جميع الحروب لها أسلحتها المميزة، من بنادق «كلاشنيكوف أي كي 47» إلى قنابل «آي إي دي»، لكن في أوكرانيا فإن طائرات «الدرون» هي العنصر الحاسم.
جرى استخدام عدد كبير ومتنوع من طائرات «درون» على جانبي الحرب، بما في ذلك معدات عسكرية ضخمة وأخرى استهلاكية أصغر. مشغّلو الطائرات من دون طيار هم القناصة الجدد وغالباً ما يكونون على بُعد أميال من ساحة المعركة.
من الأمثلة على ذلك مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي في الأسابيع القليلة الماضية، يُظهر طائرة من دون طيار تحلّق فوق حي مزّقته القنابل في أوكرانيا.
أسفل «الدرون» يظهر عدد من الجنود في زي عسكري روسي فوق شاحنة. تلقي الطائرة من دون طيار مادة متفجرة صغيرة تستهدف شاحنتهم المتوقفة. يسارع السائق بإعادة المركبة إلى الخلف، لكن لسوء الحظ، تسقط المادة المتفجرة مباشرةً عبر فتحة سقف الشاحنة المفتوحة وتنفجر.
ينفجر الزجاج الأمامي ويتناثر فوق غطاء المحرك، ويعبّئ الدخان المكان. ويظهر المصابون وسط الحطام يتلوّون قابضين على جروحهم. (لم تؤكد صحيفة «تايمز» صحة مقطع الفيديو، الذي نشره أنتون جيراشينكو، مستشار الحكومة الأوكرانية، على «تويتر» أواخر الشهر الماضي).
على مدى السنوات العشرين الماضية، استخدمت الولايات المتحدة الطائرات من دون طيار لشن حرب في أماكن بعيدة. ونظراً لتباعد المسافات ودواعي السرّية العسكرية، فقد استمرت تلك القنابل والدماء بعيدة عن أعين الأميركيين.
في أوكرانيا، جلبت الطائرات من دون طيار أعين الناس إلى الخطوط الأمامية مباشرة، حيث وثَّقت تدمير المدن والتقطت مقاطع لهجمات ضد السفن والدبابات والرجال والمعدات الروسية. هذا المزيج من الطائرات من دون طيار الجاهزة ونظيراتها من النوع العسكري الأكبر حجماً له خبراؤه الذين يراقبون الصراع من كثب، ويفكرون فيما يعنيه للحروب المستقبلية.
في أوكرانيا، يعد الفوز بالدعم الدولي والحصول عليه أمراً لا يقل أهمية للجهود الحربية عن تحقيق الانتصارات في ساحة المعركة، مما يجعل جمع المعلومات عملية حيوية.
في هذا السياق، قال زاكاري كالينبورن، باحث حرب الطائرات المسيّرة في جامعة «جورج ميسون»، إن «هذه الآلات –بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت- تعطي رمزاً افتراضياً للصراع، وهناك وعي الآن في بلادهم وفي جميع أنحاء العالم بهذا الأمر. ويمكن أن تؤثر على العمليات العسكرية وأيضاً على الرأي العام».
تعد الطائرات من دون طيار سلاحاً جذاباً للجيوش لأنَّها تؤدي واحداً من أكثر جوانب الحرب تكلفة وتعقيداً -العمليات الجوية– بثمن زهيد. لكن كل ذلك ليس سوى جانب ضئيل من القوة النارية المستخدمة ضد الجيش الروسي.
استُخدمت الطائرات المسيّرة في أوكرانيا لمراقبة القوات الروسية ومهاجمتها بالمتفجرات الصغيرة أو في هجمات «كاميكازي» الانتحارية. وتم استخدامها لتوثيق الدمار الهائل الذي ألحقته المدفعية الروسية بمدن مثل ماريوبول. كذلك التقطت «الدرون» مشاهد قيل إنها لإعدام مدنيين. وربما استُخدمت أيضاً لتشتيت انتباه السفينة الحربية الروسية «موسكفا» عن صاروخين أُطلقا لإغراقها.
تم استخدام هذه الطائرات لاختيار أهداف لنيران المدفعية وضبط دقة الضربات. ساعدت مجموعة واسعة من الطائرات المسيّرة طياري الجيش الأوكراني على زيادة وزنهم في ساحة المعركة، كما أن مقاطع الفيديو لهجمات ضد السفن والقوات والدبابات والمروحيات أعطت أوكرانيا ما يمكن مشاركته بسهولة في حرب المعلومات العالمية.
قال لي جون كاغ، أستاذ الفلسفة والمؤلف المشارك لكتاب عن حرب الطائرات من دون طيار، إن «ما نراه الآن هو انتشار الصور ومقاطع الفيديو التي تنشرها أوكرانيا وحلفاؤها، والتي تهدف إلى تصوير القوة والدقة».
تنقل الطائرات المسيّرة مشاهد غير أخلاقية، كما أظهرت تحقيقات صحيفة «تايمز» الأخيرة بشأن قتل المدنيين، إذ ذكر الدكتور كاغ أن «ما يمكن أن تكشفه المراقبة بالفيديو هو إصابة الهدف أو عدم إصابته. لكن ما لا يمكن أبداً الكشف عنه هو شرعية ذلك الهدف المحدد». لا عجب أن يكون مشغّلو هذه الطائرات أيضاً عُرضة للأذى المعنوي، وضغط ما بعد الصدمة الذي يمكن أن يؤثر على القوات على الأرض.
علاوة على ذلك، فإن مشاهدة لقطات الطائرات المسيّرة يمكن أن تكون ذات تأثير معنوي، إذ يمكن أن يكون تأثير الإصابة المعنوية من ساحة المعركة معدياً للمشاهدين. فمن السهل التشجيع على تدمير دبابة روسية أخرى وتنسى أن أفراد الطاقم الذين تم حرقهم في الانفجار الدراماتيكي هم أبناء شخص ما، ربما تم تجنيدهم في صراع خارج عن سيطرتهم.
ما افتقده أيضاً عدد كبير من لقطات الطائرات المسيّرة القادمة من أوكرانيا، كان عدم قدرة الغرباء على تقييم صحة تلك المقاطع، والوضع الأكبر خارج مجال رؤية الطائرة المسيّرة. فالمعلومات المضللة هي العملة الخاصة في الحرب الآن، لكن الواضح أن الطائرات المسيّرة قد بلغت سن الرشد وستكون عنصراً ثابتاً في النزاعات المستقبلية.
عملنا على إتقان استخدام الدرون حديثاً، لكن الواقع يقول إن الدرون قد استخدمت في وقت مبكر من الحرب العالمية الأولى. استخدمت الولايات المتحدة الدرون في حرب فيتنام. لكن بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) فقط، بدأت الطائرات المقاتلة من دون طيار في إظهار قوتها العسكرية، بعدما قامت «وكالة المخابرات المركزية الأميركية» بتثبيت صاروخ على طائرة «بريداتور» رقم 3034 وأطلقته في أفغانستان عام 2001، ولفترة قصيرة، كانت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم التي تستخدم الدرون.
منذ ذلك الحين، سارع المقاتلون في العالم إلى إرسال طائراتهم من دون طيار لتحلق عالياً. وشهدت الصراعات في السنوات التي تلت ذلك انتشار المزيد والمزيد من الدرون، بما في ذلك من مقاتلي «داعش» الذين يخوضون معارك في العراق وسوريا، كذلك القوات التركية التي تراقب وتضرب المقاتلين في كردستان، وفي محاولة اغتيال في فنزويلا، ومن المتمردين في اليمن ضد البنية التحتية السعودية.
ربما كان أقرب صراع للحرب في أوكرانيا من حيث استخدام «الدرون» هو الاشتباك بين أذربيجان وأرمينيا في «ناغورنو كاراباخ» في عام 2020، حيث دمرت الطائرات من دون طيار الأذربيجانية مئات الدبابات والذخائر والعربات المدرعة الأرمينية. لم تستخدم وزارة الدفاع الأذربيجانية أسطولها من الطائرات من دون طيار بشكل فعال في ساحة المعركة فحسب، بل نشرت أيضاً وبشكل متكرر مقاطع فيديو عبر موقعها الإلكتروني تُظهر تلك الهجمات.
لكن ما الدروس من كل هذه الصراعات؟ الإجابة أنه يمكن استخدامها بطرق إبداعية تفاجئ العدو. فالطائرات من دون طيار المدنية والعسكرية لها دورها في الحرب الحديثة. فقد كشفت صحيفة «تايمز» الشهر الجاري عن حملة تمويل جماعي من الحكومة الأوكرانية طالبت فيها بالتبرع بطائرات تجارية من دون طيار ولتعيين أشخاص لديهم مهارات للتحكم في تحليقها.
لكنّ حرب الطائرات من دون طيار دفعت بالطيارين البشر إلى الهامش حيث تعتمد بعض الطائرات العسكرية من دون طيار من الجيل التالي على الذكاء الصناعي للدوران فوق منطقة واختيار وحدات العدو وتدميرها. ستتحسن تكنولوجيا الطائرات من دون طيار في السنوات القادمة وستنخفض تكلفتها. والحقيقة المخيفة هي أن القوات والمدنيين في النزاعات المستقبلية لن يجدوا مكاناً للاختباء من أنظار الإنسان والآلة.
* خدمة «نيويورك تايمز»
8:11 دقيقه
TT
الدرون... سلاح لا يستطيع أحد الاختباء منه في أوكرانيا
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة