فازت ميليسا ديل، عالمة الاقتصاد بجامعة «هارفارد»، مؤخراً بميدالية «جون بيتس كلارك» لعام 2020. وهي ميدالية يتم منحها لخبراء وعلماء الاقتصاد البارزين ممن تقل أعمارهم عن 40 سنة. يتناول أشهر بحث لديل أهمية المؤسسات في التنمية السياسية والاقتصادية للدولة على المدى الطويل؛ ويتضمن بحثها تحذيراً للولايات المتحدة الأميركية ولدول أخرى أيضاً.
ما تعريف المؤسسة؟ تعني المؤسسة بالنسبة لأكثر الناس المنظمة الراسخة مثل مؤسسة تجارية كبرى أو هيئة مدنية. يستخدم خبراء الاقتصاد هذا المصطلح بوجه عام للإشارة إلى قواعد اللعبة التي تحكم المجتمع الإنساني. قد تكون تلك القواعد رسمية مثل القوانين، أو الأنظمة الانتخابية، أو حقوق الملكية؛ أو غير رسمية مثل العادات الاجتماعية، أو الفساد، أو التطبيق الانتقائي للقوانين.
عمل اقتصاديون مثل دارون أسيموغلو، وجيمس روبنسون، لسنوات طويلة على تطوير نظرية تفيد بأن الاختلافات في المؤسسات تؤدي إلى اختلافات كبيرة في النمو والرخاء القومي على المدى الطويل. حسب كل من أسيموغلو وروبنسون، الدول التي تتبنى ممارسات الاحتواء مثل الديمقراطية وحقوق الملكية وحرية العمل وما إلى ذلك، تصبح أكثر ثراءً على المدى الطويل، في حين أن الدول التي تسيء معاملة عمالها ومواطنيها لتستخلص منهم أكبر قيمة على المدى القصير تصبح أكثر فقراً.
إنها نظرية شاملة ومثيرة للاهتمام عن ثراء وفقر الأمم، لكن من الصعب للغاية إثباتها بالأدلة التاريخية؛ وتلك النقطة هي التي يتضمنها بحث ديل؛ فقد حللت ديل في ورقة بحثية عام 2010 التأثير طويل المدى لنظام عمل بالسُّخرة يسمى «ميتا» كان يتم تطبيقه في بيرو وبوليفيا خلال الفترة من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر. باتت تلك المناطق، التي طبقت ذلك النظام، أكثر فقراً وأقل اتصالاً بشبكات الطرق اليوم؛ ويعني ذلك ضمناً أن ثقافة الاستنزاف، التي تتبناها أنظمة العمل بالسُّخرة تؤدي إلى تراجع الاستثمار العام بمرور الوقت. كذلك تتضمن بعض الأوراق البحثية الأخرى لديل نتائج مماثلة طويلة المدى لاستغلال العمال في إندونيسيا والمكسيك وأماكن أخرى. رغم أنه لا يمكن حسم أي جدل في تاريخ الاقتصاد، الماضي شديد التعقيد ومن الصعب قياسه، مما لا يسمح بالعثور على أجوبة محددة حاسمة. مع ذلك يخبرنا التاريخ أن النظرية المؤسسية للتنمية لا تزال تجد لها أدلة تجريبية.
لهذا آثار مهمة بالنسبة للولايات المتحدة، فهي دولة كبيرة المساحة وتتسم بالتنوع، حيث يوجد بها الكثير من النماذج المختلفة للمؤسسات الجيدة والسيئة. على سبيل المثال كانت العبودية المؤسسة الأكثر استنزافاً وظلماً للبشر؛ في حين كانت مشاركة المحصول، وهو شكل من أشكال الزراعة التي يقوم بها مستأجرون للأرض الزراعية، أقل استغلالاً. وكانت الهجمات العنيفة على اتحادات العمال شائعة في مناطق صناعية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكذلك كان استغلال العمالة الزراعية المهاجرة في منطقة الجنوب الغربي شائعاً.
سوف يؤدي إجبار الناس على العودة إلى العمل إلى انتشار فيروس «كورونا» وبالتالي إلى المزيد من الوفيات. كذلك من غير المرجح إنقاذ اقتصاد الدولة بسبب غياب العملاء نتيجة خوفهم من الإصابة بالمرض أكثر من التزامهم بأوامر البقاء في المنزل.
لحسن الحظ لدى الولايات المتحدة الأميركية تقاليد مؤسسية ذات طابع احتوائي يمكنها التعويل عليها. يمكن لنظام حرية العمل، الذي كان سائداً في الشمال قبل الحرب الأهلية، وقواعد حماية العمل الصارمة، التي كان يتم تطبيقها في سلسلة البرامج (الخاصة بالرئيس روزفلت)، أن تكون أمثلة ونماذج توضح كيفية إعادة بناء مجتمع فعّال بالكامل. تحتاج الولايات المتحدة خلال العقود التالية إلى صقل مؤسساتها ذات الطابع الاحتوائي، أي إعادة بناء اتحاداتها، وجعل حقوق التصويت عالمية، والتصدي للطرق المختلفة التي يتم استغلال العمال بها. سوف يسمح هذا النهج الشامل ذو الطابع الاحتوائي للولايات المتحدة بأن تظل في مصافّ الدول المتقدمة خلال العقود التالية،.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT
ثقافة استنزاف العمال
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة