تعارف المجتمع البشري، منذ نشأة الدول المتمدنة، على مبدأ أن توضع جانباً اختلافات العقائد، وتباين الثقافات، وتعدد الأجناس، أو الأعراق، بل حتى الصراعات التاريخية وما يترتب عليها من آلام الحروب، عند وقوع مُلمات إنسانية كبرى، مثل انفجار البراكين، ومفاجآت الزلازل غير المُعد لاحتمال وقوعها على نحو دقيق. أمام هكذا أحوال مفاجئة، يهب بنو الإنسان إلى عون بعضهم بعضاً، بلا تفريق بين جنس أو دين. تصرف طبيعي، بل هو واجب ضروري أن يُجاب أي نداء صادر بشأنه عن أي بشر كان. قطاع غزة يواجه اليوم هذا الوضع المأساوي، صحياً، بعد زلزال الأحد عشر يوماً. هل يصعب، إذنْ، على الأطراف كلها أن تضع جانباً كل اختلافاتها، فتقدم مد أيادي العون الإنساني للضحايا الأبرياء الذين دفعوا الثمن، سواء هم قتلى يبكيهم أحباء لهم من ثكالى وأرامل وأيتام، يعانون بصمت الجرح النفساني، المسكوت عنه، لأن عرف المجتمع يرمي بالعيب من يجرؤ فيشكو، مجرد شكوى، أو أنهم جرحى أمسوا طرحى سرير أبيض بمستشفى، إذا وجدوه، لكنهم لن يجدوا الكافي من الدواء، ويحار الأطباء المُرهقون في إيجاد جواب عن سؤال يلح عليهم، وعليهن، آناء الليل وأطراف النهار: ما العمل؟
حقاً، هل ثمة جواب يضع جانباً كل جوانب اختلاف وجهات النظر، والرؤى، في أسباب ما جرى، مثل، أولاً، مَن الطرف المسؤول، وثانياً، ذلك السؤال الذي سوف يتبع كل جولة صراع: مَن يحق له ادعاء أنه «انتصر»، ومَن هو الفار، مولياً الأدبار، خشية الإقرار أنه «هُزِم»؟ عجباً، أصعبٌ أم مستحيلٌ أن يتخلى كل الأفرقاء عن تفكير الجماعات، أو مذاهب الفِرَق، التي تحكم أهواءهم، لأجل هدف إنساني نبيل، في منتهى الوضوح، يلبي نداء كل جريح يستغيث طالباً الدواء، بعدما تقلص، أو كاد يختفي تماماً من مستشفيات قطاع غزة، بما في ذلك أقراص تسكين الألم، وضمادات الجروح، ومضادات التقيح، وما يماثل ذلك؟ نعم، إلى هذا الحد من السوء وصل الوضع الصحي هناك، بفعل قصف إسرائيلي غير عادي، لم يفرق بين ليل ونهار، ولا مدني أو مقاتل، وتسبب في قطع إمدادات المياه بنسبة 40 في المائة، إضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي عن حوالي 700 ألف منزل، وفق تقديرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر. نعم وضع غزة الصحي سيئ أساساً بتأثير سنوات حصار ظالم بدأ منذ زمن بعيد، قبل صيف 2007 بكثير، لكنه الآن زاد على نحو حاد جداً، فصار يبدو كما حد سكين تزيد من آلام معاناة الافتقار إلى شتى أنواع المعدات والتجهيزات الطبية. الشكر واجب، في هذا السياق، للهيئات الدولية، التي على النقيض من معظم العرب، تبادر إلى أداء واجبات تقديم العون المطلوب، خصوصاً بعدما زاد تفشي وباء فيروس «كورونا»، وانتشار مرض «كوفيد - 19» الأمر سوءاً.
في هذا السياق، نسب موقع قناة «الحرة» للسيدة لين هاستينغز، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، قولها إن «جماعات الإغاثة تعطي الأولوية للمعدات والإمدادات الطبية، بالإضافة إلى مجموعات النظافة لمساعدة السكان على التعامل مع البنية التحتية المدنية المنهارة». أضافت السيدة هاستينغز فأوضحت أن «برنامج لقاح (كوفاكس)، الذي تشرف عليه منظمة الصحة العالمية، ومؤسسات أخرى، ينوي تسليم شحنة من جرعات لقاح فيروس كورونا إلى غزة في غضون أيام». ما صدمني من كلام هاستينغز قولها إن أقل من 40 ألفاً جرى تطعيمهم في غزة، أي بنسبة تقل عن 2 في المائة من مجموع السكان. تُرى، هل في هكذا أرقام تستند إلى حقائق ما يحفز على هبة من مختلف أنحاء العالم العربي تستجيب لنداء جرحى غزة ومرضاها؟
وفق الضمير الحي، ومنطق العقل، يُفترض أن الجواب هو؛ نعم. أكثر من ذلك، التفاؤل يوجب الأمل أن كل من يستطيع الدعم سوف يلبي النداء، ولن يطالب بأي ثمن سياسي مقابل عون إنساني. يبقى أن أستحضر هنا الجهد غير العادي المبذول من قِبل «ماب»، وهي جمعية تأسست في لندن مطالع ثمانينات القرن الماضي تحت اسم «Midical Aid For Palestinians» لتقديم العون الطبي للفلسطينيين في لبنان أثناء «حرب المخيمات»، السيئة الصيت، ثم امتد نشاطها إلى قطاع غزة، وغيره. إن أي عون يُقدم للفريق العامل في هذه الجمعية سوف يشد أزرها، ويزيد اتساع خدماتها. هيا، شمروا عن السواعد، ولبوا نداء غزة التي تستغيث.
8:2 دقيقه
TT
غزة تنادي... فمن يُلبي؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة