من وضع الدستور الذي نسير عليه اليوم؟ بصفتي أستاذاً للقانون؛ كنت أعتقد دائماً أن أفضل إجابة هي: المشرعون: جيمس ماديسون، وألكسندر هاملتون، والمندوبون الآخرون الذين حضروا «مؤتمر فيلادلفيا» في صيف عام 1787.
وقد جرى تعديل الدستور الذي صاغوه مرات عدة بطرق عميقة في بعض الأحيان. لكن الوثيقة، كما اعتقدت منذ فترة طويلة، أظهرت أيضاً قاعدة أساسية دائمة مفادها بأنه لطالما كان لدينا دستور واحد.
لكني اليوم لم أعد أعتقد أن هذا الفهم التقليدي صحيح. فعلى مدار سنوات من البحث والكتابة، توصلت إلى استنتاج مفاده بأن الواضع الحقيقي للدستور الذي نسير عليه اليوم ليس من المؤسسين على الإطلاق؛ بل أبراهام لينكولن.
قد يبدو هذا مجرد رخصة بلاغية؛ لأن لينكولن لم يتولَّ منصبه حتى عام 1861؛ أي بعد نحو 70 عاماً من التصديق على الدستور. ونحن ندرك جميعاً أن رئاسته لعبت دوراً أساسياً في إقرار التعديلات رقم «13» و«14» و«15» التي أصبحت بعد الابتعاد التام عن العبودية نقطة تحول في تاريخ أمتنا.
لكني هنا أطرح حجة أقوى مفادها بأن ما بات واضحاً بالنسبة لي هو أنه حتى قبل إقرار تعديلات إعادة الإعمار - شرطاً مسبقاً لها - فقد أضر لينكولن بشكل كبير بدستور عام 1787، فقد انتهك عن عمد وبشكل متكرر العناصر الأساسية لذلك الدستور كما فهمها جميع الأميركيين تقريباً في ذلك الوقت؛ بمن فيهم هو نفسه.
ومن خلال ما جرى من تدمير، خرق لينكولن فعلياً دستور عام 1787، مما مهد الطريق لشيء مختلف تماماً ليحل محله... فما بدأ حلاً وسطاً فوضوياً وواقعياً ضرورياً للحفاظ على تماسك الدولة الفتية، قد ولد من جديد مخططاً طموحاً لأمة تقوم على مبدأ الحرية المتساوية للجميع.
اليوم؛ عندما تنخرط الولايات المتحدة في مراجعة كشف حساب وطني حول إرث العبودية والعنصرية المؤسسية، فإن قصة خرق لينكولن دستور عام 1787 قصة مفيدة ذات مغزى، فهي تعلمنا ليس فقط أن الدستور الأصلي تعرض لخطر كبير أخلاقياً ووظيفياً من خلال تكريسه الرّقّ، ولكن أيضاً أن الدستور الأصلي قد خُرق، وأعيدت صياغته، واستُبدل به مشروع يستحق التبجيل حقاً.
لنعد إلى القرن الثامن عشر، حيث يميل الأميركيون اليوم إلى التفكير في دستور عام 1787 من منظور أخلاقي رفيع. لكن التاريخ خلاف ذلك، فقد كان الدستور الأصلي بمثابة تسوية سياسية معقدة ترتكز على الضرورة العملية المتصورة، وليس الوضوح الأخلاقي.
على سبيل المثال؛ لقد أعطتنا الحاجة إلى حشد دعم الولايات الأصغر مجلس الشيوخ. وكان الأمر الأكثر إدانة هو التنازلات بشأن العبودية، والتي من دونها لم يكن من الممكن المصادقة على الدستور. كان هناك مبدأ «الثلاثة أخماس» البغيض الذي بموجبه يُحسب الشخص المستعبد على أنه ثلاثة أخماس الشخص الحر في التمثيل السياسي؛ وبند الحفاظ على تجارة الرقيق لمدة 20 عاماً؛ شرط الأرقاء الهاربين، الذي يتطلب حتى من الولايات الحرة دعم العبودية من خلال إعادة الأرقاء الهاربين إلى أسيادهم المفترضين. أعيدَ تأكيد هذه التسويات وتعزيزها من خلال مزيد من التنازلات التي سنها الكونغرس منذ عام 1820 حتى عام 1850.
في أبريل (نيسان) 1861، عندما بدأت الحرب الأهلية، كان لينكولن ملتزماً تماماً الدستور التوفيقي الذي كان قد تبناه واعتنقه طوال حياته السياسية. في الواقع، قبل شهر، وعد لينكولن في خطابه الافتتاحي الأول بالحفاظ على العبودية بصفتها حقيقة دائمة مفروضة دستورياً، وقال: «ليس لدي أي هدف مباشر أو غير مباشر للتدخل في مؤسسة العبودية في الولايات التي توجد فيها»، وتعهد عدم مخالفة ما «كُتب بوضوح» في الدستور، مضيفاً: «أعتقد أنه ليس لديّ أي حق قانوني للقيام بذلك، وليست لديّ الرغبة في القيام بذلك».
لكن في الأشهر الثمانية عشر التي تلت ذلك، انتهك لينكولن الدستور كما فهمه الناس على نطاق واسع 3 مرات منفصلة:
أولاً: شن حرباً على الكونفدرالية، وفعل ذلك رغم أن سلفه، جيمس بوكانان، والمدعي العام لبوكانان، جيريمايا بلاك، قد خلصا إلى أنه ليس لدى الرئيس ولا الكونغرس السلطة القانونية لإجبار مواطني الولايات المنفصلة على البقاء في الاتحاد من دون موافقتهم الديمقراطية. فقد جادلوا بأن الحرب القسرية تنصلت لفكرة موافقة المحكومين التي استند إليها الدستور.
ثانياً: علق لينكولن أمر الإحضار من جانب واحد، دون الكونغرس، واعتقل آلاف المعارضين السياسيين، وقمع حرية الصحافة وحرية التعبير، إلى درجة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الولايات المتحدة من قبل أو من بعد ذلك. وعندما رأى رئيس المحكمة العليا، روجر تاني، أن التعليق غير دستوري، عمد لينكولن إلى تجاهله.
برر لينكولن هذه الانتهاكات الدستورية من خلال نظرية مشكوك فيها حول ضرورة الحرب: فبصفته الرئيس التنفيذي والقائد العام، فقد كان يمتلك السلطة الكاملة لاستخدام أي وسيلة ضرورية للحفاظ على الاتحاد.
ثالثاً: وهو الأكثر أهمية ومصيرية، توصل لينكولن إلى الاعتقاد أنه يمتلك أيضاً القدرة على إعلان إنهاء العبودية في الولايات الجنوبية. وعندما فعل ذلك أخيراً، بإصدار إعلان التحرر في يناير (كانون الثاني) 1863، أزال لينكولن أي إمكانية للعودة إلى الدستور التوفيقي كما كان موجوداً قبل الحرب.
على عكس الانتهاكين الأولين للدستور، اللذين أتيا على عجل، كانت حركة لينكولن نحو التحرر معذبة وبطيئة، على وجه التحديد لأنه كان يعلم أن التحرر سيكون من شأنه تدمير جوهر التسوية الدستورية التي تعهد بدعمها.
ووفق ما أوضح لينكولن في رسالة إلى السيناتور أورفيل براونينغ من ولايو إلينوي في سبتمبر (أيلول) 1861، فإن التحرر سيكون في حد ذاته بمثابة «استسلام الحكومة» التي كان يحاول إنقاذها. وتساءل لينكولن: هل يمكن التظاهر بأنها لم تعد حكومة الولايات المتحدة؛ أي حكومة دستورية أو قوانين، إذا كان الجنرال أو الرئيس قادراً على «وضع قواعد دائمة للملكية بالإعلان؟».
في النهاية، أدى قرار لينكولن إصدار إعلان تحرير الأرقاء إلى إدراكه أنه لا يمكن كسب الحرب كما كان يأمل في الأصل؛ أي عن طريق حث الولايات الجنوبية على الانضمام إلى الاتحاد بشروط تسوية مماثلة للوضع الراهن قبل الحرب؛ إذ إن إعلان تحرر الأرقاء في الجنوب كان بمثابة إعلان أنه لا عودة إلى الوراء. لن يكون دستور التسوية الأصلي معروضاً بعد الآن، حتى لو تنازل الجنوب وعاد إلى الاتحاد.
استغرق الأمر «قضية براون ضد مجلس التعليم» في عام 1954 و«حركة الحقوق المدنية الحديثة» للبدء في استرداد وعد دستور لينكولن الجديد. فلا يزال استمرار عدم المساواة يصيب الولايات المتحدة؛ بما في ذلك عدم المساواة أمام القانون من النوع الذي يحظره الدستور الأخلاقي. فالحقيقة هي أن دستور لينكولن الأخلاقي، شأنه شأن جميع الدساتير، ليس نقطة نهاية ولكنه تعهد بالجهود المستمرة. ومن خلال هذا الدستور نحدد مشروعنا الوطني ونسعى لتحقيقه حتى لو لم ننجح قط بشكل كامل.
* أستاذ بجامعة هارفارد مختص في القانون الدستوري
* خدمة «نيويورك تايمز»