من المقرر أن يقدم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خريطة طريق للخروج من قيود إغلاق إنجلترا في 22 فبراير (شباط)، لكن صبر أعضاء حزبه الذين يريدون رفع القيود، بدأ في النفاد.
تسير حكومة المملكة المتحدة على الطريق الصحيحة للوصول إلى هدفها المتمثل في تطعيم المجموعات الأربع ذات الأولوية بحلول منتصف الشهر، ويمكن تطعيم الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 50 عاماً بحلول شهر مايو (أيار). وقد انخفضت معدلات الإصابة والوفيات بأكثر من الربع خلال الأسبوع الماضي.
كل هذه المؤشرات دلائل مرحّب بها وسط شتاء قاتم، لكن إذا كانت حكومة جونسون تعمل على منع مجرد الحديث عن حجوزات العطلات الصيفية وتفرض المزيد من القيود؛ ذلك لأنَّ الحرب ضد فيروس «كوفيد - 19» قد دخلت مرحلة جديدة صعبة تتطلب المزيد من اليقظة. ورغم أنه من الواضح أنَّ اللقاحات هي البنادق الكبيرة في هذه المعركة، فإنَّها ليست كافية وحدها.
لن تكون اللقاحات مفيدة كثيراً إذا لم تعمل ضد الطفرات الجديدة. فهذا هو مصدر الخوف الذي دفع جونسون أخيراً إلى اتخاذ موقف أكثر جدية بشأن مراقبة الحدود. ففي حين أثبتت اللقاحات الحالية فاعليتها ضد متغيرات فيروس كورونا السائد في المملكة المتحدة، فقد أظهرت دراسة صغيرة أن لقاح «أكسفورد - أسترازينيكا» قد يوفر فقط «الحد الأدنى من الحماية» ضد المرض الخفيف والمتوسط الناجم عن الفيروس المتحور الجديد الذي ظهر في جنوب أفريقيا. وهذا في حد ذاته تحذير من التساهل في التعامل مع الفيروس.
اعتباراً من الأسبوع المقبل، يتعيَّن على مواطني المملكة المتحدة الوافدين من أي من دول «القائمة الحمراء» البالغ عددها 33 دولة الخضوع لحجر صحي فندقي لمدة 10 أيام، وسداد فاتورة قيمتها 1750 جنيهاً إسترلينياً (2416 دولاراً أميركياً) نظير الإقامة. وذهبت اسكوتلندا أبعد من ذلك، إذ فرضت الحجر الصحي الفندقي على جميع الركاب القادمين من جميع دول العالم.
يتعيَّن على أولئك القادمين من البلدان غير المدرجة في القائمة الحمراء إلى إنجلترا البقاء في عزلة ذاتية لمدة 10 أيام، وإظهار دليل على اختبار سلبي يتم إجراؤه في غضون 72 ساعة من المغادرة. ولكن الآن هناك متطلب آخر لإجراء اختبار «كوفيد» في اليومين الثاني والثامن بعد وصولهم. ويمكن للمسافرين الذين يرغبون في عمل اختبار إضافي في اليوم الخامس بموجب خطة «اختبار الخروج» في المملكة المتحدة القيام بذلك؛ مما يسمح لهم بإنهاء العزلة الذاتية مبكراً.
يجب أن يكون الامتثال - الذي غالباً ما كان ضعيفاً من المسافرين - أفضل قليلاً الآن بسبب العقوبات المحتملة. وسيؤدي عدم الخضوع لحجر الصحي إلى غرامة تراوح بين 5000 و10000 جنيه إسترليني، في حين أن مَن يتم القبض عليهم بتهمة الإدلاء ببيانات كاذبة في «استمارة تحديد موقع الركاب» قد تصل عقوبتهم إلى السجن 10 سنوات.
هناك كذلك عقوبات على عدم إجراء اختبار إلزامي، حيث تواجه شركات الطيران غرامة قدرها 2000 جنيه إسترليني لأي مسافر يصل من دون نموذج «تحديد موقع الركاب» مكتمل البيات أو اختبار سلبي مسبق.
لا تتطابق هذه الإجراءات بشدة مع أستراليا ونيوزيلندا، حيث يمكن للمقيمين فقط دخول البلاد ويواجهون جميعاً إقامة في فندق لمدة 14 ليلة عند الوصول.
تعتبر الخدمات اللوجيستية لبريطانيا، مركز السفر الدولي الرئيسي، أكثر تعقيداً وتكلفة. فقد استغرق الأمر من الحكومة أكثر من أسبوعين للتفاوض بشأن الإقامة في الفنادق من أجل تنفيذ إجراءات حجر صحي محدودة. غير أن ذلك يُظهر الشوط الكبير الذي قطعته بريطانيا خلال العام منذ أن أغلقت السلطات في «ووهان» الأبواب، في حين نصحت «منظمة الصحة العالمية» بشكل غير مفهوم بعدم حظر السفر، رغم أنَّ السفر أثبت وبسرعة أنَّه ناقل رئيسي للفيروس. فتلك البلدان التي سيطرت على حدودها وتبنت سياسات صارمة للاختبار والتتبع والعزل، هي اليوم في وضع أفضل بكثير من تلك التي لم تفعل ذلك.
حتى الآن لا يزال الفيروس المتحور في جنوب أفريقيا مقتصراً على أقل من 150 حالة معروفة في المملكة المتحدة، حيث تفرض الحكومة بقوة استراتيجية اختباراً وتتبعاً، حيث يظهر المتغير - بما في ذلك الاختبار من الباب إلى الباب في بعض المناطق.
يجب أن يكون لقاح «أكسفورد - أسترازينيكا» المعدل والفعال ضد الفيروس الجديد، جاهزاً بحلول الخريف حتى يتمكن الأشخاص الأكثر عرضة للخطر من الحصول على جرعة معززة.
ومع ذلك، فإنَّ وجود متغير يحتمل أن يكون مقاوماً للقاح هو تذكير بأننا لم نعد نحاول فقط تسوية منحنى العدوى والاستشفاء والوفيات. فإذا كانت عمليات الإغلاق الوطنية شبيهة بإجراءات وقت الحرب، كما يقول الساسة، فإنَّ المراحل التالية ستكون أشبه بالقتال ضد تمرد حرب العصابات، حيث يتراجع العدو الذكي، ثم يظهر في أماكن غريبة ويتسلل وسط المجتمعات.
يمكن للمملكة المتحدة الانتصار في هذه المرحلة الجديدة من هجوم الفيروس إذا أحسنت استخدام الموارد التي طورتها. وهذا يعني مستويات عالية من الاختبار - تعدّ 2.9 مليون اختبار أسبوعي حالياً بمثابة تحسن كبير، ولكن ستكون هناك حاجة إلى المزيد قبل رفع قيود الإغلاق.
لا يمكن السماح بفشل تتبع الاتصال والعزل مرة أخرى، فالامتثال أمر بالغ الأهمية. ومؤخراً أفاد ثلث الأشخاص فقط بأنهم طلبوا إجراء اختبار عندما ظهرت عليهم الأعراض، ولم يتم عزل الثلث للفترة المطلوبة على الرغم من ظهور الأعراض.
إحدى الميزات الكبيرة ضد الفيروس المتحور الجديد هي قدرة المملكة المتحدة على تتبع «التسلسل الجينومي». فمع انخفاض مستويات الإصابة، يجب أن يكون من الممكن إجراء تسلسل لمعظم الاختبارات الإيجابية، بحيث يمكن اكتشاف أي تحور جديد على الفور. ولذلك عرضت بريطانيا أيضاً مساعدة تتبع «التسلسل الجينومي» على البلدان ذات القدرات التقنية المحدودة أو المعدومة، في خطوة تنم على الإيثار.
لا توجد طريقة لإعادة فتح الاقتصادات، بما في ذلك صناعتا السفر والسياحة، من دون تعاون دولي لتحديد المتغيرات الجديدة وتوفير اللقاحات.
إن مقولة المؤرخة باربرا توكمان بأنَّ الحرب هي كشف لحسابات خاطئة، مقولة صحيحة بالتأكيد بالنسبة لانتشار الفيروس المتفشي في بريطانيا منذ أوائل العام الماضي.
حتماً ستخيب وتيرة إعادة الفتح آمال البعض، لكن الحكومة باتت على دراية بمعنى الإدراك المتأخر والأدوات الفنية اللازمة للتعامل مع هذه المرحلة باعتبارها معركة عادلة.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»