مصطفى فحص
كاتب وناشط سياسي لبناني. حاصل على الماجستير في الدراسات الإقليمية. خبير في السياسة الخارجية لروسيا بالشرق الأوسط. متابع للشأنين الإيراني والعراقي. وهو زميل سابق في «معهد العلاقات الدولية - موسكو (MGIMO)». رئيس «جائزة هاني فحص للحوار والتعددية».
TT

الاتفاق النووي وشروط إيران الجوهرية

في ذروة التصعيد المتبادل ما بين إيران و«الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، والتصريحات الغربية عن وصول مفاوضات فيينا إلى طريق مسدود، لم تغلق الولايات المتحدة نوافذها الدبلوماسية بوجه طهران، وقدمت لها فرصة جديدة قد تكون الأخيرة، قبل أن تذهب الأطراف المعنية إلى خيارات تصعيدية؛ إذ أكدت الخارجية الأميركية، يوم الثلاثاء الماضي، أنها تنتظر رداً بنّاء من إيران بشأن إحياء اتفاق 2015 النووي. واشنطن ربطت هذه العودة بأمرين شديدي الحساسية داخل إيران، ولدى المجتمعين الإقليمي والدولي؛ الأول داخلي يرتبط بالخارج، وهو تخلي إيران عما وصفته الخارجية الأميركية بقضايا غير جوهرية، تقصد بها تحديداً طلب طهران رفع «الحرس الثوري» عن قائمة الإرهاب الأميركية. أما الأمر الثاني، وهو خارجي سيترك أثره على الداخل الإيراني المتوتر أصلاً؛ فهو أن واشنطن ربطت ما بين عودة طهران للاتفاق وحيازتها للقنبلة النووية، أي أن العودة يجب أن تكون قبل أن تمتلك إيران سلاحاً نووياً.
الأمر الأول، أي «الحرس الثوري»، بوصفه العمود الفقري للنظام؛ لا يمكن للنظام داخلياً، وهو يمر بمرحلة انتقالية لما بعد المرشد، حيث تتعرض إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي إلى انتقادات شديدة من داخل المعسكر المحافظ تتهمها بعدم كفاءتها في معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية، حيث تستمر الاحتجاجات الشعبية في أغلب المدن الإيرانية، ويستمر معها إضراب «البازار» في المدن الكبرى، بسبب سوء سياسات الحكومة المالية ورفع الضريبة التي تترافق مع تراجع حاد في سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي، إذ أكد الخبير الاقتصادي الإيراني محمود جامساز لصحيفة «مستقل» أن سياسات الحكومة الحالية اقتصادياً لا تختلف عن سابقاتها بأنها غير قادرة على ضبط سوق العملات، في ظل تراجع احتمال نجاح المفاوضات النووية، فكل هذه القضايا ستكون معالجتها على عاتق «الحرس الثوري»، في أي لحظة تخرج فيها الأمور عن السيطرة، فالحرس بوصفه العمود الفقري لمؤسسات النظام وحاميه الأول والأخير، لذلك بالنسبة للنخبة الحاكمة، فإن التخلي عنه تفاوضياً في هذه المرحلة أقرب إلى التخلي عن جوهر الثورة، وكشف النظام داخلياً، لذلك يمكن القول إن مطالب واشنطن وإصرارها على هذا الموقف أقرب إلى مَن يطالب النظام بالتخلي عن حصانته.
الأمر الثاني، أي العودة إلى الاتفاق قبل امتلاك قنبلة نووية، هو الأمر الخارجي الذي يؤثر على الداخل؛ إذ إن إيران تتصرف وكأن فرصتها الذهبية في الوصول سريعاً إلى امتلاك قدرات نووية أو قنبلة نووية تقلب فيها الطاولة على الجميع، وتغيير معادلة المفاوضات، فالنظام القلق داخلياً وخارجياً يعتبر أن القنبلة النووية ستحميه من تدخل خارجي يؤدي إلى سقوطه أولاً، وأن مكاسب إيران الإقليمية والدولية ستتعزز ثانية. أما الطرف الآخر الدولي والإقليمي فيرغب في استمرار المفاوضات من حيث انتهت، ويرفض إعطاء طهران مزيداً من الوقت، ولا يرغب في أن تستغل انشغالاته الدولية وتداعيات حرب أوكرانيا على الأمن والاقتصاد العالميين، كما أنه لا يرغب في أن يصل إلى لحظة الحرج، وهو أن يضطر إلى التدخل لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية؛ فهو حتى الآن يتجنب المواجهة العسكرية، ولكنه سيكون أمام خيارين، أحلاهما مُرّ: أن يتصرف قبل إعلان إيران امتلاكها للقنبلة النووية، وهذا له شروط وتداعيات مختلفة، أو أنه سيتحرك بعد إعلان إيران، وهذا سيكون أشبه بكارثة على إيران والمنطقة والعالم. كما أن الحديث عن اقتراب طهران من القنبلة وأنها على مسافة أسابيع، يتزامن مع جولة الرئيس الأميركي إلى المنطقة، حيث سيكون ملف إيران النووي وسياساتها في المنطقة في مقدمة أولوياته.
وعليه، فإن إيران والمنطقة في سباق مع الزمن، فلا بوادر بأن إيران مستعدة للتنازل، ولا إمكانية لتقدير الرد الأميركي.