روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
TT

جولة متأخرة لبلينكن بالمنطقة تعكس مستوى الاهتمام

ادعى مسؤولون بإدارة بايدن، الأسبوع الماضي أنهم اضطلعوا بدور جوهري في إقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وجماعة «حماس». بطبيعة الحال لعب الأميركيون دوراً، لكن دور الولايات المتحدة في المنطقة عام 2021 مختلف عن دورها في أعوام 1973 و 1979 و 2000، اليوم، حيث أصبح الدور الأميركي أصغر، وسيظل كذلك.
من جانبهم، قال المسؤولون الأميركيون مراراً في تصريحاتهم للصحافيين الأسبوع الماضي: «لقد تعلمنا من دروس الإخفاق الأميركي عام 2014 أثناء الحرب بين إسرائيل و(حماس)». ولذلك قرروا ألا تكون جهودهم عام 2021 محور الاهتمام. والملاحظ أن بلينكن، على خلاف الوزير جون كيري عام 2014، الذي لم يسافر للمنطقة. وأجرى مسؤولون اتصالات من واشنطن، أو في حالة بلينكن، من الدنمارك وآيسلندا حيث كان يناقش أوضاع منطقة القطب الشمالي والتغيرات المناخية، إلا أنه بدلاً من الأخذ بزمام القيادة، فضل الأميركيون دعم الجهود المصرية لوقف إطلاق النار في غزة.
ويتمثل درس ثانٍ تعلمه فريق العمل المعاون لبايدن وحرصوا على تطبيقه هذه المرة في الامتناع عن توجيه انتقادات علنية للهجمات الجوية الإسرائيلية. كان الرئيس أوباما قد انتقد نتنياهو بشدة عام 2014، الأمر الذي جعل علاقته الشخصية الصعبة بالفعل مع نتنياهو أسوأ.
على النقيض، نجد أن بايدن شدد دوماً على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في مواجهة هجمات صاروخية صادرة عن غزة. وعندما لم يعد أمام القوات الجوية الإسرائيلية مزيد من الأهداف المفيدة داخل غزة وأصبح نتنياهو على استعداد لوقف الهجمات الجوية، حثه بايدن حينئذ بقوة أكبر بعيداً عن الصعيد المعلن على وقف الهجوم.
في الواقع، كان الدور الأميركي تصاحبه ضمانات من الجانب الإسرائيلي بأنه سيوقف هجماته الجوية.
من ناحيتهم، يعتقد بعض المسؤولين داخل مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن أنه بعد وقف إطلاق النار يجب على إدارة بايدن توفير مزيد من الوقت والاهتمام للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني في الشرق الأوسط بوجه عام. وأبدى هؤلاء المسؤولون سعادتهم بزيارة بلينكن للمنطقة ـ لكن ما الذي سيفعله بلينكن؟
سيتحدث بلينكن إلى الإسرائيليين والمصريين حول المساعدات لغزة، بينما وعدت السفيرة سامانثا باور، المديرة الجديدة لوكالة المساعدات الخارجية الأميركية، بتوفير مساعدات كبيرة لإعادة إعمار غزة. وسيناقش بلينكن السبيل لتعزيز وقف إطلاق النار ومراقبة المساعدات بحيث لا تعود بالنفع على «حماس»، خصوصاً من الناحية العسكرية.
والملاحظ أن إدارة بايدن بدأت في استخدام مصطلحات جديدة لدى الحديث عن إسرائيل والفلسطينيين، مثل «الأمن المتكافئ والحرية المتكافئة». ويأتي هذا نتاجاً للضغوط التي يمارسها جناح اليسار داخل الحزب الديمقراطي، إلا أنه ينبغي الانتباه هنا إلى أن اليساريين داخل الحزب الديمقراطي لا يشكلون الأغلبية، وليسوا قادة الحزب.
كان بيرني ساندرز وإليزابيث وارين قد خسرا أمام بايدن في الحملة الانتخابية العام الماضي. ورغم أن باستطاعتهما الضغط على بايدن، فإن بايدن يظل زعيم الحزب، وهو رئيس يدعم إسرائيل بقوة. وتبدو القيادات الديمقراطية داخل مجلسي النواب والشيوخ، ونوابهم أقرب إلى موقف بايدن فيما يخص إسرائيل. وربما يتغير الحزب الديمقراطي ليصبح أقوى في دعمه للفلسطينيين، لكن هذا الأمر سيستغرق سنوات.
وفي تلك الأثناء، تعهدت إدارة بايدن بدعم حل الدولتين، لكنها لا تفعل شيئاً ملموساً عندما يتبدل الواقع القائم على الأرض يلحق الضعف بإمكانية الوصول لهذا الحل.
وإذا ما أثار بلينكن مع الجانب الإسرائيلي قضية حقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيين، فإن هذا سيكون بعيداً عن العلن ومن دون توجيه انتقادات حادة. والواضح أن بايدن وبلينكن لن يحاولا إجبار إسرائيل على وقف التوسع الاستيطاني، وربما لن يستجيبا على نحو ملموس عندما يجري تنفيذ موجات إخلاء جديدة من القدس الشرقية.
علاوة على ذلك، لا يملك أي من بايدن وبلينكن حلاً لمشكلات القيادة الفلسطينية، ومن دون وجود قيادة فلسطينية قوية ستزداد صعوبة جهود الوساطة الأميركية بكثير، بل وربما تصبح مستحيلة. ومن الممكن أن يبذل الأميركيون كثيراً من الجهود ويقضون كثيراً من الوقت من دون الوصول إلى حل.
وعليه، ترغب إدارة بايدن نهاية الأمر في إحلال الهدوء في الشرق الأوسط. ولولا الهجمات الصاروخية لـ«حماس»، لم يكن أي من بلينكن ولا بايدن ليشارك بقوة في الأمر.
الواضح أن هذه العلاقة الخاصة مع إسرائيل ستستمر مع توجيه الولايات المتحدة مزيداً من المساعدات العسكرية والدعم القوي لإسرائيل داخل الأمم المتحدة. في المقابل، سيرغب بايدن في أمر واحد من نتنياهو: حال التوصل لاتفاق نووي مع إيران، فإن بايدن سيود من نتنياهو الحد من انتقاداته.
من جهته، لم يوجه بايدن انتقادات علنية للحكومة الإسرائيلية فيما يخص القتال في غزة، وسينتظر الأمر ذاته من نتنياهو حال تمخض المفاوضات النووية في فيينا عن اتفاق جديد.
وبعد الجولة القصيرة لبلينكن بالمنطقة، من المتوقع أن يعاود فريق العمل المعاون لبايدن التركيز على الصين وآسيا. هل لاحظتم أن بايدن التقى الرئيس الكوري الجنوبي داخل البيت الأبيض، الجمعة الماضية؟
وكان أول مسؤولين أجنبيين يزوران البيت الأبيض هما من اليابان وكوريا الجنوبية. من المؤكد أن هذه ليست مصادفة، وإنما يكشف ذلك أولويات الإدارة الأميركية وأن آسيا في اعتقادها تستحق وقت كبار المسؤولين، بجانب التعامل مع قضية التغيرات المناخية والبرنامج النووي الإيراني.