وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

عام جيد للميزانية السعودية

بعد سنوات طويلة من عدم تحقيق أي فائض في الميزانية، بدأت الأمور تتحسن بشكل كبير، مع ارتفاع وتحسن أسعار النفط، حيث ستحقق المملكة فائضها الأول هذا العام منذ 2013. نعم، إيرادات النفط تلعب دوراً كبيراً، إلا أن هذا الأمر ليس دليلاً على أن اقتصاد السعودية لا يتحرك في الاتجاه الصحيح نحو التنوع.
السعودية (بغض النظر عن تحقيق إيرادات نفطية) من المتوقع أن تصل إلى 862 مليار ريال، التي تشكل الجزء الأكبر من إجمالي الإيرادات الذي من المتوقع أن يتجاوز ما أعلنته الدولة في البيان التمهيدي، إلا أنها واصلت النمو في الإيرادات غير النفطية.
قبل أكثر من عقد، كانت الإيرادات غير النفطية لا تُذكر عند الحديث عن الميزانية العامة، بل كان غالبية المواطنين لا يأخذونها بجدية ولا يؤمنون بأن السعودية ستتحول بعيداً عن النفط.
نعم، ما زال الطريق طويلاً للتحول الكامل، ولكن الرحلة أصبحت أفضل، حيث ارتفعت الأخيرة من 71 مليار ريال في 2010 إلى ما يقارب 400 مليار ريال بنهاية العام الحالي.

لكن ما مستقبل النفط مع كل هذا؟
بداية مستقبل النفط يبدو مشرقاً رغم كل ما يُقال حول انتهاء الطلب، إذ إن الطلب سيستمر في النمو بقوة على الأقل لخمس إلى عشر سنوات مقبلة قبل أن يتباطأ، وقد لا يتباطأ مع نمو السكان في العالم، وعدم تمكن الطاقة المتجددة من تلبية النمو السريع في الطلب. في الوقت ذاته، انكشف أمام الجميع في العالم أن المعروض النفطي لن يأتي بسهولة، إذ إن الاستثمارات التي يحتاج إليها العالم للحاق بالطلب ليست موجودة، ولن يستطيع العالم توفير التريليونات التي تتوقعها «منظمة أوبك».
والدليل على كل هذا وضع العالم اليوم بعد الأزمة الأوكرانية التي كشفت أن الوقود الأحفوري لا يزال مهماً؛ إذ إن أوروبا دفعت ثمن التعجل في سياساتها ضده. وأمام هذا المستقبل المشرق للأسعار، فإن السعودية ستصل إلى التوازن المالي في الأعوام الثلاثة المقبلة، وهو ما أعتبره شخصياً مكافأة القدر للسعودية التي بذلت جهداً كبيراً للتخطيط لمستقبل من دون النفط.
إن الفوائض التي ستحققها المملكة في الأعوام حتى 2025 ستلعب دوراً حاسماً في تحديد هوية ووجهة المملكة نحو اقتصاد مستقبلي؛ إذ إنها ستدعم خطط «صندوق الاستثمارات العامة»، وتعزز الاحتياطيات الحكومية.
هذه أخبار جيدة، لأن «الصندوق» لاعب رئيسي للتحول الاقتصادي، والاحتياطيات ضمانة لمواجهة تقلبات أسواق الطاقة. وإذا ما استمرت المملكة في اتجاهها غير النفطي، فإنها ستتمكن في يوم ما من الابتعاد عن النفط بنسبة كبيرة جداً، ولكن هذا اليوم لن يكون قريباً جداً ولن يكون بعيداً جداً كذلك.