كانت الأنباء في الولايات المتحدة سيئة بالنسبة للرئيس جو بايدن منذ أسابيع. لقد وعد بإعادة بناء أميركا، وجلب الخبراء إلى إدارته ممن يعرفون كيفية إدارة الوزارات الحكومية بحكمة، على عكس فريق الرئيس السابق دونالد ترمب الذي جلب الفوضى طوال الوقت.
غير أن ما شهدناه في الأسابيع الأخيرة هو فوضى الانسحاب من أفغانستان. وهنا في الولايات المتحدة، قال بايدن في يوليو (تموز) الماضي، إنَّ أميركا قد تجاوزت وباء فيروس كورونا، لكن الآن في أكتوبر (تشرين الأول) لا تزال هذه مشكلة كبيرة للغاية. وفي بعض الولايات مثل إيداهو وأوكلاهوما، توقف المستشفيات الإجراءات الطبية الروتينية لأن جميع الأسرّة والفرق الطبية مشغولة بمرضى الفيروس. تصور أنك تحتاج إلى عملية للسرطان ولا تستطيع إجراءها. كما تعاني مدارس كثيرة أيضاً. ففي بلدتي، قبل أسبوعين، أصيب 72 طالباً من أصل 190 طالباً بالفيروس.
يبدو أن الوباء بلا نهاية والأميركيون منهكون. وإذا ذهبت إلى مركز التسوق للهروب، فإن كل شيء أغلى ثمناً، مثل الملابس، والأجهزة الإلكترونية، والطعام. إن ارتفاع الأسعار أمر سيئ بصورة خاصة بالنسبة للطاقة. وقد حذرت الحكومة المواطنين الأسبوع الماضي من أن تكلفة تدفئة منازلهم سوف ترتفع بمقدار 50 في المائة مقارنة بالعام الماضي. وأسعار البنزين هي الأعلى منذ سبع سنوات. أما في واشنطن، فإن الحزب الديمقراطي منقسم حول مبادرات الرئيس بايدن لإعادة بناء البنية التحتية وتوسيع البرامج الاجتماعية. ولقد أجبر أحد أعضاء مجلس الشيوخ الرئيس بايدن على التخلي عن جزء رئيسي من خطته للبنية التحتية لتسريع استخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية في توليد الكهرباء، وبالتالي وضع وعود بايدن بشأن مواجهة الاحتباس الحراري في خطر.
ظهرت مقارنات على وسائل الإعلام بين جوزيف بايدن وجيمي كارتر الذي تولى رئاسة البلاد لفترة ولاية واحدة فقط للديمقراطيين. وقال دونالد ترمب «الأب»، الذي سوف يترشح للرئاسة مرة أخرى في عام 2024، إن المقارنة بين كارتر وبايدن غير منصفة تماماً بالنسبة لكارتر؛ ذلك لأن بايدن أسوأ كثيراً. فقد أطلق دونالد ترمب «الابن» على بايدن مسمى «جيمي كارتر النموذج 2.0». كما تحذر استطلاعات الرأي الديمقراطيين أيضاً. وفي الأسبوعين الماضيين، تشير الاستطلاعات إلى أنه بعد 9 أشهر من تولي بايدن مسؤولية البيت الأبيض، نحو 45 في المائة من الأميركيين يوافقون على أداء بايدن، و50 في المائة هم من المعارضين له.
وحصل كارتر، الذي خسر انتخابات 1980 بشكل سيئ، على موافقة 55 في المائة من الأميركيين بعد مرور 9 أشهر في السلطة، واعترضت عليه نسبة 30 في المائة فقط. غير أن الأمر الأكثر خطورة بالنسبة للحزب الديمقراطي هو أن العناصر الرئيسية في تحالف بايدن السياسي، خاصة الناخبات من النساء والناخبين السود، تشير إلى تراجع الدعم لهذا الرئيس وللديمقراطيين. ولهذا السبب؛ سوف يتوجه باراك أوباما إلى ولاية فرجينيا لمساعدة حاكم الحزب الديمقراطي في حملته الانتخابية. وقد فاز بايدن بولاية فرجينيا في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 من دون صعوبة، لكن وجود أوباما صار مطلوباً بشدة الآن. راجعوا نتائج الانتخابات التي جرت في 2 نوفمبر في فرجينيا لتقف على حقيقة الرياح السياسية في الولايات المتحدة.
ولكن بايدن ليس جيمي كارتر. كارتر جاء إلى واشنطن من دون خبرة في العاصمة. كان بايدن سيناتوراً جديداً عندما كان كارتر رئيساً، وأمضى بايدن أربعين عاماً في مجلس الشيوخ والبيت الأبيض بعد رحيل كارتر. ولدى بايدن خبرة طويلة من العمل مع مؤسسات مثل الكونغرس، ومع جميع الإدارات الحكومية. إنه يعرف كيف يعقد الصفقات السياسية. لم يكن كارتر صانعاً جيداً للصفقات. بطبيعة الحال، تغير وجه واشنطن كثيراً إبان الأربعين عاماً الماضية، وأصبحت الساحة السياسية الآن أكثر صعوبة وأقل تهذيباً. وقد تساءل العديد متشككين في جدوى حكم بايدن، وبشكل خاص في مجال السياسة الخارجية. (في مذكراته، كتب وزير الدفاع السابق غيتس عن شخصية بايدن التي كان من السهل الإعجاب بها، ولكن بايدن كان مخطئاً في كل قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي تقريباً على مدى أربعة عقود قضاها في واشنطن). من الأهمية بمكان أن نتذكر أن الناخبين الأميركيين لا يبالون بالسياسة الخارجية ما لم تحدث كارثة كتلك التي ألمت بالرهائن الأميركيين في إيران أثناء الفترة بين 1979 - 1980. بدلاً من ذلك، فإن سيطرة الحزب الديمقراطي على الكونغرس والبيت الأبيض تعتمد بشكل كبير على الاقتصاد الأميركي، والاقتصاد أفضل بكثير الآن مما كانت عليه الأوضاع خلال عهد كارتر.
وعندما فاز رونالد ريغان بنصر ساحق على جيمي كارتر في عام 1980، كان تضخم الأسعار يبلغ 13 في المائة. أما في أميركا الآن فإنه يبلغ 5.5 في المائة فقط. ويتوقع البنك المركزي انخفاض تضخم الأسعار عبر العامين المقبلين. وكان سعر الفائدة على القروض المصرفية بنسبة لا تُصدق بلغت 20 في المائة، أما الآن فهي لا تتجاوز 3 في المائة فقط. وفي عام 1980 بلغت البطالة نسبة 6 في المائة مع الارتفاع، وعندما تخرجت من الجامعة عام 1980، كان من الصعب العثور على وظيفة. وفي عام 2021، بلغ معدل البطالة 4 في المائة، وتبحث الشركات عن عمال جدد وتدفع أجوراً أعلى. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الناخبين يدعمون البنية التحتية والبرامج الاجتماعية التي يرغب بايدن في تنفيذها.
إن جزءاً من مصير بايدن يعتمد على انحسار الوباء. فضلاً عن ذلك، إذا ما نجح بايدن في توجيه الديمقراطيين في الكونغرس نحو تمرير التشريعات لبرامجه الضخمة، فسوف يبدو قوياً مرة أخرى. ولكن إذا ظل الديمقراطيون منقسمين وفشلوا في الكونغرس، فقد نشهد عام 1980 يطل علينا مرة أخرى.
TT
هل جوزيف بايدن هو جيمي كارتر الجديد؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة