خالد البسام
كاتب ومؤرخ بحريني
TT

كومبارس

سألت ممثل كومبارس يعمل في السينما المصرية قبل سنوات عن أهم أدواره التي قدمها، فضحك في الحال وقال: أدوار إيه.. يا أستاذ! أهم دور لي كان في فيلم أسوق فيه شاحنة محملة بالبطيخ، وأظهر فيه لمدة دقيقة واحدة لا أكثر! أما بقية الأدوار فهي أن أقوم بالمشي في الحارة أو أن أعمل جرسونا في مقهى، أو ساعيا يصنع القهوة والشاي للموظفين، وكان لي فيلم كان لا يتعدى دوري فيه تلقي لكمة من البطل وتسيل دمائي بسبب شجاعته!
وهناك كومبارس كثيرون يعملون في السينما والمسرح بالكاد يلقون لقمة عيشهم. وأعرف قهوة قديمة في شارع عماد الدين بوسط القاهرة يجلس فيها الكومبارس من رجال ونساء، كبار وصغار، ينتظرون أن يأتي مخرج ما أو مدير تصوير أو منتج ويختار بعضهم ليحصلوا على أي دور في فيلم أو مسرحية أو مسلسل تلفزيوني مقابل مبالغ تافهة.
لكن من قال إن الكومبارس موجودون في السينما والمسرح فقط؟
الشيء المؤكد اليوم أن هناك بشرا كثيرين ليس عندنا فقط، بل في كل العالم يعيشون حياة الكومبارس في هذه الدنيا.
وهؤلاء البشر نجدهم في أعمال مختلفة ويختارون لأنفسهم الأدوار الثالثة أو حتى الرابعة. وأكثر هؤلاء إما هم بلا طموح ولا أحلام ولا حتى آمال، وإما هم نوع من الناس قرروا أن يرضوا بأي شيء ويقبلوا بأي وضع وحل.
ولذلك نجدهم لا همّ لهم في الحياة سوى أن يعيشوا مستورين فقط يعتمدون على فتات يقدم إليهم بعد عرق كثير يبذلونه.
غير أن بعضهم من فقد طموحه في الدنيا ورحلت أحلامه وأمنياته بغير رجعة، وحينما فقدوها رضوا بما تبقى منها أو بما انتهى منها.
الكومبارس يعني اليأس من الأمل وانهيار الطموح، وأن حلم العدالة في الحياة مستحيل.
وهكذا يمثل الكومبارس دوره في الحياة محبطا من كل شيء، وشاعرا بأن الظلم لم يقع عليه وحده بل على كل الكومبارس وحتى على الموهوبين أحيانا.
وفي هذه الحياة البائسة، التي تكون عادة من الدرجة الثالثة سواء في مستوى المعيشة أو الدخل أو التعليم أو غير ذلك، يقر الكومبارس بهزيمته بل وبمرارتها، ويسدل الستار مبكرا على كل أحلام الطفولة والمراهقة والشباب في أن يصبح إنسانا مرموقا ومهما.
وبينما الأبطال اليوم يتكاثرون كالفطر في الفن والسياسة نجدهم مضطرين في كثير من الأحيان إلى الاستعانة بالكومبارس لتلميع الصورة وللتصفيق والهتاف مديحا لهم.
لا شيء أقسى من أن نكون كومبارسا نؤدي أدوارا تافهة وعديمة القيمة في الحياة، ولا شيء أجمل من أن نكافح من أجل طموحاتنا حتى النهاية.