ما يقرب من نصف نظام «إس-400» في إطار سياسة نقل التكنولوجيا التي توليها الهند أولوية قصوى. وفي حال تم الاتفاق على شراء طائرات «سوخوي-57» المقاتلة، فسينتقل طيارو القوات الجوية الهندية بسهولة إلى الطائرات الروسية من الجيل الجديد، مع تأكيد أن شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة المملوكة للدولة قادرة على صيانة الترسانة الروسية.

وأفادت تقارير بأن اتفاقيات قيد التطوير -أو وُقِّعت بالفعل- لإنتاج مشترك لنظام الدفاع الجوي «بانتسير»، واحتمال شراء الهند لنظام رادار الإنذار المبكر «فورونيج»، الذي يتجاوز مداه 6000 كيلومتر.

وأكد شوغاييف أن العلاقات العسكرية التقنية بين روسيا والهند تشهد تطوراً ملحوظاً رغم التحديات الدولية الراهنة، مشيراً إلى أنه لم يغلق أي مشروع عسكري تقني خلال عام 2025.

بوتين خلال تقديمه جائزة #WeAreTogether الدولية في موسكو، يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووفقاً للمسؤول الروسي ينتظر أن ينصب الاهتمام بشكل أساسي على الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والتعاون في تقنيات الطائرات المسيرة، والمساعدة في بناء سفن جديدة في أحواض بناء السفن الهندية. وأضاف: «تبدو آفاق الصادرات العسكرية إلى الهند في عام 2026 إيجابية للغاية، وأعتقد أن حجمها في العام المقبل سيتجاوز مستوى عام 2025»، مؤكداً أنه تم حل المشكلات المتعلقة بالجوانب اللوجستية، وتوريد المكونات للمشاريع المشتركة، بما في ذلك صيانة المعدات الموردة سابقاً.

وأشار شوغاييف إلى أن روسيا تسعى إلى تعاون عسكري تقني واسع النطاق مع الهند في مجال التقنيات الجديدة، حيث تتزايد حصة المشاريع المشتركة، والتقنيات التكنولوجية المتقدمة عاماً بعد عام.

وتنفذ روسيا والهند حالياً عشرات المشاريع العسكرية التقنية واسعة النطاق، ومن أهمها إنتاج الهند المرخص لطائرات «سوخوي-30»، ومحركات الطائرات، ودبابات «تي-90 إس»، والتعاون في إطار مشروع «براهموس» المشترك للصواريخ، وتحديث المعدات العسكرية التي سبق توريدها، والعمل المشترك في مجال تكنولوجيا الدفاع.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» في كازان شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وأشارت مصادر إلى أن الطرفين يُعدّان «بيانات مهمة» ستحدد التوجهات الرئيسة للمرحلة المقبلة من شراكتهما. ومن المتوقع أن تُمهّد الاتفاقيات الجديدة للتعاون العسكري الصناعي الطريق لمرحلة جديدة من التعاون الدفاعي بين البلدين، ما يتيح للهند الوصول إلى أحدث تقنيات التخفي، والدفاع الصاروخي. وتتوقع المصادر أن يُعزز هذا مكانة الهند في المنطقة الآسيوية.

من المتوقع توقيع عقود عسكرية لتوريد وإنتاج أنظمة دفاع جوي من الجيل الجديد، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي إس-500. وقد لاقى نظام إس-400 الروسي استحساناً من الجيش الهندي خلال عملية سيندور، حيث أُشير إلى سرعة نشره في أقل من خمس دقائق لتكون ميزة كبيرة. ويُعتبر دمج نظام إس-400 في نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات الهندي على طول الحدود مع الصين وباكستان تعزيزاً أمنياً.

توازن بين الهند والصين

وتواجه موسكو -التي طورت علاقاتها مع الصين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وغدت بكين حليفاً رئيساً لها- تحدياً جدياً في إقامة توازن دقيق في العلاقة مع البلدين الخصمين.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وأكد الكرملين أن موسكو تنطلق من أهمية المحافظة على علاقات مع «الشركاء التقليديين»، مشيراً إلى «تقدير خاص لاستعداد نيودلهي للمساهمة في البحث عن تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا».

وفي إشارة مهمة، قال الناطق الرئاسي الروسي: «نحن مستعدون لتطوير علاقاتنا مع الهند في جميع المجالات الممكنة، إلى الحد الذي تكون فيه الهند مستعدة لذلك»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن روسيا «تواصل تطوير علاقاتها مع الهند، والصين».

وتابع: «نحن نحترم العلاقات الثنائية بين الهند والصين، وليس لدينا شك في أن أقدم دولتين، الدولتين الأكثر حكمة في هذا العالم، ستكونان حكيمتين بما يكفي لتسوية جميع المشكلات من أجل الحفاظ على الاستقرار العالمي».

تحدي الضغوط الأميركية

رأت تعليقات في وسائل إعلام حكومية روسية عشية الزيارة أن نيودلهي سارت خطوات لتحدي الضغوط الأميركية المفروضة عليها بسبب علاقاتها مع موسكو. ومن ذلك، ألغت الهند مناقشات اتفاقية التجارة الهندية-الأميركية، وقالت الصحافة الروسية إن تلك الاتفاقية «تراجعت أهميتها الاستراتيجية مقارنة بالنتائج المتوقعة بعد زيارة بوتين». وزادت أن «الهند ردت عملياً على الهجوم على سيادتها».

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

كانت الحكومة الأميركية حملت نيودلهي مسؤولية تعزيز الجيش الروسي في أوكرانيا، واصفةً تصرفات الهند لاستيراد النفط الروسي بأنها «مزعزعة للاستقرار». ووصف الرئيس دونالد ترمب الهند بأنها «مغسلة للكرملين»، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المائة على الواردات الهندية إذا واصلت نيودلهي هذا المسار.

بدوره عارض الاتحاد الأوروبي مشاركة الهند في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، بحجة أن صداقة نيودلهي مع موسكو تُشكل عقبة أمام تعميق التعاون الاستراتيجي مع أوروبا.

ورأت التعليقات الروسية أن «الهجوم السافر على السيادة الهندية من قبل الغرب فقد أثره. لقد اتُخذ القرار: التعاون مع روسيا أهم للهند منه مع الغرب، كما يتضح من زيارة بوتين. وقد اكتسبت روسيا والهند خبرة واسعة في العمل معاً ضمن مجموعة (بريكس)، ومنظمة شنغهاي للتعاون».