فور علمي بإصابة الرئيس دونالد ترمب بفيروس كورونا المستجد، كان أول ما بدر إلى ذهني هو إرسال رسالة نصية إلى زوجة أخي لكي أعرف إن كانت علمت بتلك الأخبار، وما إذا كانت قد غيرت رأيها المتصلب بشأن عدم ارتداء الكمامات الواقية، أم لا.
وعلى غرار كل أصهاري (باستثناء زوجتي بالطبع)، فزوجة أخي من أشد المؤيدين للرئيس دونالد ترمب في كل شيء. وكانت في آخر الصور التي رأيتها لها ترتدي قميصاً أزرق اللون يحمل عبارة تقول: «ترمب 2020. حافظ على أميركا عظيمة». وهي تعتقد أن الديمقراطيين يرغبون في نزع حرياتنا من بين أيدينا وتحويل الولايات المتحدة إلى دولة اشتراكية شمولية. وكانت تبعث لي بمقالات تحمل عناوين من شاكلة: «عصابة جورج سوروس تخطط لانقلاب على الانتخابات الرئاسية». ولقد بعثت لي مؤخراً برسالة نصية تتضمن إنجازات الرئيس دونالد ترمب مرتبة وفق 125 نقطة منفصلة، تشتمل على كل ما فعله الرئيس ترمب بدءاً من تعيين القضاة المحافظين في المحكمة العليا الأميركية، وحتى مطالبة مطارات البلاد بتوفير المساحات الخاصة لصالح الأمهات المرضعات.
وغني عن القول أن زوجة أخي المصونة كانت - ولا تزال - من أشد معارضي ارتداء كمامات الوجه الواقية منذ بدء انتشار الوباء وحتى الآن. وهي أوضحت - خلال مبادلات الرسائل النصية والبريد الإلكتروني على مدار الشهر الماضي أو نحو ذلك - سببين رئيسيين وراء ذلك. أولاً، أن فرض الكمامة الواقية يعد أبلغ انتهاك للحريات المدنية. وأضافت تقول إنها لن تكون نعجة ضمن القطيع مهما حدث. وهي تلتزم ارتداء الكمامة الواقية فقط عندما لا يكون أمامها خيار آخر أبداً - أثناء التسوق لشراء البقالة من المتاجر على سبيل المثال، وهي تواصل ارتداءها لفترة وجيزة من الوقت قدر الإمكان. وهي تربط ارتداء الكمامة الواقية قسراً - فضلاً عن الحجر الصحي في السياق نفسه - بالأجندة الخبيثة من قبل القوى غير المرئية الرامية إلى إحكام السيطرة على الشعب الأميركي!
ولقد أبلغتني قبل بضعة أسابيع قائلة إن «الأمر لا يتعلق بتسوية منحنى الإصابة بالفيروس، بل إنه يتعلق بالأساس بفرض السيطرة الكاملة علينا. إن معدل الوفيات توقف عن الارتفاع، فلماذا نواصل الحياة بهذه الصورة المزرية؟».
أما السبب الثاني من وجهة نظرها فيتمثل في شكوكها بأن الكمامات الواقية لا تحقق أي فرق على الإطلاق. وعلى الرغم من أن الرئيس ترمب لم يُصرح بذلك علناً على وجه التحديد وبهذه الطريقة الصريحة، فإن طرحها لوجهة نظرها يتسق تماماً مع السياق المنطقي للمسألة (إلى جانب عدم الرغبة الأصيلة في إظهاره بمظهر الضعف). وكما صرح الرئيس ترمب خلال لقائه مع الإعلامي الأميركي البارز كريس والاس: «لا أتفق بالضرورة مع الرأي القائل إنه إذا ارتدى الشعب بأكمله الكمامة، فسوف يزول أثر الفيروس من حياتنا على الفور». أو من خلال مؤتمره الصحافي من داخل البيت الأبيض بعد ذلك بشهر أو نحوه حين قال عن الكمامة الواقية: «ربما إنها شيء عظيم، وربما هي جيدة فحسب، أو ربما لا تعني شيئاً على الإطلاق».
منذ بدء انتشار الوباء في البلاد، انصب اهتمام زوجة أخي على المقالات والدراسات الأكاديمية التي تبرهن على زيف فاعلية الكمامات الواقية. وتستشهد بعض هذه المقالات والدراسات بآراء عدد من الخبراء والعلماء المرموقين الذين يفندون فائدة الكمامات الواقية، ويقولون إن أقنعة الوجه القماشية من غير المرجح أن تحمل أي قدر من الفاعلية في منع جزيئات الهباء الجوي التي قد تحتوي على الفيروس من الانتقال بين الناس. وتزعم مقالات أخرى بأن الكمامات الواقية طراز «إن 95» تسبب الصداع، وغير ذلك من المشاكل الصحية الأخرى.
ثم أرسلت زوجة أخي مقالاً لي من مجلة «نيو إنغلاند» الطبية جاءت فيه هذه العبارة: «نعلم أن ارتداء الكمامات الواقية خارج محيط منشآت الرعاية الصحية لا يوفر سوى النذر اليسير من الحماية - إن وجدت - ضد العدوى». لكنني وجدت بعد ذلك رسالة متابعة إلى محرر المجلة الطبية بعد بضعة شهور من قبل نفس المؤلفين، جاء فيها:
لقد ذكرنا في المقال الأول أن ارتداء الكمامات الواقية خارج محيط منشآت الرعاية الصحية لا يوفر سوى النذر اليسير من الحماية - إن وجدت - ضد العدوى، ولكن كما هو واضح من بقية فقرات المقال، لقد قصدنا سحب هذه العبارة على المواجهات العابرة بين الناس في الأماكن العامة، وليس المقصود منها التفاعلات المستمرة القريبة داخل الأماكن المغلقة. ومن ثم، فإننا نؤيد وبكل قوة دعوات وكالات الرعاية الصحية العامة إلى كل المواطنين بضرورة ارتداء الكمامات الواقية عندما تضطرهم الظروف إلى البقاء على مسافة 6 أقدام من الآخرين لفترات مطولة من الوقت.
ومن حيث أمكث لكتابة مقالي هذا، فإن عدد الدراسات العلمية التي تؤكد فاعلية ارتداء كمامات الوجه الواقية هي لا حصر لها. غير أن زوجة أخي لا تجد أياً منها مقنعاً بحال من الأحوال. وهي ليست على هذا الرأي بمفردها. فلقد خرجت علينا مؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي في شهر يوليو (تموز) من العام الجاري باستقصاء للآراء جاء فيه أن 18 في المائة من المواطنين الأميركيين لم يرتدوا الكمامات الواقية للوجه على الإطلاق، أو نادراً ما استعانوا بها في بعض الأوقات خارج المنزل.
لكن الرئيس دونالد ترمب أصيب بالفعل بفيروس كورونا المستجد فضلاً عن السيدة قرينته.
كانت زوجة أخي تحاول باستمرار إقناعي بأنها توصلت إلى وجهة نظرها تلك بشأن عدم ارتداء كمامات الوجه الواقية بصفة مستقلة بعيداً عن تأثير دونالد ترمب الذي تؤيده بشدة. ولكن ذلك لم يقضِ على شكوكي تجاهها. أو بالأحرى، ينبغي أن أقول إنني أعتقد إذا التزم دونالد ترمب بارتداء الكمامات الواقية لكي يضرب مثالاً يُحتذى في البلاد - وإذا كان قد أيد علماء الحكومة في التشديد على أهمية ارتداء الكمامات الواقية كذلك - ما كانت زوجة أخي تستشعر الحاجة إلى البحث في المقالات والدراسات التي ترفض فاعلية الكمامات الواقية في المقام الأول. وعلى كل الاحتمالات، كان أنصار دونالد ترمب - من أمثالها - سيتقبلون الحاجة إلى ارتداء الكمامات الواقية بالطريقة نفسها التي يقبلون بها شد أحزمة الأمان داخل السيارات، أو ارتداء الخوذات الواقية عند ركوب الدراجات سواء بسواء. وما كانت تلك المسألة لتشغل حيزاً في معترك السياسة الأميركية منذ البداية.
يقدر معهد القياسات والمعايير الصحية الملحق بجامعة واشنطن في مدينة سياتل أن الولايات المتحدة تتحرك على مسار تسجيل ما يقرب من 372 ألف حالة وفاة مؤكدة جراء الإصابة بفيروس كورونا المستجد بحلول نهاية العام الجاري. ولكن إن كانت نسبة 95 في المائة من المواطنين الأميركيين يلتزمون ارتداء الكمامات الواقية فإن المعهد المذكور يقدر انخفاض عدد حالات الوفيات بـ275 ألف حالة فقط. ولنفكر معاً في عدد الأرواح التي كان من الممكن إنقاذها مع عدد الأشخاص الذين كان من الممكن أن يتجنبوا الإصابة بالفيروس في المقام الأول، إذا التزم جميع المواطنين بارتداء كمامات الوجه الواقية اعتباراً من مارس (آذار) من العام الجاري.
فهل غيرت زوجة أخي من رأيها بشأن ارتداء الكمامات الواقية بعد الإعلان عن إصابة الرئيس ترمب نفسه بالفيروس؟ كلا بكل أسف. فلقد كتبت لي في رسالة نصية تقول فيها: «إن كانت للكمامات الواقية فائدة، فلماذا تواصل حالات الإصابة الإيجابية الظهور في كل مكان حول العالم؟»، ثم أردفت تقول: «إنني أحافظ على مسافة 6 أقدام دائماً بيني وبين أغلب الناس في الأماكن العامة، لكن معظم الأشخاص الذين أعرفهم عن قرب لا يرتدون هذه الكمامات في دوائرهم المقربة في العمل أو مع العائلة. لا بد من إثبات فائدة تلك الكمامات بالأدلة العلمية الدامغة ولسوف أتقبلها وأمتثل بارتدائها على الفور».
يعد الرئيس دونالد ترمب - نظراً لاعتبارات السن وزيادة الوزن - من بين الفئات الأكثر ضعفاً وتعرضاً للإصابة في جموع السكان. وعلى قدر انزعاجي منه وعدم محبتي له فإنني أرجو له الشفاء العاجل برغم كل شيء. ثم ماذا بعد؟ هل من المرجح له أن يقر أخيراً أنه - وكل شخص آخر داخل البيت الأبيض - كان حرياً بهم التزام ارتداء الكمامات الواقية منذ البداية؟ وأن تلك الكمامات الرخيصة تساعد فعلاً في إنقاذ الأرواح؟
من واقع معرفتي بالرجل، لا أعتقد أنه سوف يفعل ذلك. ولكن هذا ليس مهماً في شيء الآن، لقد حلت الكارثة ولحق بهم الأذى بكل أسف.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»