د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

صوت المشاعر والابتسامات!

عندما أكمل مخترع الهاتف المتنقل اختراعه الفريد، لم يتمالك نفسه من شدة الفرح، فقد كان في سباق محموم مع غريمه في شركة منافسة. فنزل إلى شوارع نيويورك وهو يحمل الهاتف الخلوي، ويضغط على الأزرار تلو الأخرى وسط «استغراب» من حوله إذا لم يألفوا جهازاً كهذا.
وما أن رن هاتف برئيس شركة بيل، المنافسة، فقال مارتن كوبر لمنافسه وسط فرحة غامرة: «جوي، إنني أحدثك من تليفون خلوي حقيقي»، فدهش جوي، إذ «شعرت بأسنانه تصطك ببعضها ولكنه كان شديد الاحترام وتحدثنا قليلاً»، كما قال مارتن. هذه المكالمة التاريخية بين مخترع الهاتف المتنقل مارتن كوبر من شركة موتورولا ومنافسه رئيس شركة Bell أظهرت مشاعر الأول عبر الهاتف أثير الهاتف عام 1973.
ذلك أن العلماء قد اكتشفوا أن نبرة صوت الإنسان تنقل لنا الكثير من مشاعره، بل حتى ابتسامته يمكن أن يكتشفها المتصل من دون أن يرى تعابير محدثه! وهو ما ذكرته في كتابي «أنصت يُحبك الناس» إذ لاحظ العلماء أن المسافة بين الحنجرة والشفتين تتقلص على نحو يُشعِر المستمع بنبرة صوت باسمة.
وهذا ما يدفعني دوماً إلى تذكير المشاركين في ورش العمل التي أعقدها للمسؤولين ورجال الأعمال وموظفي المبيعات ومأموري البدالة، بضرورة عدم الاستهانة بقوة الابتسامة وسرعة انتقالها عبر الهاتف.
وهذا ما توصل إليه أيضا د. ألبرت مهرابيان صاحب النظرية الشهيرة (7 - 38 - 55)، التي أظهرت أن تأثير الرسالة التي يود إيصالها محدثنا إلينا يكون من خلال الكلمات بنسبة لا تتجاوز 7 في المائة، و38 في المائة لنبرة الصوت، و55 في المائة لإيماءاته الجسدية. بمعنى آخر عندما يكلمنا شخص هاتفياً أو في مؤتمر عام أو اجتماع مصغر، فإن 45 في المائة من تأثير الرسالة علينا كمستمعين يأتينا من خلال نبرة صوته وكلماته (38 - 7 في المائة). ويرى د. مهرابيان الأستاذ بجامعة لوس أنجلوس (UCLA)، أن تأثير المتحدثين في مستمعيهم يكون إما «لفظياً أو صوتياً أو مرئياً»، ولذا سميت دراسته (3Vs) وهي اختصار للكلمات الثلاث (Verbal، Vocal، Visual).
ومع ذلك نلاحظ في عصرنا كيف تصدعت علاقات وتقطعت وشائج المودة بسبب التراسل النصي الذي كثيراً ما يساء فهمه. وسيبقى الإصغاء إلى نبرة الصوت أكثر صدقاً من التراشق بنصوص قد تخسرنا صفقات تجارية وعلاقات اجتماعية وطيدة.