طارق الشناوي
ناقد سينمائي مصري
TT

الحق وابن ابن ابن ابن عمه!

في الماضي كانت إجابة السؤال تتحول إلى سؤال «عايز الحق ولا ابن عمه؟»، وكلنا بالطبع نعلن أننا لا نريد سوى الحق، ولا شيء غير الحق.
الكثير من البرامج التي أشاهدها أجد تنويعات على نفس تلك «التيمة»، هل تصل بنا الصراحة إلى تخوم ابن عم الحق، لا أعتقد أن هذا الجيل من الفنانين في أحاديثهم يقتربون أساساً من شيء له علاقة بالحق أو الحقيقة.
لديهم على كل الأسئلة إجابات صارت مع الزمن يطلقون عليها «نموذجية»، مثلاً النجم الذي لم يعد المخرجون يسندون إليه دور البطولة، يقول: «أفضلها جماعية»، يقصد البطولة، وكأنه يتحدث عن ثواب صلاة الجماعة، هل مثلاً عرضوا عليه بطولة مطلقة ورفض؟ عندما تراجع أعماله تكتشف أن شركات الإنتاج لم تعد تثق أبداً بقدرته على جذب الجمهور، فلم يعد أمله يتجاوز البطولة الجماعية.
الكثير من الفنانين يعلمون الحقيقة، ولكنهم مضطرون لتأجيل إعلانها، لأن التوقيت غير ملائم. عندما قدم المخرج يوسف شاهين قبل عشرين عاماً فيلمه «سكوت ح نصور» كتبت مقالاً عنوانه «سكوت ح نهرج».
فتح يوسف شاهين النيران بضراوة ضد «العبد لله»، في كل البرامج والأحاديث، وكعادته كان يستخدم ألفاظاً يعاقب عليها القانون، وبدأ بعض دراويش يوسف شاهين يدافعون عن فيلمه قائلين «سكوت ح نصفق».
مر نحو أقل من عام، وكنت أعد وأقدم برنامجاً في قناة «أوروبت»، اسمه «عمالقة الفن السابع»، واستضفت يوسف شاهين طلبت منه أن يذكر اسم فيلم يسقطه من تاريخه، فقال لي بصراحة وبكل صراحة ومن دون تردد: «سكوت ح نصور».
كنت أعلم أن يوسف شاهين باعتباره أيضاً منتج وموزع الفيلم، كان ينتظر أن تتهافت على طلبه شركات التوزيع خارج الحدود، فلم يجد بأساً أن يرجئ كلمة الحق، بعد بيع الفيلم.
قبل نحو 55 عاماً سألوا فتحي قورة أحد شعراء الأغنية الكبار، هل يكتب بالضبط ما يقتنع به؟ أجابهم ليس دائماً، وضرب مثلاً بأغنية كتبها لفريد الأطرش «يا قلبي كفاية دق»، فريد اتصل به وأملاه المطلع، وطلب منه أن يستكمله.
فقال له قورة معترضاً، البداية لا تصلح، لأن القلب عندما يتوقف عن الدق، يموت الإنسان، هكذا كان تعريف الموت في الماضي هو توقف عضلة القلب.
رد فريد غاضباً، أنه يريد المطلع كما هو ولن يغيره، وكان فتحي قورة في ضائقة مالية فوافق مرغماً، وأضاف وهو غير مقتنع «ما دام حبيبك رق»، فصارت واحدة من أشهر أغاني فريد!!
سألت يوماً المخرج سعيد مرزوق عن أسوأ أفلامه؟ قال لي «الدكتورة منال ترقص»، وأضاف: «كنت مدركاً أن كل التفاصيل في هذا الفيلم ستؤدي لكارثة، ولكن كان ينبغي أن أحصل على الأجر لأسدد «فواتير» علاج أمي بالمستشفى، وافقت أن أذهب فوراً للأستوديو، بدون حتى مراجعة السيناريو، بمجرد أن حصلت على «العربون». عمر الشريف كثيراً ما ذكر أنه كان يشارك في أفلام وهو غير مقتنع بها عندما يكتشف أن جيبه صار خاوياً.
أغلب نجوم هذا الزمن أحاديثهم تفتقر إلى الصدق، بسبب تلك الإجابات المعلبة التي ينتقلون بها من حوار إلى آخر، ولا يعنيهم من قريب أو بعيد، أن يقولوا الحق، ولا ابن عمه، ولا ابن ابن ابن ابن عمه!!