اختتم «حوار المنامة» أعماله يومَ الأحد الماضي بعد مناقشات مكثفة، أكثرها حضوري وبعضها افتراضي، مركزاً كعادته كل سنة على أمن الخليج، وشارك فيه وزراء ومسؤولون وخبراء أميركان وآسيويون وأوروبيون مع نظرائهم في الخليج والعالم العربي. وكان لافتاً للنظر بشكل خاص تشابه وجهات النظر حول تحديد التهديدات التي تواجه أمن الخليج، وكيف يمكن التصدي لها خلال عام 2021 أخذاً بالاعتبار كذلك تصرفات إيران منذ توقيع الاتفاق النووي الحالي في عام 2015. وأخذاً بالاعتبار كذلك قدوم حكومة جديدة في واشنطن في يناير (كانون الثاني) قد تكون أقل تشدداً مع إيران، وأخرى في طهران في يونيو (حزيران) قد تكون أكثر تشدداً تجاه الولايات المتحدة.
تحدّث الخبراء العسكريون بالتفصيل عن كيف تمكنت قواتهم التي أصبحت تعمل بصفة تكاملية من ردع إيران عن التحرش بالسفن التجارية واستفزاز السفن الحربية، بعدما كان ذلك شائعاً قبل سنوات. وأوضحوا أن التفوق الواضح للقوات الخليجية – الأميركية - البريطانية المشتركة، منع إيران من التفكير في شن حرب باستخدام الأسلحة التقليدية.
وأشار الخبراء إلى أن إيران، لكي تعوّض عن ذلك النقص، لجأت إلى وسائل الحرب غير التقليدية، مثل الهجمات التي شنتها العام الماضي على منشآت البترول، وشنها وكلاؤها على أهداف مدنية أخرى، في المملكة العربية السعودية. فمنذ قيام الثورة في 1979، دأبت طهران على استخدام تلك الوسائل، بتدريب وتسليح وتمويل تنظيمات إرهابية وميليشيات طائفية لاختراق دول الجوار، ولم يقتصر ذلك على دول الخليج، بل شمل دولاً خارج هذه المنطقة. مرَّت جهود طهران بنقلات نوعية زادت من ضراوتها وأهدافها، حيث استفادت من ظروف الغزو الأميركي للعراق ثم أحداث «الربيع العربي»، واستغلت فرصة مفاوضات الملف النووي في إحداث نقلة نوعية أخرى، معوّلةً على رغبة الغرب في إتمام الصفقة سريعاً وعدم التدقيق في تجاوزات إيران لهذا السبب، بل اعتبر الحرس الثوري أن إبرام الاتفاق النووي يعني إطلاق يده في المنطقة، وتسريع عملية تطوير البرنامج الصاروخي، الذي يقع تحت سلطة الحرس، مكافأة له على عدم إيقاف الاتفاق النووي.
ويُعدّ تطوير برنامج إيران النووي إحدى أهم وسائل التعويض عن ضعف قدراتها العسكرية التقليدية، حيث أعطى التلويح بإمكانية تطوير سلاح نووي قوة تفاوضية لإيران على بقية الملفات. وكان ثمة إجماع في الآراء في نقاشات المنامة على أن الاتفاق النووي كما أبرم عام 2015 لم يعد كافياً كأساس للمفاوضات، إذ أظهرت تجربة السنوات الخمس الماضية الحاجة إلى دقة أكثر في الأطر الزمنية وطرق التفتيش ومعدلات التخصيب ومعايير السلامة النووية. وما هو أكثر أهمية من ذلك تأكدت الحاجة إلى وضع قيود على برنامج إيران الصاروخي أكثر مما نصّ عليه قرار مجلس الأمن (2231)، فضلاً عن تقييد أنشطتها التي تزعزع الاستقرار في المنطقة. حتى ألمانيا، التي كانت من أكثر الدول حماسة للاتفاق النووي، أصبحت تفضل «تحديث» ذلك الاتفاق وتوسعة نطاقه، كما قال وزير الخارجية الألماني مؤخراً. أما ميغل بيرغر، وهو مسؤول رفيع في الخارجية الألمانية، فقد قال في المنامة إن ألمانيا ترى أهمية عودة إيران للالتزام الكامل بالاتفاق النووي، ثم أضاف: «ولكن ذلك ليس كافياً، بل تجب معالجة دور إيران في المنطقة، كما تجب معالجة التحديات التي يثيرها برنامجها الصاروخي».
كان ثمة بعض التباين في وجهات النظر حول الترتيب الزمني للخطوات اللازم اتخاذها، ما دفع الأمير تركي الفيصل إلى التساؤل: «إذا تمت العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية والمالية، ما الذي سيدفع إيران إلى مناقشة القضايا الإقليمية أو برنامجها الصاروخي؟»، ولهذا رأى البعض أنه يتعين البدء بالعودة إلى الالتزام الكامل بالاتفاق النووي، ثم التفاوض بشأن تحديثه ومعالجة القضايا غير النووية، ولا يتم رفع العقوبات إلا بعد التوصل إلى اتفاق جديد. في حين رأى البعض أن تعود إيران إلى الالتزام أولاً، ثم يتم البدء في رفع العقوبات تدريجياً مع بدء المفاوضات على القضايا الأخرى وحسب نسبة التقدم فيها.
وطرحت بدائل أخرى غير ذلك، ولكن لم يكن ثمة توافق حول تلك البدائل، فالجميع ينتظر معرفة موقف الإدارة الأميركية الجديدة من هذا الملف. صحيح أن الرئيس المنتخب قال في تصريحاته إنه يرغب في «الاستماع» إلى أهل المنطقة قبل العودة إلى الاتفاق النووي القديم أو تحديثه، ولكن ذلك لا يمكن اعتباره موقفاً رسمياً للولايات المتحدة.
وقال المسؤول الألماني إن ثمة نافذة محدودة لإحراز تقدم، بين 20 يناير (تنصيب بايدن) ومنتصف يونيو (الانتخابات الرئاسية الإيرانية)، مشيراً إلى أن ألمانيا ترغب في «تحقيق بعض التقدم خلال الأشهر المقبلة في مجال العودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي. وبعد ذلك يبدأ العمل على تحديث الاتفاق، وبموازاة ذلك نحتاج إلى معالجة موضوع الأمن الإقليمي. ولكن كل ذلك تجب مناقشته مع الإدارة الأميركية الجديدة».
وفي حين لم يكن الجدول الزمني المقترح للمفاوضات الجديدة والترتيب بين خطواتها واضحاً أو محل اتفاق، فقد كان ثمة إجماع على ضرورة أن يكون لدول المنطقة دور فاعل فيها، خصوصاً دول مجلس التعاون، خلافاً لما كان عليه الحال في الاتفاق النووي السابق، وذلك لأن تلك الدول هي أكثر من يمكن أن يتضرر من أي حادث يقع في البرنامج النووي الإيراني، حيث تقع مراكز سكانية مهمة في دول الخليج على بعد 200 كيلومتر من المفاعل النووي في أبوشهر، مقارنة بأكثر من 1000 كيلومتر بين بوشهر وطهران، و5000 كم بين بوشهر وألمانيا. وذلك فضلاً عن أن دول مجلس التعاون هي أكثر من تضرر من برنامج إيران الصاروخي. وتشترك هذه الدول مع عدد من الدول العربية التي عانت من تدخلات إيران في شؤونها الداخلية ومن دعمها للجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية لزعزعة أمن واستقرار تلك الدول.
ولهذا كان هناك توافق في المؤتمر على أن مجرد «الاستماع» إلى مواقف دول الخليج بشأن المفاوضات الجديدة ليس كافياً، بل يتعيَّن أن يكون لها تمثيل رسمي على طاولة المفاوضات، بحيث يكون الاتفاق الجديد أو المحدّث ممثلاً لمصالحها أيضاً، وبالتالي يكون هناك درجة أكبر من اليقين بأن دول المنطقة سوف تدعم الاتفاق حين يبدأ تنفيذه.
TT
المفاوضات الجديدة مع إيران في حوار المنامة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة