حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

رأي بين اليمين واليسار!

تابعت كغيري ردود الفعل العنيفة والعاطفية في الفضاء العربي الناتج عن تفاعل عدد غير بسيط من الجماهير العربية مع مشروع بطولة السوبرليغ لكرة القدم كمنافس حقيقي ومهم ومخيف للبطولة الرئيسية الكبرى والمهيمنة الأولى على اللعبة في أوروبا المعروفة باسم الشامبيونزليغ، الذي تبنت فكرته في بداية الأمر كبرى أندية أوروبا لكرة القدم، إلا أن الضغوطات السياسية الثقيلة التي مارستها الحكومات الأوروبية لحماية الشامبيونزليغ عملت على القضاء الفوري على البطولة الجديدة وهذا ما حصل. وكان موقف الحكومة البريطانية الأعنف بلا شك، وهو الذي ولد تعليقات تفيد بأن الخروج من السوق الأوروبية كان أهون عليها من القبول بتهديد البطولة الكبرى لكرة القدم الأوروبية والمصالح الاقتصادية الضخمة التي تقف وراءها.
ما أدهشني حقاً وأثار استغرابي في الاهتمام الشعبي العربي بالموضوع، هو روح المزايدة التي يتم التعاطي فيها مع مواضيع لا تخصهم أبداً، ومن خلال النقاش يقومون بتبني المواقف الغربية نفسها ويرفعون معهم الشعارات ذاتها. وفي رأيي كان الأولى استثمار الوقت في فهم أعمق للقضايا المطروحة بكل جوانبها وتطوير قدرات عقليتها النقدية.
لقد تبين أن هناك قلة تقدير للمخزون الثقافي والخبرة التراكمية التي تجمعت عبر الزمان، والتي تجعل تجربة هذه المجتمعات مختلفة تماماً عن مجتمعاتنا. ولذلك أرى رابطة المشجعين العرب المشاركين بصخب شديد جداً في قضايا غيرها، أنها أشبه بمن يريد قطف وجني ثمار زرع ما لم يزرعه أو حتى ساهم في نشر بذوره في التربة أساساً. وهذه المشاركات، تتم عادة بعنجهية وأسلوب لا يخلو من العنف والنبرة الفوقية، الأمر الذي يريحهم ويعفيهم من وجهة نظرهم من عبء «الزراعة» ومتاعبها لما تحتويه من مشقة التجارب والإقدام على شيء جديد ومختلف جداً عما يعرفونه، وخصوصاً إذا ما أخذ في عين الاعتبار الخلفيات البيئية والثقافية والاجتماعية والمجتمعية المختلفة كلياً بين الجماهير العربية المشاركة وأصحاب القضية الأساسيين في العالم الغربي.
هذا الأمر يفتح المجال للحديث عن الأسلوبين الأكثر اعتماداً من مدرستي الرأي السائد في النقاش بين أهل اليمين وأهل اليسار. فاليميني يعتقد وبشكل أساسي أن الإنسان يجب أن يقوم بعمل الشيء الجيد والسليم لأنه من الممكن أن يحقق من ورائه مصلحة، وهي الفكرة الأساسية وراء نظام الرأسمالية لتنظيم استغلال رغبة الإنسان وسعيه الدؤوب للوصول إلى الأرباح بحيث يستفيد ويكون بإمكانه على إفادة غيره. أما اليساري فهو يختلف عن اليميني تماماً، إذ لديه قناعات مبدئية بوجود قيم ومبادئ محفوظة وسابقة لكل العصور، وبالتالي يؤمن بوجودها في ثنايا النفس البشرية وتصلح دوماً مهما اختلفت عناصر الزمان والمكان. وهو طرح طوباوي ومثالي وبعيد تماماً عن أرض الواقع ولا مكان فيه لفكرة أن الحياة في تركيبتها لا مساواة فيها تماماً، كالتنافس بين الفرق الكروية في مختلف بطولات الدوري حول العالم، وأن السعي بالتالي يجب أن يكون نحو تحقيق مبدأ «تكافؤ الفرص» وليس «تكافؤ النتائج»، وشتان الفرق ما بين النهجين.
تاجر الشعارات المحمي بالدين أو اليسار المتطرف يقدم سلعة أساسها القيم العليا لأجل الوصول إلى الحياة المثالية، حتى لو كان ثمن هذا الوصول وتكلفته الإفلاس والتدمير ونشر الشقاق وتوسيع دوائر الخلافات وزيادة أعداد الخصوم والفرقاء. وهي دائرة قاتلة ومميتة يستمر تكرار المحاولات لإثبات نجاعة الفكرة الأساسية وجدواها المرة تلو الأخرى رغم أدلة وبراهين الفشل والإخفاقات الواضحة، وذلك باستخدام ذريعة أن العلة هي دوماً في سوء التطبيق، وهذا لا يمنع من القول إن الفكرة الأساسية تظل عظيمة بحسب وجهة نظرهم.
العالم بشكل عام يتفق على مبادئ بعينها، أهمها المساواة والعدالة، وهناك مجتمعات دفعت ثمناً هائلاً لتحقيق هذه الإنجازات لصالح البشرية ككل، وبالتالي تأتي المزايدة على هذه المجتمعات بأسلوب تهكمي مسألة فيها شيء من الظلم لا يمكن نكرانه والكثير من السخرية التي لا يمكن إخفاؤها.
هناك خوف متصاعد في الغرب من ظاهرة إلغاء الرأي الآخر، وعلو الصوت الواحد وهي ظاهرة خطيرة جداً تهدد مسألة أساسية في منظومة الحقوق في العالم الغربي، وهي حرية الرأي والتعبير، فالتطرف في الرأي الذي يصل إلى درجة إلغاء الرأي الآخر مسألة لا تقل خطورة عن الرأي المتطرف.
المشاركة في صناعة الوعي والرأي العام مسؤولية يتحتم التعامل معها بجدارة واحترام واستحقاق.