شارلز ليستر
- زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط
TT

عودة العنف إلى أفغانستان تطرح تحديات كبيرة

في تقرير استقصائي حديث، خلص المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان في وزارة الدفاع الأميركية، إلى أن «العامل الوحيد الأكثر أهمية» وراء استيلاء «طالبان» السريع على البلاد في أغسطس (آب) 2021، هو «قرار الولايات المتحدة بسحب القوات العسكرية والمقاولين من أفغانستان». وبعد بضعة أيام، أصدرت لجنة الشؤون الخارجية في المملكة المتحدة تقريراً وصفت فيه الانسحاب من أفغانستان بأنه «كارثة» و«خيانة»، ونتيجة «إخفاقات منهجية» في التخطيط للمستقبل ومنع انتصار «طالبان».
وأولت هذه التقارير اهتماماً وسياقاً متجددين لأولئك الذين يولون اهتماماً لتدهور الوضع داخل أفغانستان، وذلك بعد 9 أشهر من تولي حركة «طالبان» السلطة. ومع الحرب في أوكرانيا، والتأثيرات الضارة التي تلحق بالاقتصاد العالمي وسوق الغذاء، انجرف الانتباه بعيداً عن الأزمة الإنسانية المتفاقمة في أفغانستان.
ومنذ استيلاء «طالبان» على السلطة، أصبح الملايين من الأفغان عاطلين عن العمل، ويعيش نصف السكان (ما يقرب من 20 مليون شخص) في فاقة شديدة، وفقاً للأمم المتحدة، ولم يتلقَّ عديد من موظفي الحكومة رواتبهم منذ أشهر، وتحاول أسر الطبقة المتوسطة اليائسة بيع أطفالها لعمال الإغاثة، في محاولة للحصول على المال أو الطعام.
ومن دون زيادة دولية منسقة في المساعدات المقدمة، يبدو أن هذه الأزمة الإنسانية سوف تزداد سوءاً في الأشهر المقبلة، وهو ما من شأنه أن يضع أفغانستان على حافة الكارثة.
وتبقى حقيقة أساسية، هي أن المعاناة الإنسانية والفقر الخانق هما المحرك الأول لعدم الاستقرار والعنف والتطرف. وفي بلد مثل أفغانستان، ينبغي أن تكون الحقائق السائدة اليوم مصدر قلق عميق. ومع دخول فصل الربيع، تواجه حكومة «طالبان» تحديات أمنية مكثفة من جميع الاتجاهات، في إشارة واضحة إلى أن «الاستقرار» الذي زعمه البعض خلال فصل الشتاء سابق لأوانه.
في الأسابيع الأخيرة، شنت جبهة أحمد مسعود الوطنية للمقاومة هجوماً قوياً ضد «طالبان» في معقل بنجشير التاريخي. وفي حين يبدو أن حركة «طالبان» قد نجحت في إخماد جزء كبير من هجوم «جبهة المقاومة الوطنية»، فإن الهجوم نجح في تأكيد المدى الذي تبقى فيه حركة «طالبان» بعيدة كل البعد عن تحدي خصومها المحليين. وفي الوقت نفسه، لا تزال الشائعات تتردد حول أن بعض أشهر أمراء الحرب في أفغانستان، وخصوصاً عبد الرشيد دوستم، قد قضوا فصل الشتاء في تجهيز قوات المقاومة الخاصة بهم لتحدي «طالبان» في الوقت المناسب.
والأمر الأكثر أهمية بالنسبة لـ«طالبان»، مع احتمالات مزيد من زعزعة الاستقرار في أفغانستان، هو التصعيد الأخير للهجمات التي يشنها تنظيم «داعش خراسان». فمنذ أبريل (نيسان)، شن تنظيم «داعش خراسان» حملة وحشية من الهجمات التي تستهدف طائفة الهزارة، وحركة «طالبان» نفسها، والبُنى التحتية الحيوية لأفغانستان، لا سيما شبكة الكهرباء. وفي شمال وشرق أفغانستان، وكذلك في العاصمة كابل، بدا واضحاً للغاية تصميم تنظيم «داعش خراسان» على إشعال شرارة الصراع الطائفي، وتقويض حكم «طالبان»، وزيادة المعاناة الإنسانية سوءاً. وفي الوقت الراهن على الأقل، يبدو أن «طالبان» ليست لديها أي استجابة يُحسب حسابها.
وما يؤسف له أن ما شهدناه من تنظيم «داعش خراسان» في الأسابيع الأخيرة ليس سوى بداية لحملة تصعيدية تدريجية. وما يزيد الأمور سوءاً أن رد «طالبان» الوحيد على التنظيم حتى الآن كان مجرد شن حملة وحشية ضد المجتمعات السلفية المحافظة التي تتهمها بإيواء عناصر التنظيم. لكن في الوقت الراهن، يبدو أن ذلك قد أسفر فقط عن تحفيز الزيادة في التجنيد المحلي لتنظيم «داعش خراسان».
وبعيداً عن الآثار الأمنية الداخلية، فإن عنصراً آخر من عناصر عدم الاستقرار الأخيرة في أفغانستان، جاء في شكل هجمات عبر الحدود من قبل جماعات قائمة على أرض أفغانستان. ومنذ أبريل الماضي، استهدف هجومان طاجيكستان، وهجوم على الأقل ضرب أوزبكستان، كما شُنت نحو عشر هجمات ضد أهداف في باكستان، واندلعت اشتباكات على طول الحدود الإيرانية. وحتى الآن، لم ترسل كل من طاجيكستان وأوزبكستان وإيران سوى تعزيزات من القوات إلى المناطق على طول الحدود؛ لكن باكستان ردت بالمثل، وشنت موجات عدة مهلكة من الضربات الجوية داخل أفغانستان، ما أسفر عن مقتل عشرات المدنيين.
ويُعد عدم استقرار الأوضاع داخل أفغانستان مصدر قلق كبير. لكن احتمال أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار على الصعيد الإقليمي ينبغي أن يثير قلقاً بالغاً. وكان أحد أكثر البنود حساسية في الاتفاق الأميركي مع «طالبان» هو ضمان عدم تحول أفغانستان إلى منصة لإطلاق الهجمات في الخارج. وقد شهدنا هجمات عبر الحدود في 3 بلدان في غضون 9 أشهر من استيلاء «طالبان» على السلطة، ما يُعتبر اتهاماً صارخاً لقدرات «طالبان» ونياتها وعلامة سيئة جداً على الأحداث المقبلة.
وحتى من دون الحرب في أوكرانيا، من غير المرجح أن تشارك الولايات المتحدة وأوروبا بشكل كبير في حل هذه القضايا المثيرة للقلق. وحتى من منظور مكافحة الإرهاب، يبدو أن تركيز الولايات المتحدة على استخدام الإمكانات «عبر الأفق» لمراقبة التهديدات وكشفها وتحييدها لم يكن أكثر من شعار.
لقد أوضح تقرير «سيغار» الأميركي، المشار إليه أعلاه، أن الجيش الأميركي «محدود» القدرات على القيام بأي شيء، كما قال القائد الجديد للقيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا، أمام الكونغرس في فبراير (شباط) الماضي، وإن إجراء العمليات الخارجية في أفغانستان «صعب للغاية».
لذلك، لا يمكن تفادي وقوع عبء المسؤولية عن تحقيق الاستقرار (على أفضل تقدير) أو احتواء (على أقل تقدير) أفغانستان، على عاتق بلدان المنطقة مباشرة.
إن التحديات المقبلة سوف تكون كبيرة.