كان الشاعر التركي الشهير ناظم حكمت يردد دائما: «إن أجمل الأيام هي التي لم تأتِ بعد»، لكن اليوم وبعد كل هذه الحروب والمصائب والضحايا والقتلى والدماء التي تجتاح أراضينا وأرواحنا نكاد نقول: «إن أسوأ الأيام هي التي لم تأتِ بعد»!
ليس أمامي مع الأسى الشديد اليوم سوى التشاؤم، فأين هو التفاؤل الذي تعبنا ونحن نبحث عنه منذ زمن بعيد ولا يأتي إلا ساعات قليلة ربما في السنة؟ يأتي ويغادرنا على عجل كأنه يوزع تفاؤله على البشرية بالتساوي وبالساعات وربما بالدقائق.
كانت الناس تقول في الماضي: «يوم لك ويوم عليك»، أما الآن فصارت أكثر الأيام علينا ونادرة تلك التي لنا، أي الأيام التي نفرح ونسعد بها ونحقق فيها إنجازاتنا وطموحاتنا في ساعات تفاؤل قليلة محسوبة من عمرنا ومن وقتنا.
من المؤكد أن هناك أياما جميلة وربما رائعة مرت علينا شعرنا فيها بمتعة الحياة ولذتها، لكنها مع الأسف ذهبت ولن تعود، مضت وتركتنا وحيدين مع مشاق الحياة وكثرة الهموم وقلة الأمل والوحدة وأحيانا اليأس.
وعلى عكسها هناك أيام مضت أيضا، غير أنها كانت بائسة بكل معنى الكلمة وحزينة وبعثتنا على الضيق وجثمت فوق صدورنا أياما طويلة، بل إنها كانت لا تريد أن تغادر حياتنا لولا همتنا وإرادتنا بطرد الضيق والبؤس عن قلوبنا، لكننا في كل مرة نقول إنها لن ترجع إن شاء الله، تعود وتتربع في حياتنا وكأننا لم نطردها من قبل.
كل حكم وحقائق الدنيا تقول إن الأيام لا تعود، غير أنها قد تعود بأشكال مختلفة وصور متنوعة سواء كانت حزينة أو سعيدة، غير أن أكثر ما يكتشفه الناس وخصوصا في السنوات الأخيرة هو أن الأيام الجميلة التي كان ينتظرها الشاعر حكمت لا تعود ولا تعود أبدا، فأيام المصائب كما نرى هي التي تعود وبأكثر بشاعة وبؤسا وحزنا من قبل، حتى ولو تخيلناها في الأحلام فإنها سوف تخجل من نفسها ولن تشرق على حياتنا من جديد.
وإذا كان الاعتراف بالحق واجبا، فعلينا أن نقول إن كثيرا منا بعثر أكثر من نصف أيام حياته على أشياء تافهة وعلى أعمال غير قيّمة، فقد كانت هناك فرص كثيرة في تلك الأيام المبعثرة لكي نحب ونعشق ونفرح ونسافر ونقضي فيها أياما حافلة بالسعادة، لكننا لهونا بها وتركناها تذهب مع الريح.
الأيام كلها لنا، إنها للفقراء والأغنياء وللأحرار والعبيد، وهي أوقات طويلة للأطفال لكي يلهوا بها وللنساء كي يستمتعن بها. إنها أيام للجميع، فلا أحد يستطيع أن يشتريها أو يبيعها أو يؤجرها أو يأخذها معه في السفر، إنها ملك الناس.
الأيام ملكنا ونحن ملكها، نتحكم بها ونجبرها على العيش معنا، ونغريها على الحياة والبقاء فيها.
في الدنيا أيام وأيام، وفي الحياة ساعات وساعات، وما بين الأيام والساعات هناك سعادة يمكن أن نصنعها، ودموع يمكن أن نذرفها، وأمجاد يمكن أن نحققها، وطموحات يمكن أن نبنيها. وتلك هي سُنّة الأيام التي أتت والتي لم تأتِ بعد!
7:52 دقيقه
TT
أسوأ الأيام
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة