د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

هشاشة المجهود الجماعي!

من المفارقات في بيئة العمل أنك حينما تعطي فريق عمل من ستة أعضاء كل ما يحتاجه من موارد، وصلاحيات ودعم، ثم تفاجأ بأن الفريق لم ينجز بكفاءة شخصين كانا يقومان بالمهمة نفسها! هذه الظاهرة نلاحظها بعد تعطل السيارة عندما يندفع نحوها من يحاولون المساعدة ثم نكتشف أن تلك الأيادي التي امتدت لم تزد شيئاً يذكر من قوة دفع المركبة إلى الأمام، لأنها كانت تستند إلى جهود الآخرين. الأمر نفسه يحدث في لعبة شد الحبل، إذ لاحظ الباحث الشهير ماكس رينغلمان أنه كلما زاد عدد المشاركين في اللعبة قلت جهودهم المبذولة!
حاول رينغلمان Ringelmann التعمق قليلاً، فطلب من مجموعة مشاركين شد الحبل لمدة خمس ثوان على نحو انفرادي، ثم أعاد الطلب لمجموعة مكونة من سبعة أفراد. بعدها أعاد الكرة لمجموعة تضم 14 شخصاً.
وهنا كانت المفاجأة بأن معدل القوة التي بذلها كل مشارك منفرداً لم تتجاوز سقف 85.3 كغ وهو جهد كبير وقوي. غير أنه عندما قاس قوة المشاركين الذين انضموا إلى فريق السبعة انخفضت قوة كل مشارك إلى 65 كغ، وبلغت نحو 61 فقط لكل فرد مما شارك في مجموعة تضم 14 فرداً.
وهذا ما يجيب عن تساؤل حيرنا كثيراً، وهو أسباب تدني جهود الفريق كلما زاد عددهم. والذي فسره الباحث بأنه يعود إلى «غياب التناسق» بين أفراد المجموعة، أي أنه كلما قل عدد المشاركين في المهمة، كان الأداء أكثر توافقاً وتزامناً فيما بينهم. والسبب الآخر «غياب الدافع»، وهو شعورهم بأن أداء زملائهم يكفي لإنجاز المهمة، وعليه ينخفض جهدهم المبذول.
والآن وجدت سبباً لميل بعضنا في مجالس الإدارات نحو التقليل من عدد أعضاء مجلس الإدارة فبدلاً من 12 شخصاً نرى أنه بإمكان 5 أشخاص إدارة المجلس. قبل أيام أعلنت الكويت عن تسمية أعضاء جدد لمجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار بالكويت KIA وهي التي تهيمن على استثمارات البلاد وصندوقها السيادي، فلم يتجاوز عددهم سوى خمسة أشخاص لكنهم عقول نيرة.
وهذا يتماشى مع ما توصل إليه العالم رينغلمان من أنه كلما تضاعف حجم المشاركين في فريق عمل أو مجموعة، انخفض الجهد الذي يبذله كل فرد منهم.
ولهذا فإن اختيار عناصر الفريق أمر في غاية الأهمية. وكذلك الحال عند اختيار شخص في مقتبل العمر أو نرجو تعميق خبرته، فإن وضعه في مجموعة كبيرة قد يحرمه من عمق التجربة أو التعلم على اعتبار أن الجميع ستكون مساهمته دون المتوقع.
أما إذا ما كان في فريق أصغر ربما يزيد معدل تعلمه وجده واجتهاده.
وبهذا يبتعد الفريق عن فكرة «التكاسل الاجتماعي» social loafing وهو مفهوم مماثل قدمه عالم النفس «بيب لاتاني» يصف ميل الفرد نحو بذل جهد أقل عندما يجد نفسه وسط مجموعة تعاونية تسعى لإنجاز مهمة محددة، مقارنة بجهده الأكبر منفرداً.
هذا لا يعني التخلي عن فكرة فريق العمل لأنها أصل النجاحات التي يشار إليها بالبنان، ففيها تلقى الخبرات والعقول.