طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

بطارية الإبداع غير قابلة للشحن!

أصبح السؤال الدائم أين كبار المبدعين؟ كلما استمعنا إلى أغاني تلك الألفية شعرنا بحنين لزمن ولى ولن يعود، نكتشف أن عدداً ممن قدموا لنا روائع الماضي ما زالوا بيننا أحياء يرزقون، إلا أنهم مستبعدون لا يبدعون، هل يصبح الحل والحسم بأيديهم، بمجرد عودتهم سينضبط حال مقامات «السيكة» و«النهاوند» و«البياتي»، وستختفي إلى غير رجعة أغاني «المهرجانات»، وهو ما يتكرر أيضاً في ملعب الدراما، نقرأ أسماء كبار المؤلفين والمخرجين والنجوم ممن لم تعد جهات الإنتاج تستعين بهم، نعتقد موقنين أن عودتهم للميدان تكفي لضبط الحال وتعديل البوصلة للمسار الصحيح.
كثيراً ما أقرأ شكوى الكبار الجالسين على (دكة) الاحتياطي، خارج الملعب، لم يشاركوا خلال السنوات الأخيرة في أعمال فنية، هل يتعرضون لإقصاء متعمد، أم أن إيقاعهم بات خارج الزمن؟
هل قانون العرض والطلب يكفي لضمان تطبيق قاعدة البقاء للأصلح؟ لا أتصور أن هناك مؤامرة على جيل الكبار، وهناك من يقول لهم نكتفي بهذا القدر، إلا أن بعضهم اكتفى بمقعد الناقد وأحياناً الناقم، الذي يُطل على الحياة الفنية بقدر لا ينكر من التعالي، ثم نكتشف مع أول تجربة أن بطارية إبداعه أصابها العطب، وأن هناك فروقاً شاسعة في التوقيت بينه وبين الجمهور. ورغم ذلك لدينا نماذج عديدة ظلت قادرة على الوجود، لديكم الراحل وحيد حامد غادر الحياة وهو متعاقد على مسلسل «الجماعة» الجزء الثالث وفيلم «الصحبة». أيضاً عادل إمام لا يزال هو الورقة الرابحة درامياً، وهو صاحب قرار الغياب عن الاستوديوهات هذا العام بسبب الخوف من «كورونا». يحيى الفخراني يعود بعد غياب لأنه طوال العامين الماضيين، لم يجد ما يستحق الحضور؛ لديكم مثلاً سميرة سعيد بدأت المشوار في منتصف السبعينات عندما استمع إليها عبد الحليم حافظ في المملكة المغربية بعد مشاركتها بالغناء في عيد ميلاد الملك الراحل الحسن الثاني، نصحها بالسفر للقاهرة، ومنذ ذلك التاريخ وهي موجودة على الخريطة، تبحث عن الكلمة والنغمة العصرية، بل كثيراً ما تمكنت من أن تسبق في الجرأة والمشاغبة جيل أنغام وشيرين ونانسي. لديكم عمرو دياب يتابع بدقة ما يجري في الشارع، حتى ما يكتب على عربات (التوك توك) المنتشرة في الأحياء الشعبية بمصر، ستجد أن جزءاً من تلك الكلمات أخذها إلى ملعبه ورددها بأسلوبه، لم يتعالَ حتى على ألحان «المهرجانات»، بل استلهم روحها في أغانيه. جورج وسوف هو الأعلى أجراً بين مطربي الحفلات. محمد منير لا يزال على الخريطة الفنية يحمل لقب «الملك»... هؤلاء وغيرهم عاصروا على الأقل ثلاثة أجيال، الجد والأب والحفيد، ولا يزالون في نفس المكانة لأنهم فكوا شفرة جيل الألفية الثالثة.
أحياناً أتابع فناناً يغض الطرف تماماً عما يجري في الشارع، معتقداً أن ساعة الإبداع قد توقفت عقاربها في اللحظة التي غادر هو فيها الملعب، وأنه بمجرد عودته ستصبح هي ساعة الصفر لبدء الانطلاق، هؤلاء يعيشون في عالم خيالي (لا لا لاند)، يستمعون ويشاهدون في أحلام اليقظة الملايين تنتظر بشغف عودتهم الميمونة. بعض الكبار يتحملون القسط الأكبر من أسباب الغياب وسيكتشفون بعد فوات الأوان أن بطارية الإبداع غير قابلة للشحن مجدداً، بعد أن انتهت فترة الصلاحية!