تمكن الاتحاد الأوروبي من أن يصنع من نفسه قوة يعتّد بها في سوق السندات الأوروبية بضربة واحدة فقط، وذلك في إطار محاولاته لتوفير تمويل من أجل التعافي من تداعيات انتشار فيروس «كورونا». وظهر الآن وحش كبير جديد في دائرة الديون.
تريد الكتلة توفير 100 مليار يورو للمساعدة في تمويل برامج دعم الوظائف في أوروبا؛ وكان من الممكن مضاعفة هذا المبلغ يوم الثلاثاء، لكن عوضاً عن ذلك أصدرت المفوضية الأوروبية سندات جديدة ذات طابع اجتماعي بقيمة 17 مليار يورو تعرف اختصاراً باسم «إس يو آر إي»، وتتراوح آجال استحقاقها بين 10 و20 عاماً. كان الطلب على تلك السندات مذهلاً؛ حيث بلغت قيمتها 233 مليار يورو، وهو ما يمثل رقماً قياسياً بالنسبة إلى أي سند أوروبي رغم العائد السلبي على السند الذي يبلغ أجله 10 سنوات، والعائد الإيجابي الضئيل على السند الذي يبلغ أجله 20 عاماً.
ويشير ذلك إلى مدى عمق الطلب على الأصول الخالية من المخاطر؛ حيث يمثل ذلك الكيان الحاصل على أعلى تصنيف ائتماني بديلاً ممتازاً للسندات التي تصدرها الحكومة الألمانية، والتي تمثل معيار ومقياس الديون الأوروبية على الأقل حتى هذه اللحظة. سيكون الطلب الأجنبي كبيراً، خاصة من المصارف المركزية، التي عليها استثمار ما لديها من احتياطي اليورو؛ حيث تقدم تلك السندات الجديدة عائدات أعلى بمقدار يتراوح بين 35 و50 نقطة أساس من سندات الدين الألمانية التي لا تزال تتهاوى نحو الأرقام السلبية.
لن يكون سيئاً أن يتمكن البنك المركزي الأوروبي من شراء نحو نصف أي قدر من سندات الديْن التي يصدرها الاتحاد الأوروبي في إطار برامج التيسير الكمّي واسعة النطاق. ورغم رغبة المفوضية الأوروبية في جعل عملية بيع أول سندات الدين المرتبطة بتداعيات انتشار فيروس «كورونا» جذابة قدر الإمكان، تم تحديد سعر تلك السندات بحيث يكون أعلى من الدين الموجود حالياً بمقدار نقطتي أساس فحسب. ومن الواضح أن المستثمرين معجبون بجهة إصدار السندات التي تشير بشكل إيجابي إلى وجود عمليات بيع أكبر سوف تحدث خلال العام المقبل لتمويل صندوق التعافي من الوباء والذي تبلغ قيمته 750 مليار يورو.
لقد أصبح الاتحاد الأوروبي الآن واحداً من 5 جهات كبرى لإصدار سندات الدين في أوروبا؛ حيث انضم إلى كل من إيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، وإسبانيا. وربما يكون أكبر جهة لإصدار السندات الأوروبية خلال عام 2021؛ حيث من المحتمل أن تبلغ قيمة ما يصدره من سندات نحو 300 مليار يورو. كذلك سيكون أكبر جهة لإصدار السندات ذات الطابع الاجتماعي في العالم؛ حيث ستكون قيمة برنامج «إس يو آر إي» تقريباً ضعف إجمالي قيمة السندات ذات الطابع الاجتماعي البالغة 72 مليار دولار.
ما يثير الذهول والعجب هو وجود هذا الاهتمام الكبير بسندات الدين الطويلة الأجل التي ستكون قيمتها عند السداد أقل من القيمة الأولية لها عند استثمارها. مع ذلك تقترب سندات الدين ذات العائد السلبي من دين هو الأعلى على الإطلاق، والبالغة قيمته 16.8 تريليون عالمياً بسبب إصدار سندات من دول في الاتحاد الأوروبي تقدم عائدات أدنى من الصفر. وحتى سندات الدين الإيطالي، التي يعتبر عائدها هو الأعلى بين السندات الأوروبية الأخرى، تقدم عائداً أقل من الصفر على السندات التي يبلغ أجلها 4 سنوات.
كذلك كان توقيت عملية البيع خلال الأسبوع الحالي مثالياً، فـ56 مليار يورو من ديون الحكومة الأوروبية ستكون مستحقة الدفع خلال الأسبوع المقبل؛ حيث سيكون المعروض الجديد محدوداً نسبياً.
يمثل هذا قوة دافعة وداعمة كبيرة لقدرة أوروبا على التعافي من آثار انتشار الوباء؛ حيث يوضح ذلك بالدليل أنه من الممكن تمويل برامجها المالية الضخمة بثقة؛ فمرحباً بك أيها الاتحاد الأوروبي كجهة قائمة بذاتها لإصدار سندات الدين.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»