د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

بلاد الأوزبك... أرض الفرص

منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي عام 1991 وحتى سنوات قليلة مضت، لم تواكب أوزبكستان التطور الذي شمل الكثير من دول العالم، ولم يكن الرئيس السابق للبلاد (إسلام كاريموف) مهتما بتطوير البلاد وبناء الشراكات الاستراتيجية الاستثمارية مع دول العالم، بل استمرت الدولة أثناء حكمه في سياسة قريبة للسياسات الشيوعية السوفياتية، وليس ذلك بمستغرب عند معرفة أن كاريموف تدرج في الحزب الشيوعي حتى أصبح قائدا له في البلاد قبل الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي، لتبدأ بعدها فترة حكمه التي امتدت لسبعة وعشرين عاما، انتهت بوفاته عام 2016 ليتولى بعدها (شفقت ميرزاييف) الحكم، وهو الذي شغل منصب رئيس الوزراء منذ عام 2003.
لم تختلف أوزبكستان كثيرا في السنة الأولى من حكم ميرزاييف، إلا أن نتائج تغييراته بدأت في الظهور في عام 2018، فبعد أن فتحت البلاد أسوارها للسائحين بالسماح لهم بالدخول دون تأشيرة، تضاعف عدد السياح في عام واحد، كما تضاعفت الاستثمارات الأجنبية أكثر من 3 مرات خلال ذلك العام. ونما اقتصاد البلاد في عام 2019 بنسبة 5.6 في المائة، ويتوقع أن يصل النمو في عام 2021 إلى 7 في المائة. وحتى أثناء الجائحة، استمر اقتصاد البلاد في النمو وإن كان بوتيرة أبطأ بلغت 1.8 في المائة.
ويعمل نحو ثلثي القوى العاملة في البلاد في القطاع الزراعي، ويغطي محصولا القمح والقطن أكثر من 85 في المائة من الأراضي الزراعية في البلاد التي تعد أحد أكبر مصدري القطن في العالم. وتشكل الزراعة ما نسبته 17 في المائة من الناتج القومي الأوزبكي، وبسبب اعتماد البلد على هذا النشاط، يعيش أكثر من 60 في المائة من الشعب في المناطق الريفية، رغم انخفاض مستوى الإعمار، حيث يقل 65 في المائة من الشعب عن 35 سنة.
وأوزبكستان بوجودها في آسيا الوسطى، تملك ميزة جغرافية مهمة، فهي تقع في المنتصف بين الصين وأوروبا، وفيها نقاط محورية لطريق الحرير، القديم قبل الجديد، حيث تعد مدينتا طشقند وسمرقند إحدى أهم محطات طريق الحرير القديم، وتلعب هاتان المدينتان دورا مهما في خطة الصين لإعادة طريق الحرير، لا سيما مع وجود البنية التحتية للنقل بينهما.
ولا تبدو هذه الأرقام كافية لأوزبكستان مقارنة بالإمكانيات الممكن تحقيقيها، خاصةً مع التواضع الحالي للكثير من المؤشرات الاقتصادية والتي يمكن أن تتحسن بشكل سريع، فالناتج القومي للفرد في البلاد - 1500 دولار للفرد - هو الأقل من ضمن البلدان المحيطة، ويصل هذا الرقم إلى 9000 دولار في كازاخستان الجارة والغنية بالنفط، ويزيد على 4500 دولار في جورجيا الجارة التي لا تماثل أوزبكستان بالموارد طبيعية. وتزخر بلاد الأوزبك بالموارد الطبيعية كالذهب والمعادن، كما تعد إحدى أكبر عشرين دولة في العالم في احتياطي الغاز الطبيعي. هذه الموارد لم تستغل حتى الآن بالشكل الأمثل، إلا أن البلد بدأ بشكل فعلي في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية لاستغلال ما يملكه من موارد طبيعية، كان آخرها استثمار شركة (آكواباور) السعودية لإنشاء محطات طاقة نظيفة بقيمة تبلغ نحو 2.5 مليار دولار، بحضرة وفد سعودي يقوده وزير الاستثمار السعودي، نتج عنه انطلاقة مجلس الأعمال السعودي الأوزبكي المشترك.
هذه المؤشرات توضح أن أوزبكستان دولة فتية، بفرص استثمارية متوفرة، ورؤية سياسية طموحة للتغيير، بموقع جغرافي متميز، وموارد طبيعية وافرة، وبموروث تاريخي حافل يتمثل في مدن مثل طشقند، وسمرقند، وبخارى، وهي مدن ومناطق تكاد تفوق أوزبكستان نفسها شهرة. ولذلك فلا يستغرب أن يكون الاقتصاد الأوزبكي هو الأسرع نموا خلال السنوات القليلة الماضية، فما كان ينقص الأوزبك هو الإرادة السياسية الطموحة، والتي امتلكها رئيسهم الحالي. ولا يستغرب كذلك أن يستمر الناتج القومي الأوزبكي في الارتفاع وبشكل مستمر وعال خلال السنوات القادمة، فالاستثمارات السعودية فيها لن تكون الاستثمارات الأجنبية الوحيدة فيها. ويمكن القول بأن أوزبكستان هي أرض الفرص الاستثمارية غير المستغلة في آسيا الوسطى، جامعة الفرص التجارية في مجالات الطاقة والتعدين والزراعة وحتى السياحة.