د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

«طالبان» والمظهر الجديد

هل عودة حركة طالبان بمظهر جديد newlook هي مقدمة لظهور طالبان «المعتدلة» خاصة ما أعلنته الحركة بعد دخولها كابل من أنها ستقضي على ساحة المخدرات في البلاد، وهذا مؤشر إيجابي مهم جداً؟
عودة طالبان بشكل مفاجئ وسريع، وفرار الجيش الأفغاني واستسلامه، وهو الذي لطالما تفاخرت أميركا ببنائه وتأهيله، جميعها أحداث تدفع بالأسئلة، هل كان ما حدث مجرد اتفاق غير معلن بين الإدارة الأميركية وطالبان بمعزل عن حلفائها الأفغان لتسلم الحكم؟ أم أن الحركة استولت على الحكم بزنادها وحده؟
طالبان وهي جمع لكلمة طالب في اللغة الأفغانية، هي حركة طلابية تشكلت في باكستان من طلاب العلوم الشرعية، ومذهبهم من أهل السنة، وهو قريب جداً من مذهب أبي الحسن الأشعري.
هناك مَن يبرر لعودة طالبان ويرى عودتها نصراً يردد أنهم مجرد مقاتلين يعيشون حياة بسيطة وإيمانهم بالنصر لأنهم يدافعون عن أرضهم وبلادهم.
نظر البعض إلى هذا الزحف الطالباني على أنه انتصار مجاني ويقولون إنها تقدمت في مساحات خالية من أي تسلح مضاد، فعناصر طالبان القادمون على ظهور الدراجات النارية من دون غطاء طيران أو مدفعية يتقدمون في صحراء أفغانستان لدرجة أن البعض شبّه ما حدث بهزيمة أميركا في فيتنام، ولكن بعيداً عن هذا المشهد الهوليوودي أو البوليوودي الخائب وسيناريو الخيال، فإن ما حدث لم يمكن قراءته بعيداً عن اتفاق الظل من وجهة نظري.
ففي أفغانستان خسرت أميركا آلاف القتلى والجرحى وقرابة تريليون دولار، فلا يمكن التصديق بخروجها من دون بديل أو خطة، وإلا تصبح أميركا كمن رمى بأمواله وجنوده في بئر عميقة لا قاع محدداً لها، وخرجت أو انسحبت أميركا من دون سابق إنذار حتى لحلفاء واشنطن من الأفغان، الذين فروا إلى مطار كابل ظناً منهم أن أميركا جلبت طائرات بعدد كافٍ لنقلهم معها.
طالبان بمجرد دخولها كابل تصرفت بشكل مختلف عن ماضيها، فقد أصدرت عفواً عاماً لم يكن متوقعاً، بل وأطلقت سراح بعض المسؤولين الأفغان السابقين، خاصة في إدارة الحكم المحلي، ولكن لا بد من الانتظار حتى نرى أفعالاً تؤكد هذا التوجه.
المهمة الصعبة أمام طالبان للاندماج في المجتمع الدولي فهي تبدأ من إبعاد المقاتلين الأجانب.
لقد بعثت الحركة برسائل الطمأنة ورسائل الحوار مع الداخل وتجنب العداوة مع الخارج على لسان المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد وقوله «إن الحركة تطمئن العالم بأن أفغانستان لن تكون مركزاً لإنتاج أي نوع من أنواع المخدرات، خاصة الخشخاش»، لكن القلق سيبقى قائماً خاصة بعد تصريح القيادي البارز في «طالبان» وحيد الله هاشمي: «لن يكون هناك نظام ديمقراطي، والذي يجب اتباعه في أفغانستان هو الشريعة».
سيطرة طالبان على أفغانستان لن تبقى هادئة من دون صراعات داخلية، خاصة بعد وجود حشود لأحمد مسعود نجل القيادي الأفغاني الراحل أحمد شاه مسعود في ولاية بنجشير التي تعني «الأسود الخمسة» في لغة الطاجيك الأفغان، فهل سيهاجم مسعود طالبان في ظل أنباء عن وجود نائب الرئيس المستقيل أشرف غني إلى جانب أحمد مسعود، وفي ظل وجود دعوات لدعم مسعود كرمز للمقاومة ضد طالبان؟
ونتساءل مجدداً هل المظهر الجديد لطالبان سيسهم في ترويض المقاومة التي يقودها مسعود في إطار ترتيب البيت الداخلي والحفاظ على النسيج الأفغاني، خاصة أن طالبان تنتمى لقبائل البشتون، بينما مسعود ينتمى إلى الطاجيك؟ أم ستختار طالبان المواجهة والإقصاء للخصوم؟ الأيام كفيلة بفك بتبيان ذلك.