أندرياس كلوث
خدمة «بلومبيرغ»
TT

النفايات الفضائية مشكلة جديدة تحوم في الأفق

تزدحم المدارات الفضائية خارج الغلاف الجوي بالكثير من الأقمار الصناعية لمختلف الدول، وبات الأمر خطيراً للغاية. وأعني بذلك الفضاء الخارجي وليس مجرد مجرات الفضاء السحيق التي يهتم بها رواد الفضاء أو كُتاب روايات الخيال العلمي، وإنما هي المدارات الأقرب إلى غلافنا الجوي، حيث تنتشر وتتناثر الأقمار الصناعية خاصتنا.
عندما تنتهي صلاحية هذه الأقمار الصناعية بالتعطل أو التحطم في الفضاء، فإن حطامها ونفاياتها تخلق أحزمة من الحطام الفضائي، وتعترض طريق الكثير من الأقمار الصناعية الأخرى العاملة في الفضاء، فضلاً عن اعتراض مسار الصواريخ الفضائية وغيرها من المركبات الأخرى المسافرة في الفضاء. ومن شأن ذلك أن يشكل كارثة كبيرة، ربما تسفر عن تعطيل الكثير من أدوات الحياة الحديثة المعاصرة. وربما ينتهي الأمر بنشوب حرب في مكان ما على سطح الأرض.
هذه ليست المرة الأولى التي يجد الإنسان العاقل نفسه يتعامل مع الموارد المشتركة بصورة غير مسؤولة. وما يُطلق عليه العلماء وصف «مأساة المشاعات – أو مأساة الموارد المشتركة» هو النتيجة المباشرة الناجمة عن تدمير شيء ما، نظراً لأننا لا نتربح جميعاً من الاستفادة منه أو استغلاله، في الوقت الذي لا يتسنى لنا إقصاء الآخرين عن فعل نفس الأمر حيالنا. ومن بين الأمثلة التقليدية المعروفة على ذلك الرعي الجائر للمراعي العامة، أو الصيد الجائر في البحار والمحيطات المشتركة، أو ربما تلويث الغلاف الجوي للكوكب الذي يؤوينا جميعاً.
إن كان الفضاء قد حاز القليل من اهتمامنا بالمقارنة بالغابات، أو البحار، أو الهواء، فذلك لأن الوقت المتاح لدينا للتخلص من نفاياته هو أقل من الموارد الأرضية الأخرى. غير أننا نقترب من هذا الحد بوتيرة سريعة للغاية. لقد أطلق البشر الآلاف من الأقمار الصناعية إلى الفضاء منذ سنوات طويلة، ولا نزال نواصل إطلاق المزيد منها في كل عام — لقد أطلقت شركة بمفردها أكثر من ألف قمر صناعي خلال العام الماضي فقط.
ومن طبيعة هذه الأجسام الفضائية التعطل، والتصادم، وسوء التحرك بصورة أو بأخرى. ونتيجة لذلك، هناك ما لا يقل عن 28 ألف قطعة أو شظية من تلك النفايات تحلق في المدارات الفضائية الآن، ويشتمل هذا العدد على الشظايا والنفايات التي يمكن تعقبها فقط. إذ تشير النماذج الإحصائية المطورة إلى وجود ما يقرب من مليون جسم فضائي من حجم قبضة اليد العادية تسبح في الفضاء حول الأرض، بالإضافة إلى الملايين تلو الملايين من الأجسام الأخرى الأصغر وربما الأدق حجماً. ونظراً للسرعة الفلكية لهذه القطع والأجسام، فمن شأن هذه الكريات الفضائية الصغيرة أن تقضي على حياة رائد للفضاء، أو تحطيم قمر صناعي، أو إلحاق الأضرار الجسيمة بالمحطة الفضائية الدولية.
وبالإضافة إلى إلحاق الأضرار المادية، فإن أساطيل الأقمار الصناعية والنفايات الفضائية ذات الصلة بها تخلق في مجموعها مشكلة أخرى لا تقل أهمية. إذ تؤدي الإشعاعات الكهرومغناطيسية الصادرة عنها بشكل متزايد إلى تداخل الترددات الراديوية. كما تعمل النفايات الفضائية على تشتيت الضوء، لدرجة أنه لم يعد بإمكان العلماء استخدام التلسكوبات الأرضية في النظر، أو الرصد، أو المراقبة بسبب هذا الكم الهائل من الغبار الصناعي المنتشر في الفضاء الخارجي.
ومن نُذر الشؤم المحدقة بنا أيضاً، أن الفضاء الخارجي قد صار في الوقت الحاضر الساحة الخامسة للحرب من جانب القوى الكبرى على سطح الأرض، جنباً إلى جنب مع البر، والبحر، والجو، والفضاء السيبراني. وأعني بذلك الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، والصين على وجه التحديد، وكذا القوى الدولية الطموحة الأخرى من الهند وحتى فرنسا، التي تواصل تسليح أنفسها بما يمكنها من أسلحة لتدمير الأقمار الصناعية التابعة لبعضها بصورة هجومية، أو استباقية، أو دفاعية. وتشتمل فئات الأسلحة الجديدة تلك على كل شيء من الصواريخ التقليدية المعروفة، إلى الليزر، أو التشويش الإلكتروني المتقدم، أو الهجمات السيبرانية.
لكن، تكمن المشكلة من وراء ذلك في أن الصعوبات تتزايد بصورة كبيرة أمام الخصوم في الوقوف على الأسباب الحقيقية في سقوط أو تحطم أو الصمت المفاجئ للأقمار الصناعية خاصتهم. ربما يرجع الأمر إلى الطقس الفضائي العادي، أي العواصف الطبيعية المحملة بالجسيمات الشمسية المشحونة. وربما ينجم الأمر عن تصادم القمر الصناعي مع النفايات الفضائية السابحة، أو من الممكن أن يكون عملاً عدائياً لخصم من الخصوم. ومن شأن حالة عدم اليقين الناشئة أن تسفر عن اندلاع حرب انتقامية على سطح الأرض بطريق الخطأ.
إذا وقع أي من هذه السيناريوهات السيئة، فسوف تتوقف الحداثة التي نعرفها عن الوجود والاستمرار. لقد صارت تقانات الأقمار الصناعية متداخلة في جميع نظم المعلومات الأخرى في الوقت الراهن تقريباً، ولا أقصد فقط الملاحة بنظام تحديد المواقع العالمية المدمج في الهواتف الذكية أو السيارات، وإنما اتصالات الإنترنت، والاتصالات السلكية واللاسلكية، وما إلى ذلك.
فور إدراكنا لحقيقة مأساة المشاعات كما سبق وذكرت، يصبح من الواضح أمامنا نطاقها الواسع المخيف وحلها الوحيد الممكن أيضاً. وكما هو الحال مع الصيد الجائر، أو الرعي الجائر، أو التلوث، تنحاز الحوافز ضد التعاون على الدوام. لماذا يتعين على أي دولة أو شركة التوقف عن تضييق مساحة الفضاء المتاحة – أو حتى تحمل تكاليف ومخاطر الشروع في التنظيف – إن كان نفس الأمر سوف يتيح للجهات الأخرى المضي قدماً على نفس المسار؟
ورغم ذلك، فما زال التعاون هو السبيل الوحيد أمامنا للمضي قدماً. ولأجل ذلك وجدت المعاهدات والاتفاقات في المنتديات متعددة الأطراف، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المعروفة والمعنية بتنظيم المحيطات والمشاعات الأخرى. حتى الفضاء نفسه، من الناحية النظرية، هناك وكالة دولية للعناية بشؤونه هي «لجنة الأمم المتحدة للاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي». غير أنها لجنة غير معنية بالاستخدامات العسكرية للمدارات الفضائية، وبخلاف ذلك فهي وكالة أممية بلا صلاحيات حقيقية في أرض الواقع.