في كل مرة أقدمت فيها على زيارة دولة في حلف «ناتو» عندما كنت القائد الأعلى للحلفاء، كنت أقرأ كتاباً قد يساعدني في فهم تاريخ وثقافة وروح العصر لذلك المكان.
قد يكون ذلك الكتاب رواية لكاتب محلي أو كتاب تاريخ أو عملاً من الخيال التاريخي. على سبيل المثال، هل يمكنك حقاً فهم فرنسا من دون قراءة كامو وسارتر؟ ولفهم روسيا، بما في ذلك عقلية فلاديمير بوتين، وجدت المزيد من التنوير في بوشكين ودوستويفسكي وتولستوي وغوغول أكثر مما وجدت في تقارير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، مع كل الاحترام الواجب للوكالة.
مع انتهاء عام 2020، أريد أن أقدم خمسة كتب ساعدتني في فهم عالم مربك عشناه العام الماضي. ولنبدأ بإلقاء نظرة شاملة على بعض أهم الاتجاهات العالمية:
«الخريطة الجديدة: الطاقة والمناخ وصراع الأمم» للمحلل الحائز جائزة بوليتزر دانييل يرغين (دان هو زميلي في شركة الأسهم الخاصة كارلي غروب).
يعتبر كتاب يرغين عام 1990 عن صناعة النفط، «الجائزة»، نصاً مشتركاً في غالبية كليات الدراسات العليا للعلاقات الدولية. وبالمناسبة، لا يزال العالم يعتمد على النفط والغاز والفحم في 80 في المائة من طاقته - تقريباً كما فعل عندما كتب الكتاب قبل 30 عاماً. لكن الكثير من الأمور الأخرى تغيرت.
في كتاب «الخريطة الجديدة»، ينسج يرغين الجغرافيا السياسية في تحليله للطاقة والمناخ. ويمكنك على سبيل المثال تأمل دراسته للمطالبات الإقليمية الصينية في بحر الصين الجنوبي. في هذا الجسم المائي الضخم، نجد رواسب ضخمة من النفط والغاز، ما يقرب من 40 في المائة من الشحن البحري العالمي، وارتفاع درجة حرارة المياه، والصيد الجائر، والمنافسة العسكرية الخطيرة بشكل متزايد بين الولايات المتحدة والصين. ويوضح يرغين الحاجة إلى التحول إلى مصادر طاقة أكثر صداقة مع البيئة، لكنه يشير إلى مدى صعوبة ذلك -وكيف ستصبغ المنافسة (وربما الصراع) بين الولايات المتحدة والصين لون العقدين المقبلين. لذلك يجب أن تكون هذه القراءة إلزامية لفريق الرئيس المنتخب جو بايدن.
قراءة ثانية قوية هي كتاب «المبشرون»، وهي رواية عن كولومبيا بقلم فيل كلاي. فقد فاز كلاي، المحارب المخضرم، بجائزة الكتاب الوطني لعام 2014 عن «إعادة الانتشار»، وهي مجموعة من القصص القصيرة عن حرب العراق التي شارك فيها كجندي من مشاة البحرية الأميركية.
في «المبشرون»، يضع الكاتب نصب عينيه التدخل الأميركي المفترض الناجح في كولومبيا على مدى العقود العديدة الماضية. فبعد أن أمضيت ثلاث سنوات كرئيس للقيادة الجنوبية، وكنت المسؤول عن دعم الولايات المتحدة للجيش الكولومبي، يمكنني أن أشهد على الدقة البالغة لتصوير كلاي.
تصور الرواية حرب الخمسين عاماً القبيحة ضد «فارك»، وهي جماعة حرب عصابات ماركسية. وتتناقض الرواية مع آراء صحافية أميركية متشددة، ولكنها ساذجة إلى حد ما، وتخالف الرواية آراء مقاول أميركي يعمل كحلقة وصل مع الجيش الكولومبي، وتعارض كذلك آراء اثنين من متمردي القوات المسلحة الثورية لكولومبيا، وتخالف في الرأي ضابطاً عسكرياً كولومبياً، جميعهم ضمن شخوص الرواية. لا يوجد فائزون واضحون هنا، وفي النهاية، يترك القارئ ليتشكك بقوة في التدخل الأميركي. هل كان الهدف من إنشاء كادر من المؤمنين الحقيقيين يصبُّ في صالح السياسة الخارجية التدخلية؟ سيكون هذا سؤالاً مركزياً للإدارة الجديدة، ويمكن لكتاب «المبشرون» مساعدة المسؤولين في فهم التبعات المترتبة على ذلك.
يعتبر تأريخ الكاتب إسكوت أندرسون لتأسيس وكالة «سي آي إيه» في كتابه «الأميركيون الهادئون: أربعة جواسيس لوكالة المخابرات المركزية في فجر الحرب الباردة، مأساة من ثلاثة فصول» وهو كتاب آخر مهم لعام 2020. وفي ظل صراع جهود التجسس التي تقوم بها الولايات المتحدة في هذا العصر الجديد مع منافسة القوى العظمى، من المفيد أن ننظر إلى الوراء في كيفية قيامنا بنفس المهام في عهد الشيوعية. تظهر هنا أربع شخصيات رائعة، بما في ذلك الشخصية الأسطورية إدوارد لانسديل، لتجسد النجاحات والفشل في الأيام الأولى لوكالة المخابرات المركزية. فهو كتاب عن إيجاد بوصلة أخلاقية جنباً إلى جنب مع النجاح في مهمة حيوية، وهو التوازن الذي لم تحققه الولايات المتحدة بعد. ومن المؤكد أن إدارة بايدن ستواجه هذه التحديات في الجغرافيا السياسية التقليدية وفي الاستخبارات، وكذلك في الحدود الجديدة للإنترنت والفضاء الخارجي والتكنولوجيا الحيوية.
هناك كذلك نظرة المؤرخة المخضرمة مارغريت ماكميلان حول الصراع والروح البشرية التي جاءت في كتاب بعنوان «الحرب: كيف شكلنا الصراع». لماذا كانت الحرب صفة مميزة للحياة البشرية على الأرض؟ بالاعتماد على التاريخ والنظرية السياسية والأدب والأنثروبولوجيا وعلم الأحياء وعشرات التخصصات الأخرى، تسعى ماكميلان للإجابة عن السؤال الوجودي للبشرية من نواح كثيرة: لماذا نحن مفتونون للغاية بقتل بعضنا بعضاً على هذا النحو؟ وماذا يكلفنا ذلك؟ قد يخبرنا هذا بالطريقة التي يمكننا بها «تغيير اتجاه» ظاهرة الحرب ومنع المزيد من الفوضى في المستقبل، لنأمل ذلك.
أخيراً، ونظراً لأن أي قائمة كتب يجب أن تتضمن عملاً ساخراً، ها أنا أقدم كتاب كريستوفر باكلي «اجعل روسيا عظيمة مرة أخرى». فباكلي، المؤلف اللامع لكتاب «شكراً لك على التدخين» وأكثر من اثنتي عشرة رواية رائعة أخرى، يزعج الإدارة الحالية لكن بأناقة. كتب الكتاب ظاهريًا من قبل الرئيس السابع لطاقم موظفي الرئيس دونالد ترمب، والذي لا يزال مخلصًا بشكل غير معقول لرئيسه السابق حتى أثناء كتابته من داخل السجن، حيث يقضي عقوبة بسبب أفعاله في البيت الأبيض. على عكس العديد من مذكرات ترمب غير المضحكة التي نشرت هذا العام، فقد جعلتني هذه الرواية أضحك بصوت عال، وفي النهاية، أجد نفسى أهز رأسي لما أصبحنا نقبله كالمعتاد.
يحتوي هذا الكتاب على إجابة لواحد من الألغاز القليلة الدائمة لترمب: لماذا يستمر في إرضاء فلاديمير بوتين بشكل لافت؟ وجاءت إجابة باكلي مضحكة جداً. فبعد عام 2020 سنحتاج حتماً إلى الضحك.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:2 دقيقه
TT
خمسة آراء تفسر العالم
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة