رئيس الحكومة المغربية: لست خائفا على شعبيتي.. واستطلاعات الرأي تعطينا أكثر من 50 % وهذا كافٍ

عبد الإله ابن كيران يقول في حوار شامل مع {الشرق الأوسط} إن الملكية ضمانة بالنسبة للمغاربة.. والإنسان العاقل لا يغامر بضمانته

عبد الإله ابن كيران
عبد الإله ابن كيران
TT

رئيس الحكومة المغربية: لست خائفا على شعبيتي.. واستطلاعات الرأي تعطينا أكثر من 50 % وهذا كافٍ

عبد الإله ابن كيران
عبد الإله ابن كيران

قال عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، إنه انتخب رئيسا للحكومة من المغاربة للإسهام في حل مشاكلهم، وليس للتدخل في أنماط تدينهم أو حرياتهم، مشيرا إلى أن التدين مسألة شخصية وشؤونها منظمة بإشراف إمارة المؤمنين.
وأوضح ابن كيران، في حوار شامل أجرته معه «الشرق الأوسط» في الرباط، قائلا: «إنني لست إسلاميا، بل مجرد مسلم مثل كل المسلمين، وأحاول أن أكون مستقيما قدر المستطاع، ولا أستطيع أن أدعي أنني أنجح دائما في ذلك».
وذكر ابن كيران أنه لما عين من طرف الملك محمد السادس رئيسا للحكومة.. «استشعرت أنني مسؤول في دولة لتدبير الشأن العام لكل المغاربة، ولم أشعر بأنني نبي جئت برسالة خاصة».
وتحدث ابن كيران عن خصوصية الملكية في المغرب، وقال إن الناس لا يعرفون جيدا خصوصيتها، مشيرا إلى أن الذي يطبعها بالدرجة الأولى هو التحكيم وليس التحكم. وأوضح أن النظام الملكي بالنسبة للمغاربة «ليس نظاما سياسيا والسلام، بل ضمانة لهم.. والإنسان العاقل لا يغامر بضمانته». وفيما يلي نص الحوار.

* مرت سنة على تشكيل حكومتكم الثانية بعد خروج حزب الاستقلال منها، وأنتم الآن على مشارف السنة الثالثة من الولاية الحكومية التي جاءت بعد دستور 2011، ما دروس وعبر هذه السنة من التجربة الحكومية مقارنة مع السنتين السابقتين؟

- ربما لن تكون الدروس والعبر جاهزة، ولكن يمكنني أن أتحدث معك عن ظروفها. فهذه السنة كانت نسبيا أقل تشنجا من السنتين الأولى والثانية، ففي الحكومة الحالية تشكلت أغلبية جديدة بمشاركة حزب التجمع الوطني للأحرار بعد انسحاب حزب الاستقلال، وأوجدنا نقاط تفاهم على مستوى الأغلبية، وليس على مستوى الحكومة فقط.
على مستوى الحكومة حتى في المرة الماضية كان الانسجام لا بأس به، والوزراء الجدد في الحكومة عملوا بانسجام عال مع الأخرين. أما على مستوى الأغلبية فقد طرأ الإشكال في رئاسة الاغلبية بعد تغيير الأمين العام لحزب الاستقلال، والآن و الحمد لله فإن رئاسة الأغلبية تعمل في إطار التوافق الإيجابي، وهذا ينعكس على جودة العمل الحكومي.
وإذا أردت أن أقول لك عن دروس وعبر تسيير شأن عام مثل رئاسة الحكومة في المغرب منذ البداية إلى الآن، يمكنني أن أجمل لك الموضوع في كلمتين، وهو أنه في دولة كدولتنا فرصة الإصلاح والعمل الجاد وإعادة التوازن إلى المجتمع موجودة، لكن هذه الفرصة تحتاج إلى نوع من الصبر والأناة في إطار ثقافة التعاون، وليس في إطار ثقافة الصراع، نحن لسنا دولا ديمقراطية مثل الغرب، يخرج فريق ويدخل آخر، هنالك ثوابت في دولنا وهنالك ثوابت في سياساتنا، وهنالك مجموعة عوامل ومتدخلين، في هذا المجموع كاملا فرصة إنجاز شيء إيجابي لصالح الدولة، ثم لصالح المجتمع والفئات المستضعفة بالخصوص، موجودة، ولكن هذا يتطلب وقتا أكثر لإنضاج الظروف الملائمة لإنجاز أي إصلاح في ظل الاستقرار، هذه هي العبرة الرئيسية .

* هناك من اعتبر أنك خلال السنوات الـ3 الماضية عمدت إلى وضع أجندة لحزبك ولحركة الإصلاح والتوحيد على جانب، والتصرف كتكنوقراطي ليبرالي جاء ليقلص نسبة عجز الموازنة ودعم الدولة للموارد الأساسية وإصلاح صناديق التقاعد، وابتعادك عن مفردات الأجندة الآيديولوجية للإسلاميين، بماذا تعلق على هذه الأشياء؟

- لما عينني جلالة الملك رئيسا للحكومة استشعرت أنني مسؤول في دولة لتدبير الشأن العام لكل المغاربة، ولم أشعر أنني نبي جئت برسالة خاصة، أنا مجرد مسؤول في دولة، قد أصيب وقد أخطئ في معالجة مشاكل الناس،أما الأنبياء فقد كان خاتمهم محمدا، صلى الله عليه وسلم. ولما دخلت في هذه المسؤولية على مستوى مهمة رئاسة الحكومة، جاءت الأولويات بنفسها، أولاها كانت الأولوية الاقتصادية لأن الدولة إذا لم تكن في وضعية اقتصادية على الأقل محتملة، حتى لا نقول مريحة، فإنها سوف تغرق، وساعتها لن تنفع لا آيديولوجية ولا أي شيء آخر.
لما عينني جلالة الملك وجدت نفسي في سفينة مهددة بمعطيات في الواقع المعيش أولاها هي صندوق المقاصة (صندوق دعم المواد الأساسية)، الذي كلفنا عام 2012 ربع مداخيل الدولة، كلفنا 57 مليار درهم (الدولار يساوي 8.46 درهم) في الوقت الذي كانت فيه مداخيل الدولة تصل إلى نحو 220 مليار درهم من الضرائب ومختلف العائدات. وجدت نفسي أمام أزمة تزحف علينا في قطاعي الماء والكهرباء، وهما القطاعان الرئيسيان والأساسيان كما لا يخفى عليك، سواء تعلق الأمر بالسكان وضمان تزويدهم بالماء المشروب أو الكهرباء، فضلا عن الحاجة إلى الكهرباء في النشاط الاقتصادي والمرافق العامة. وجدت نفسي أيضا أمام صناديق التقاعد يقول لي المسؤولون عنها «السيد رئيس الحكومة إذا لم نبادر إلى إصلاح هذه الصناديق فإن مستقبل التقاعد في المغرب لن يكون فقط مهددا، وإنما سينتهي، لن يكون هناك تقاعد؛ بالإضافة إلى تداعيات ذلك على الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد. أخبرني إذن ماذا علي أن أفعل؟ وعن أي آيديولوجية تتكلم؟ هذه مشكلات واقعية وعملية، فقلت في نفسي سوف أتوكل على الله وأواجه هذه المشكلات التي ذكرت لك، وأنا لم أذكر لك المشكلات الأخرى. حتى الآن كانت النتائج إيجابية، فموازنة صندوق المقاصة انتقلت من 57 مليار درهم سنة 2012 إلى 23 مليار درهم في 2015، ومشكلة الماء والكهرباء يبدو على الأقل أننا تمكنا من حلها في أفق السنوات الـ10 المقبلة لأننا حملنا الدولة القسط الأكبر من تكلفة هذا الإصلاح وحملنا فقط المستهلك الذي يوجد في وضع اقتصادي نسبيا مريح زيادات متفاوتة، الأشطر العليا أكثر من الأشطر الدنيا، مع الحفاظ على الأسعار بالنسبة لمعظم المستفيدين أي نحو 4 ملايين و500 ألف مشترك، فهؤلاء لم نمسهم إطلاقا، ومشكلة التقاعد نحن الآن بصدد حلها. من جهة أخرى كان حاملو الشهادات يحتجون أمام البرلمان للحصول على الوظائف الحكومية فأصبحنا أمام مشكلات، هل سنوظف المغاربة جميعا؟ هل كل من حصل على شهادة الإجازة علينا أن نوظفه؟ هل هذا ممكن؟ ما هو المبرر لأن تصبح موظفا مباشرة، هل شهادة الإجازة كافية ليكون الباحث عن عمل صالحا للإدارة، أين هو العدل؟ الآن أظن أن هذه المشكلة انتهت وقررنا كذلك اقتطاع أيام الإضراب من أجرة المضربين، هل يقبل منطقيا ألا تشتغل وتأخذ الأجرة على اليوم الذي لا تشتغل فيه؟ أمور مثل هذه بدت لنا منذ البداية أمورا أساسية لتفادي مزيد من التدهور، فنحن لم نكمل كل ما نحن بصدده، ولكن في الوقت نفسه، ومن جهة أخرى، فإن هذه الحكومة، كما قال الأخ الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ليس قدرها أن تأتي فقط لكي تصلح أمورا تظهر فيها ضحية، هي كذلك حكومة جاءت بحس اجتماعي، واستطاعت أن تحسن تقاعد نحو عشرة آلاف و500 أسرة كان بعضها يأخذ 40 أو 50 درهما في الشهر، أما الآن فأقل ما يأخذون ألف درهم، وهناك أمور أخرى من قبيل منح الطلبة مبلغا وعددا، وتوسيع المنح للتلاميذ الفقراء إلى آخره، وفي نفس الوقت حاولنا أن نصفي الأجواء بالنسبة للمقاولات لكن في كل هذه المجالات لا نستطيع أن ندعي أننا وصلنا إلى المستوى المرغوب فيه.
بالنسبة للآيديولوجية، أنا رئيس حكومة منتخب من المغاربة للإسهام في حل مشاكلهم ، وليس للتدخل في أنماط تدينهم أو حرياتهم، ولم أئت لكي أغير تدين الناس، جئت لكي أحل مشاكلهم ،والتدين مسألة شخصية وشؤونها منظمة بإشراف إمارة المؤمنين، فجلالة الملك هو أمير المؤمنين. لكن إذا كنت متدينا ذلك ينفعك في الاستقامة، في التعفف عن المال العام، ولهذا أنا أقول إنني لست إسلاميا، بل مجرد مسلم مثل كل المسلمين، وأحاول أن أكون مستقيما قدر المستطاع، ولا أستطيع أن أدعي أنني أنجح دائما في ذلك.

* لقد كان رد فعل حكومتكم صارما على قرار اتحادات عمالية شن إضراب عام وطني يوم 29 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي احتجاجا على إصلاح منظومة التقاعد، وهو ما جاء على لسان وزير الإعلام، هل من مفاوضات اللحظة الأخيرة لفتح حوار مع هذه الاتحادات أم أن الأمور وصلت معها إلى طريق مسدود؟

- لا، ليس طريقا مسدودا، وفي الحقيقة النقابات ليست كلها سواء، هناك نقابات عندها أجندة سياسية، ترتبط بأحزاب سياسية، وهذه حاولت تنظيم إضراب عام وفشلت فيه، وهي معروفة، واحدة منها يشرف عليها أمين عام حزب الاستقلال، وهناك نقابات أخرى دعت إلى الإضراب، وهي نقابات لدينا معها علاقات معقولة، بيد أننا نعيب عليها أن هذا الإضراب ليس مبررا، لأن مقترح إصلاح التقاعد ليس نهائيا، ونحن ننتظر أن تأتي الاستشارة التي طلبناها من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وساعتها سنعرض مدارسته مع هذه النقابات لوضع الصيغة النهائية إذا استطعنا أن نتفاهم. إذن هذا الإضراب الآن، قبل أن يكون هناك المشروع النهائي الذي سنتقدم به أمام الحكومة، هو أمر غير مبرر وغير مفهوم.
إن الحوار الاجتماعي لم يتوقف. وآخر اجتماعاتي معهم كانت في مايو (أيار) الماضي، يعني قبل أول مايو الأخير اجتمعت مع النقابات الثلاث 3 مرات، مدة تتراوح بين 3 و4 ساعات، وهي المناسبة التي وصلنا فيها إلى رفع أجور الوظيفة العمومية كحد أدنى إلى 3 آلاف درهم طالت 150 ألف موظف، وبالنسبة للقطاع الخاص وصلنا إلى زيادة الحد الأدنى للأجر بنسبة 5 في المائة على سنتين أي 10 في المائة، ثم بعد ذلك التقينا في يونيو (حزيران) الماضي بسبب إصلاح نظام التقاعد. إذن الحوار لم ينقطع، ولكن فعلا كنا متفقين على أن نلتقي فيما بعد، ولكننا لم نحدد التوقيت، وأنا انتظر رأي المجلس الاقتصادي الاجتماعي والبيئي، الممثلة فيه هذه النقابات، وآنذاك سألتقي بهم إذا أرادوا أن نلتقي.

* لكنهم اعترضوا على إحالة ملف التقاعد على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؟

- هذا شيء ينظمه القانون. أنا طلبت رأيا استشاريا من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وحينما أتوصل به سأجتمع معهم حتى نبحث الإجراءات الأخيرة التي يمكن أن نتفق عليها. إن مثل هذا الإضراب في المغرب يعتبر في السابق حدثا إستثنائيا، أنا على الأقل أعتقد أن الوقت ليس مناسبا، لهذا تأسفنا لهذا الإضراب ولم نتفهمه، وبطبيعة الحال هم يتحملون المسؤولية فيه كاملة وفي نتائجه، ونحن سوف نحرص على ضمان حرية العمل بالنسبة للآخرين، وإذا تراجعوا عن تنظيم هذا الإضراب سيكون ذلك جيدا، وعلى كل حال فإن الإضراب حق دستوري مكفول مثل هذا الإضراب يمكن أن ينظم في أي وقت ولكن تنظيمه الآن ليس مبررا ولا مفهوما.

* هناك أصوات داخل حزبكم بدأت تشكك من الآن في نزاهة الانتخابات، وهو أمر يبدو غريبا أن يصدر عن أصوات من الحزب الحاكم، لأنه جرت العادة أن المعارضة هي التي تشكك؛ وارتباطا بنفس الموضوع كيف تقرأون حرص الملك على سلامة العملية الانتخابية المقبلة، ثم ما تردد من تأكيد هذا الحرص خلال اجتماع المجلس الوزاري الأخير؟

- أولا، يجب أن أقول شيئا، إنه منذ أن تولى جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، مقاليد الحكم حتى الآن لم يطعن أي حزب سياسي في أي انتخابات. كانت هنالك طعون قضائية في بعض الحالات، وكانت هنالك شكاوى من بعض رجال السلطة في مختلف الاستحقاقات، أما بالنسبة لحزب العدالة والتنمية فإن المعتمد هو البيانات الرسمية وتصريحات قيادته الوطنية، وهي لا تشكك في الانتخابات، بقي أنه كانت هنالك بعض الذكريات التي ما زالت تحوم حول أذهان بعض الأشخاص الذين عبروا عن تخوفاتهم، ولهذا نحن لا نتصور بالنسبة للمغرب أنه من الممكن أن يقع ما يجري الحديث عنه بشأن تزوير الانتخابات، لأن بلدنا يسير إلى الأمام ولا يمكنه أن يرتد ويتراجع إلى الوراء. فهذه الأمور حسمت، المغرب اختار الديمقراطية وسيمضي قدما فيها، وجعل الخيار الديمقراطي من ثوابته الدستورية. وجلالة الملك بصفته الحكم أصدر توجيها ورسمه أثناء انعقاد المجلس الوزاري الأخير بإعلانه أن الانتخابات هي مسؤولية الحكومة، إذن فمن الطبيعي أن المكلف أو المشرف الأساسي عليها هو رئيس الحكومة، بينما وزيرا الداخلية والعدل هما المكلفان متابعة تدبيرها والخروقات التي قد تقع فيها، وهذا شيء وارد، إذن فنحن في انسجام مع روح الدستور. ففي المغرب تتحسن الأمور، ولكن بطريقة تدريجية.

* كيف تلقيتم إصرار الملك على أن يكون الإشراف على الانتخابات بين يديكم كرئيس للحكومة، وما الإحساس والانطباع الذي كان لديك؟

- بطبيعة الحال، لا بد أن أشكر جلالة الملك على ذلك. إذ إنه لا يمكن أن يكون ذلك من دون أن تكون هنالك ثقة في رئيس الحكومة، ومن جهة أخرى، وعلى المستوى الديمقراطي، فإن هذا ترسيخ لمكانة رئيس الحكومة حاليا ومستقبليا، وتعزيز لمكانة الحكومة كمؤسسة دستورية مسؤولة، مثل هذا القرار، كان يجب أن يجري الترحيب به بحرارة، لكن بطبيعة الحال ربما بعض الناس كانوا مسرورين بهذا القرار بيد أنهم تمنوا أن لا يكون متعلقا برئيس الحكومة الحالي.

* كيف تتصورون تدبير هذا الملف بينكم وبين وزير الداخلية، وما هو حجم فرص التلاقي والتوافق، وما احتمالات الاختلاف في تدبيره؟

- دعني أقل لك، حتى الآن إنه يقع تشاور أولي ثم تعرض مقترحات على الأحزاب السياسية، وتؤخذ ملاحظاتها بعين الاعتبار، ثم بعد ذلك تقع مصادقة أخيرة قبل أن تعرض مشاريع القوانين على مجلس الحكومة. لقد قلت لك، في المغرب، كل شيء ممكن إصلاحه تدريجيا في إطار التعاون والتوافق الإيجابي والمنتج.

* السياسة هي فن الممكن.. في حكومتكم الحالية تحالفتم مع حزب التجمع الوطني للأحرار بعد خصومة لدودة، وهذا يدفعني لسؤالك: ما إمكانية التحالف مع خصمكم اللدود حزب الأصالة والمعاصرة إذا تطلبت نتائج الانتخابات المقبلة ذلك؟

- أولا أود أن أوضح أن الخصومة مع الأحرار كانت طارئة ولم تكن أصلية، هذا حزب منذ سنوات طويلة، حتى وهو في الحكومة ونحن في المعارضة، كان في العموم هنالك نوع من التعاطف والود بين نوابنا ونوابهم، وفي مرحلة من المراحل الانتخابية بالخصوص وقع بسبب المنافسة بطبيعة الحال، شيء من ارتفاع الحرارة فقط، أما على المستوى الشخصي لم تكن هناك قط خصومة، لهذا فالمقارنة بينه وبينه حزب الأصالة والمعاصرة ليست في محلها. وفي تقديري أنه في السياسة يجب عدم رهن المستقبل، المستقبل في علم الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله، فحزبنا حزب عنده منطق في مقاربة الأشياء، هذا المنطق يجعل دائما مصلحة البلد سابقة على مصلحة الحزب، وهذا المنطق أعتقد أننا سنحترمه في المستقبل كما احترمناه في الماضي ولولا احترامنا له في الماضي لما كنا في الوضعية التي نحن فيها اليوم.

* لوحظ أن الملك محمد السادس لأول مرة وأكثر من أي وقت مضى واجه بوضوح الأصوات العدمية التي تبخس الإنجازات التي عرفها المغرب، والتراكمات الإصلاحية التي تحققت في البلد عبر عقود، واعتبر ذلك مسيئا لصورة البلد ولا علاقة له بحرية التعبير والرأي.. كيف تنظرون إلى هذا؟

- ربما لا يعرف الناس جيدا خصوصية الملكية في المغرب، الملكية في المغرب الذي يطبعها بالدرجة الأولى هو التحكيم وليس التحكم، وهذا قديم في بلدنا، ويمتد لقرون، هذا التحكيم هو أن جلالة الملك يتدخل لإرجاع الأمور إلى نصابها في بعض القضايا والحالات بمبادرة منه أو بطلب من الأطراف، وهذا ليس وليد اليوم، بل حتى إبان ما كان يسمى «سنوات الرصاص»، كانت دائما هذه المرجعية لدى الملك يحافظ عليها ويتفاعل معها الآخرون وهي التي سمحت بأن نجتاز الكثير من الظروف الصعبة باعتبار أنه في بعض الأحيان قد تطغى فئة على أخرى أو تتجاوز معها الحدود، ولكن يأتي تدخل الملك ليرجع الأمور، في قضية أو إشكالية معينة بين أطرافها، إلى نصابها. جلالة الملك في أكثر من مرة أنصف الحكومات السابقة باعتبار أنها حققت للمغرب أمورا إيجابية وهذا لا ينفي أنه ربما كانت هنالك أمور سلبية كذلك، وفي الخطاب الأخير أثنى كذلك على الحكومة الحالية وعلى ما قامت به، أظن أن هذا إنصاف يناسب رأي المجتمع في هذه الحكومة، لأن هذه الحكومة رافقتها منذ البداية حملة إعلامية فاقدة للصواب تحاول أن تسود اللوحة مطلقا، بطبيعة الحال هذا ليس معقولا. فقرار واحد من قرارات الحكومة تكفي لإعطائها ميزة حسن عن السنوات الخمس الكاملة من ولايتها، إذ يكفي الحديث عن استعادة المبادرة في التحكم في التوازنات الماكرو - اقتصادية التي كانت تخنق البلد ليكون ذلك كافيا.

* لوحظ أن هنالك عودة إلى الهدوء والتريث في الإدلاء بالتصريحات من طرف قياديين وبرلمانيين محسوبين على تيار الصقور في حزبكم، هل يمكن القول إن هذا الأمر كان يسبب مضايقة وإحراجا وإكراها وإرباكا للعمل الحكومي، وأيضا بالنسبة لعلاقتك مع مكونات الأغلبية وأطراف وازنة في الدولة، هل نفهم أو هل يمكن القول إن لكم دورا في الحد أو التقليل من ذلك؟

- هل ذلك كان يحرج؟ بالتأكيد، لأنه يجب ألا تنسى أن حزبنا هو حديث عهد بالمعارضة، وفي المعارضة بطبيعة الحال يكون النفس العام احتجاجيا، ولا شك أن بعض الإخوة في الحزب في مختلف مستويات المسؤولية لم يستوعبوا التحول الذي وقع بسرعة، فكانت بعض التصريحات محرجة بكل صراحة، لكن أضرارها جعلت الإخوة ينتبهون، وقد يراجعون تقدير المسؤولية في تلك التصريحات.

* لقد انتخبت حركة التوحيد والإصلاح (الجناح الدعوي للحزب) على رأسها رجلا معروفا باعتداله وتغليبه لجانب التعقل السياسي على التشدد الدعوي، هل يمكن القول إنه بصعود عبد الرحيم الشيخي إلى رئاسة الحركة تقطعون مع مرحلة سيطرة الفقهاء والعلماء على التوجيه العام للحركة؟

- ليست القضية قضية فقه، بالعكس فالمطلوب دائما هو الفقه في الدين، والمطلوب أيضا هو العلم بالواقع. التشدد ليس مرتبطا بالفقهاء والعلماء، التشدد يكون هنا وهناك، ويكون أكثر حيث لا يكون الفقه الصحيح هو الغالب، لكن اختيار الأخ عبد الرحيم الشيخي دليل على أن مؤسسات الحركة تقدر جيدا المرحلة، وتقدر جيدا حاجتها إلى شخص معتدل ومتزن وهادئ وقادر على تدبير مرحلة فيها حرج . وأظن أنه كان توفيقا من الله سبحانه وتعالى، لأنه ونحن ذاهبون إلى الجمع العام لم يكن هذا الاسم راجحا. صحيح، لقد جرى فرزه ضمن المرشحين الـ5 بيد أنه لم يكن راجحا من حيث الترتيب الأولي، وجاء اسمه في آخر لائحة المرشحين. إذ كانت تسبقه 4 أسماء، إذن، أرى أن هذا الاختيار بعد توفيق الله تعالى هو من بركة الشورى الحقيقية داخل الحركة.

* لديكم حساسية تجاه التمويل الأجنبي للجمعيات الفاعلة في المجتمع المدني، حيث يبدو أنكم تشرفون على التنسيق بين المجلس الأعلى للحسابات والأمانة العامة للحكومة من أجل تفعيل إجراءات المراقبة والتقييم والتتبع، هل تخشون من اختراقات يقوم بها المال الأجنبي في قضايا تعتبرون أنها تمس مقومات وهوية البلد وثوابته؟

- القضية ليست مرتبطة بحساسية أو عدم حساسية، الدولة اليوم أي دولة يجب ألا تكون نائمة، بل مستيقظة، وتعرف ماذا يقع، المشكلة ليست مشكلة تمويل أجنبي أو داخلي، المشكلة هي مشكلة قانون، هل تحترم القانون أو لا تحترمه؟ إذا كنت تحترم القانون لا يمكن أن يقع لك أي شيء، إذا لم تكن تحترم القانون ربما استفدت من مرحلة كان فيها تساهل أو غض الطرف، لكن الظروف الدولية تسير في اتجاه أن تكون أكثر حرجا. فلا بد للدولة أن تنتبه إلى أوضاعها وظروفها وما يجري فيها، وتميز ما يقع، وما هو خطير وما ليس بخطير، ثم كذلك لا بد للدولة أن تحرص على تطبيق القانون، لهذا فقد تكلمت مع السيد وزير الداخلية بشأن ذلك أكثر من مرة، وهو يرى أن القضية بالنسبة لنا هي قضية تطبيق القانون. والذي لا يطبق القانون لا يجب أن يعتبر نفسه مسموحا له أن يفعل ما بدا له، ربما بعض الجمعيات لم تألف هذا من الدولة في السابق، واليوم ترى تصرفا مختلفا، لكن في كل الأحوال نحن نجتهد في احترام القانون.

* ما فتئتم تؤكدون على ضرورة احترام الهوية في البرامج التعليمية والدعوة إلى تقوية المدرسة العمومية، والإعلاء من شأن اللغة مع الانفتاح على اللغات الأخرى، هل تعتقدون أن هذه الرؤية قد تجد وسائل لتنفيذها في الوقت الذي يعرف عن وزير التربية أنه ذو ميولات فرانكفونية، وأنه يشجع إحداث نظام بكالوريا (ثانوية عامة) دولية فرنسي وإسباني في المدرسة العمومية، ما تعليقكم على ذلك؟

- الحوار بشأن هذه المواضيع في المغرب قديم، هناك توجهات مختلفة، وهناك من يظن أن مشكلة التعليم هي في لغة التدريس وهناك من عنده صورة مختلفة ويظن أن المشكلة ليست في لغة التدريس، وإنما المشكلة في الارتخاء والتهاون الذي أصاب المنظومة التعليمية بحيث هناك اليوم ما يشبه الإجماع على أن تلك المنظومة لا تقوم بالدور الذي يجب أن تقوم به، وكما لا يخفى عليك، فإن جلالة الملك، في المرحلة الأخيرة، أعاد إحياء المجلس الأعلى للتعليم بعد أن توقف منذ سنة 2008، وداخل المجلس في صيغته الجديدة هناك فرصة للحوار بين الأطراف المعنية بالموضوع ذلك أنه توجد فيه تمثيلية واسعة ستصدر عنه توجهات هي بطبيعة الحال ليست ملزمة، ولكنها توجهات أساسية ورئيسة، وسيكون لها أثر في تسيير الشأن العام التربوي. وبالنسبة للسيد الوزير، فهو يعرض علي مبادراته في هذا المجال وفيما يخص البكالوريا الدولية، فليس الوزير الحالي هو من أحدثها، بل الوزير الذي سبقه، وهي نتيجة اتفاق سابق جرى عام 2008، أي قبل مجيء هذه الحكومة. وعموما فإن هناك عزيمة كاملة لإصلاح منظومة التعليم بما يلزم، لكن ليس هنالك بعد اتفاق شامل على المقاربة التي ستنبني عليها هذه الإصلاحات.

* أعلنتم مرارا أنكم ستواصلون اتخاذ قرارات اقتصادية ومالية واجتماعية تراعي المصلحة العامة للبلد، ولا تخشون عواقبها وتأثيراتها السلبية على شعبيتكم وعلى رصيدكم الانتخابي في الانتخابات المقبلة، إذا سجل تراجع في رصيدكم الانتخابي هل سيكون ذلك أمرا مقبولا ومفهوما خصوصا أن الملك في خطابه الافتتاحي أمام البرلمان قال بوضوح إنه يرفض الطعن السياسي في الانتخابات من طرف من يخسرون؟

- أولا الطعن السياسي تكلمنا عنه ولم يعد واردا. ثانيا، ليس هناك حكومة ستنجز أمورا لصالح البلد لا تتأثر شعبيتها، لأن الإصلاحات على الأقل في مراحلها الأولى تقتضي تدابير وإجراءات لا تكون مريحة، خذ شخصا عنده زراعة أراد أن يستبدلها بزراعة أخرى أكثر إنتاجية، مثلا شخص يزرع الحبوب في أرضه كلها قرر أن يعوض الحبوب بأشجار الزيتون، سيحتاج أن يقنع أسرته بأن تقتصد خلال 3 إلى 5 سنوات الأولى من زراعته لشجر الزيتون إلى أن تبدأ في الإنتاج فتستبدل خيرا بخير أكبر، لأن شجرة الزيتون لن تعطيك كالحبوب في السنة الأولى، وستكون بداية عطائها بعد 3 أو 5 سنوات، حسب الأنواع، ولكن إذا صبرت وتفهمت تأتيك الحبوب مما تبقى من الأرض والزيت يأتيك من الجديد ويكون غذاؤك أحسن. فالإصلاح مكلف دائما لكن مع ذلك أنا لست انتحاريا، يعني لست هنا لكي أنتحر وحزبي سياسيا، فهذا أمر غير معقول، لأن الحزب هو أداة من أدوات الإصلاح فلا بد من الحفاظ على أداتك لضمان استمرارية الإصلاح، وبالتالي لا بد من التوازن. وحين أصرح بأنني لا آخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات .فهنالك سببان، الأول، هو أن الحزب جاء ليخدم الدولة، يجب أن تكون الأمور واضحة، إذا هناك أولوية للدولة قبل الحزب، لأن الدولة مطلوب منها أن تستمر وتتقوى، لأنها إذا استمرت وتقوت حتى من لم يصل إليه شيء اليوم يمكن أن يصل إليه غدا. المسألة الثانية هي أنني مقتنع كذلك بأن المغاربة سيحسنون تقدير هذه الإصلاحات أثناء الانتخابات، وهذا الآن بدأ يقال بصراحة، جريدة نشرت أخيرا خبرا مفاده أن شخصا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قال إن إصلاح التقاعد ضروري، ولكن لا أريده أن يحسب لصالح هذه الحكومة، المغاربة مختلفون عن الأوروبيين، في أوروبا إذا مسست شخصا في مداخيله يقوم ضدك. في المغرب الشخص يرى ماذا تقصد؟ إذا علم أن ما تريده في الحقيقة هو مصلحته في النهاية سوف يناصرك داخليا، وإن استطاع خارجيا. والمغاربة مقتنعون أن ما قمنا به سواء تعلق الأمر بقضية صندوق المقاصة أو أسعار المحروقات أو قضية الماء والكهرباء أو ما تعلق بالإصلاحات الأخرى، في صالحهم، والآخرون يشعرون أنهم ضحية حملة تسميم إعلامي، ويلاحظون أن الجهات التي تقوم بها، هم يعرفونها ومستوى مصداقيتها، هم يعرفون حميد شباط (أمين عام حزب الاستقلال المعارض)، ومن شابهه ومن دخل في حلفه، ويعرفون إلياس العماري (نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة المعارض) ويعرفون إدريس لشكر (أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض)، وانظر إلى استطلاعات الرأي فهم مجتمعون لا يصلون إلى 20 أو 30 في المائة، وأولهم لا يصل إلى نسبة 14 في المائة، المغاربة يعرفونهم ويقولون «هؤلاء لا يريدون الخير للبلد. هؤلاء أصحاب مصالح». والحكومة الحالية تحاول الإصلاح، لذلك أنا لست خائفا على شعبيتي وشعبية حزبي، على كل حال ما زالت استطلاعات الرأي تعطينا أكثر من 50 في المائة، وأنا أظن أن هذا كاف.

* لقد استطاعت حكومتكم الصمود والبقاء في مكانها رغم أن الربيع العربي أصبح خريفا، ما كلمة سر ذلك، وما هي الوصفة السحرية التي جعلت المغرب استثناء في بحر عربي متلاطم؟

- نحن عنصر في هذا التميز، ولسنا صانعيه. وللحقيقة فإن هذا التميز المغربي قديم منذ المولى إدريس (مؤسس دولة الأدارسة) رحمه الله، نحن شعب بقدر الله، وبخصوصية أبنائه لم نخضع لما خضعت له الجغرافيا العربية الإسلامية إلى حدود الجزائر، حتى نكون واضحين، فليس صدفة أن النفوذ العثماني جاء إلى الجزائر وتوقف، والنفوذ الفرنسي وقف عند حدود الجزائر أيضا من 1830 إلى 1912، وحتى حين دخل الفرنسيون إلى المغرب دخلوا في شكل حماية ولم تتجاوز مدتها 4 عقود وبضع سنوات. هذا الشعب لديه هذه الخصوصية وهذا التميز، وحتى بعد الاستقلال استمر هذا التميز فالتيار الذي جاء من الشرق، وكانت لديه صبغة عروبية وقومية ويسارية وثورية، عصف بدول سابقة وغير أنظمتها، وجاء بالبعث في العراق وسوريا، والشيوعيين في اليمن الجنوبية. كان له كذلك تأثير في المغرب، ولكن هذا التأثير في إطار التميز المغربي تحول إلى ظاهرة استفاد منها المغرب، وإن كان قد عانى من ذلك، ومن جهة أخرى، لم ترتبك، إذا شئنا أن نقول، التوازنات الأصلية للبلاد، وهو ما وقع أيضا لما جاءت رياح الربيع العربي، المغرب تأثر وخرج الناس من مدن متعددة، ولكنَّ أمرين وقعا هما أن الناس لم يخرجوا عن بكرة أبيهم، إذ كان هنالك شعور بالخطر إذا خرج الناس عن بكرة أبيهم، بل خرج المئات والآلاف في كل المدن، ولم يصلوا إلى حد ما وقع في الدول الأخرى أي المطالبة بإسقاط النظام. وفي هذا الإطار برز دورنا، حيث دعونا إلى الإصلاح تجاوبا مع مطالب الشارع مع الحفاظ على استقرار البلد ونظامه الذي هو بالنسبة للمغاربة ليس نظاما سياسيا والسلام، بل ضمانة. المغاربة عندهم شعور أن النظام الملكي هو ضمانة لهم، وأن لديهم تاريخا ويخشون من طغيان الفئات والمؤسسات والهيئات والقبائل والأجناس واللغات، بعضها على بعض، ولهذا ستلاحظ شيئا ربما في المغرب وحده، كل فئة تحتج ترفع صورة الملك، حتى شخص واحد يحتج يرفع صورة الملك، إذا أخرج من بيته يحتج ويرفع صورة الملك، قبيلة إذا ظلمت في مائها أو في مرعاها أو في أرزاقها تخرج وترفع صورة الملك، إدارة إذا خرجت تحتج ترفع صورة الملك. فالملكية في المغرب وطبيعتها ضمانة بالنسبة للمغاربة. والإنسان العاقل لا يغامر بضمانته، يمكن أن تكون عنده ملاحظات على السياسات، هذا أمر طبيعي. لكن بين هذا وبين المغامرة بالأساس الذي بني عليه الأمر، فهذا يجب ألا يكون.

* ذكرت الجزائر.. المراقبون يرون أن البلد الجار يعيش فوق بركان قابل للانفجار في أي لحظة، ماذا فعلتم أو هل تفكرون في المغرب بتدابير للحيلولة دون أن تصل إلينا شرارات أي انفجار محتمل؟

- نحن أولا وقبل كل شيء عواطفنا كدولة مع الدولة الجزائرية هي أننا نرجو أن لا يقع فيها أي مكروه، هذه عواطف طبيعية للأخوة في حقوق الإخوة، ولكن هناك أيضا مصالحنا. مصالحنا هي ألا يقع في الجزائر أي مكروه لأنه لا قدر الله إذا وقع شيء سيئ لا يمكن أن لا يتأثر البلد المجاور بذلك، إن كان خيرا سيكون خيرا وإن كان شرا سيكون شرا. المسألة الثالثة تكمن في أن الظروف الدولية لا تسمح اليوم بأن تضطرب الجزائر لا قدر الله، لكن مع الأسف الشديد أظن أن إخواننا في الجزائر لا يفكرون بنفس المنطق، ولكن نحن عندنا منهج منذ عهد الملك الحسن الثاني رحمه الله، بل من قديم، هو أننا لا نتدخل في شؤون الدول المجاورة بصفة عامة، واحتياطاتنا هي أن نحمي حدودنا وما بعد حدودنا إلى الداخل، أما لو طلبت منا أي دولة أخرى من دول الجوار شيئا فنحن مستعدون، لكن خارج ذلك نحن فقط نتكفل ببلدنا وهذا هو توجه الدولة.

* شهدت الآونة الأخيرة ارتفاع أصوات صحافية تنتقد موقف حزبكم من الوضع السياسي القائم حاليا في مصر منذ إزاحة الرئيس الأسبق محمد مرسي وصولا إلى انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسا، حيث لم يعد خافيا تضامنكم المطلق مع تجربة «الإخوان» في الحكم بمصر، الأمر الذي يعرض حسب هذه الأصوات علاقة الدولة المغربية بالدولة المصرية للانتكاسة، ما حقيقة موقفكم؟

- أولا وقبل كل شيء السياسة الخارجية، حتى أكون واضحا معك، هي أمر استراتيجي، وفي الأمور الاستراتيجية الذي يرسم السياسات ويتخذ القرارات الكبرى هو جلالة الملك. فعلاقتنا بمصر، الذي يرسم توجهاتها ويتخذ قراراتها هو جلالة الملك، وأنا بصفتي رئيسا للحكومة ملزم بسياسة الدولة، لا يمكن أن نتلاعب في هذه الأمور. الأشخاص أو الجمعيات في المغرب لا يمكن أن نتحكم فيها أو فيما تقول أو تفعل، هذا يجب أن يفهم. لأن المغرب بلد يحترم حرية الأشخاص والأفراد والهيئات، ولكن سياسة الدولة الخارجية التي يرسمها جلالة الملك، ملزمة للحكومة، وأنا احترمها، وأنا ملزم بها، ولم يصدر ولن يصدر عني أي موقف مخالف لهذا، ولكن لا يمكني أن أتدخل في تفاصيل هذا الشاب أو هذه الشابة أو هذه الحركة بشأن موقفها من هذا أو ذاك.
أما فيما يخص التقدير العام، فنحن اليوم بصدد النظر إلى أمة وإلى وطن أساسي هو مصر، كما بالنسبة لبلدنا وبالنسبة للبلدان الأخرى «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». نحن الذي نريده هو أن ينجو البلد أولا، وإذا كان من الممكن ألا تقصي العملية السياسية وتوفر فرصا لإدماج كافة مكونات المجتمع فهذا أصوب وارشد.

* هل من زيارة قريبة لمصر؟

- ليس الآن.. ليس هنالك شيء مرتبط بهذه الزيارة لا من جهة الأجندة الشخصية، ولا من جهة توجيهات جلالة الملك.

* كانت حكومتكم سباقة في المنطقة العربية في تقديم مشروع قانون يجرم الالتحاق بتنظيم داعش، كيف تقرأون ظهور «داعش» في هذه الظرفية الحرجة التي يمر بها العالم العربي، وإلى أي مدى خلط ظهور هذا التنظيم الأوراق لدى الجماعات الإسلامية أو الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وما هو موقفكم صراحة منه؟

- أنت تتحدث عن مشروع قانون قدمناه، وتسألني عن موقفي، هذا ليس موقفا وإنما هو قانون يجرم الخروج من البلد في اتجاه أي بلد آخر للقيام بأعمال إرهابية، هذا الموقف واضح وضوح الشمس في الظهيرة، نحن تقديرنا أن هذه الظاهرة تبقى إلى حد الآن غير مفهومة لا في نشأتها ولا في أسلوبها.

* تقصد ظاهرة شيطانية؟

- لا أريد أن أدخل في هذه التفاصيل، لكن الذي لا شك فيه هو أن تردد المنتظم الدولي في القيام بواجبه الإنساني في الوقوف بوجه النظام السوري في وقت معين لما كان الناس يقتلون بالمئات يوميا، وخصوصا لمَّا قُتل الناس الآمنون في بيوتهم بالمواد الكيماوية، وكذلك لما بالغ رئيس الحكومة العراقية السابق غير المأسوف عليه، في قمع وإرهاب سكان المناطق السنية في العراق، حضرت الظروف لبروز شيء ما والذي يبدو، والله أعلم، أنه كان بتدبير أجهزة سوريا، لكن لا أستطيع أن أقول لك ماذا وقع بالضبط، لكن تقديري أن هذه الظاهرة غير قابلة للحياة. بالنسبة للمجتمع الإسلامي، هذه الظاهرة شبيهة بظواهر أخرى كانت في وقت من الأوقات في الأمة الإسلامية، هؤلاء أشبه الناس بالخوارج. لم تعش هذه الظاهرة في العالم الإسلامي،وجدت وأزعجت في مرحلة من المراحل ثم توقفت. كذلك هذه الظاهرة لا يمكن أن تكون مقبولة في هذا العصر، ولكن المشكلة تكمن في الإرادة الحازمة للمجتمع الدولي في معالجة أسبابها، هذه هي المشكلة الحقيقية، وخطاب جلالة الملك الذي تلوته في الأمم المتحدة، أشار إلى أنه بصفة عامة هذه الظواهر التي تسمى إرهابية معالجتها لا تكون بالمقاربة الأمنية وحدها، بل لا بد من معالجة أسبابها ودوافعها في الصميم، في نفس الوقت الذي لا بد فيه كذلك من وجود مقاربة أمنية.



أكثر من 200 شخص يؤدون القسم لسد عجز مستشفيات أم درمان

صورة التقطت عبر القمر الاصطناعي تظهر حرائق مشتعلة بالقرب من مستشفى في الخرطوم في 16 أبريل 2023 (أرشيفية- أ.ب)
صورة التقطت عبر القمر الاصطناعي تظهر حرائق مشتعلة بالقرب من مستشفى في الخرطوم في 16 أبريل 2023 (أرشيفية- أ.ب)
TT

أكثر من 200 شخص يؤدون القسم لسد عجز مستشفيات أم درمان

صورة التقطت عبر القمر الاصطناعي تظهر حرائق مشتعلة بالقرب من مستشفى في الخرطوم في 16 أبريل 2023 (أرشيفية- أ.ب)
صورة التقطت عبر القمر الاصطناعي تظهر حرائق مشتعلة بالقرب من مستشفى في الخرطوم في 16 أبريل 2023 (أرشيفية- أ.ب)

أدى 230 من الكوادر الطبية القسَم أمام حكومة ولاية الخرطوم، بعد اجتيازهم للامتحانات في 17 تخصصاً، للحصول على شهادة مزاولة المهنة، وذلك للدفع بهم لسد النقص في المستشفيات العاملة في أم درمان، بالعاصمة السودانية التي تعاني من شح في الأيدي العاملة بهذا القطاع، نتيجة للحرب الدائرة منذ أبريل (نيسان) العام الماضي، بين الجيش و«قوات الدعم السريع».

وأدت الحرب إلى نزوح أعداد كبيرة من الكوادر الطبية للولايات الآمنة، بالإضافة إلى هجرة واسعة للأطباء إلى خارج البلاد، وفقاً لـ«وكالة أنباء العالم العربي».

وقال مدير مجلس المهن الطبية والصحية بولاية الخرطوم، أيمن يوسف، إن المجلس استأنف عمله بأم درمان في الأول من فبراير (شباط) الماضي، استجابة لمطالب نحو 500 من خريجي الكليات الطبية والصحية، للحصول على التراخيص اللازمة لمزاولة العمل وفقاً للوائح المهن الطبية في البلاد.

وكانت «منظمة الصحة العالمية» قد حذّرت من أن مستشفيات السودان على شفا الانهيار، وعبر تصريحات لـ«الشرق الأوسط» تحدثت المديرة الإقليمية لشرق المتوسط، حنان حسن بلخي، في أبريل، عن «فجوة دوائية» في البلاد، في وقت تتفشى فيه الأمراض الوبائية بين السكان.

وكشفت كذلك عن أن «نحو 70 إلى 80 في المائة من المستشفيات في الولايات المتضررة من النزاع لا تعمل، إما بسبب الهجمات التي تطولها، وإما لنقص اللوازم الطبية ومستلزمات التشغيل، وإما لنقص العمالة الصحية».


فصائل عراقية تعلن ضربها «هدفاً حيوياً» في إيلات جنوب إسرائيل

ميناء إيلات الإسرائيلي (أرشيفية- رويترز)
ميناء إيلات الإسرائيلي (أرشيفية- رويترز)
TT

فصائل عراقية تعلن ضربها «هدفاً حيوياً» في إيلات جنوب إسرائيل

ميناء إيلات الإسرائيلي (أرشيفية- رويترز)
ميناء إيلات الإسرائيلي (أرشيفية- رويترز)

قالت فصائل عراقية مسلحة اليوم (الأحد) إنها استهدفت بالطيران المُسيَّر «هدفاً حيوياً» في إيلات جنوب إسرائيل.

وأشارت فصائل «المقاومة الإسلامية في العراق» في بيان على «تلغرام» إلى أن الاستهداف يأتي رداً على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المستمرة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مؤكدة استمرارها في تنفيذ عمليات من هذا النوع، حسبما أفادت «وكالة أنباء العالم العربي».


صاروخ يصيب ناقلة نفط في ختام الشهر السادس من الهجمات الحوثية

صواريخ الحوثيين ومسيّراتهم تهدد سفن الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن (رويترز)
صواريخ الحوثيين ومسيّراتهم تهدد سفن الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن (رويترز)
TT

صاروخ يصيب ناقلة نفط في ختام الشهر السادس من الهجمات الحوثية

صواريخ الحوثيين ومسيّراتهم تهدد سفن الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن (رويترز)
صواريخ الحوثيين ومسيّراتهم تهدد سفن الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن (رويترز)

تعرّضت ناقلة، نفط ترفع علم بنما، لهجوم صاروخي في جنوب البحر الأحمر، في مستهل الشهر السابع منذ بدء الهجمات الحوثية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث أُبلغت هيئتان بريطانيتان متخصصتان في الأمن البحري بإصابة السفينة بأضرار طفيفة وتلقيها المساعدة لمواصلة الإبحار.

وفي حين لم تتبنَّ الجماعة الحوثية المدعومة من إيران الهجومَ على الفور، كانت قد تبنت، (الجمعة)، إسقاطَ طائرة أميركية من دون طيار كانت في أجواء محافظة مأرب.

وأفادت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية (السبت) بأنها تلقت بلاغاً عن تعرُّض سفينة لأضرار طفيفة؛ نتيجة هجوم على بعد 76 ميلاً بحرياً شمال غربي الحديدة مساء الجمعة، وأن القبطان أكد تعرُّض الناقلة لأضرار طفيفة بعدما ضربها جسمٌ مجهولٌ، وأن الطاقم بأمان.

في السياق نفسه أفادت «أمبري» البريطانية للأمن البحري، بأنها تلقت معلومات عن تعرُّض ناقلة نفط ترفع علم بنما لهجوم بصاروخ على بُعد نحو 10 أميال بحرية جنوب غربي المخا؛ ما أدى إلى نشوب حريق على متنها. وأضافت في بيان لاحق أنها تلقت معلومات عن حصول السفينة على مساعدة.

وتهاجم الجماعة الحوثية السفنَ في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي منذ 19 نوفمبر الماضي، تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة، ومحاولة منع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل بغض النظر عن جنسيتها، وكذا السفن الأميركية والبريطانية، كما أعلنت أنها ستُوسع الهجمات إلى البحر المتوسط.

وكان المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع، زعم، (الجمعة) أن جماعته أسقطت طائرة أميركية من دون طيار من طراز «إم كيو 9» عندما كانت تحلق، الخميس، فوق مأرب، مدعياً أنها الطائرة الرابعة التي أسقطتها الجماعة منذ بدء تصعيدها البحري قبل 6 أشهر.

18 سفينة

أصابت الهجمات الحوثية نحو 18 سفينة منذ بدء التصعيد، وتسببت إحداها، في 18 فبراير (شباط) الماضي، بغرق السفينة البريطانية «روبيمار» بالبحر الأحمر بالتدريج.

كما أدى هجوم صاروخي حوثي في 6 مارس (آذار) الماضي إلى مقتل 3 بحّارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس».

أفراد السفينة «غالاكسي ليدر» المحتجزون لدى الحوثيين منذ 6 أشهر (أ.ب)

وإلى جانب الإصابات التي لحقت بالسفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر» التي قرصنتها في 19 نوفمبر الماضي واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف شمال الحديدة، حيث حوّلتها إلى مزار لأتباعها.

وأقرّت الجماعة، الأسبوع الماضي، بتلقي 5 غارات، وصفتها بـ«الأميركية والبريطانية»، استهدفت مواقع في مطار الحديدة جنوب المدينة، وهو مطار خارج عن الخدمة منذ سنوات، تستخدمه الجماعة لتنفيذ الهجمات البحرية.

كما تبنت الجماعة، الأربعاء الماضي، مهاجمة مدمرة أميركية وسفينة شحن في البحر الأحمر، وزعمت إصابتهما، في حين لم تؤكد وكالات الأمن البحري وقوع أي حادث.

وقال زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، في أحدث خطبه، إن قواته هاجمت أكثر من 100 سفينة أميركية، في البحر الأحمر وخليج عدن بالصواريخ والمسيّرات. وتوعد باستهداف السفن كافة في العالم التي تنقل البضائع إلى الموانئ الإسرائيلية، بغض النظر عن جنسيتها.

وادعى الحوثي تنفيذ 40 هجوماً ضد إسرائيل بـ211 صاروخاً، وحضّ أتباعه على الاستمرار في المظاهرات والفعاليات والتعبئة العسكرية. وقال إن جماعته منذ بدء الأحداث في غزة «تمكّنت من تعبئة وتدريب أكثر من 300 ألف مسلح، كما نفّذت 735 مناورة عسكرية».

الصيادون اليمنيون باتوا عرضة للمخاطر بسبب هجمات الحوثيين والضربات الغربية المضادة (أ.ف.ب)

وأثّرت هجمات الحوثيين، بحسب الجيش الأميركي، على مصالح أكثر من 55 دولة، وهدّدت التدفق الحر للتجارة عبر البحر الأحمر، وهو حجر أساس للاقتصاد العالمي، ودفعت الهجمات أكثر من 10 شركات شحن كبرى إلى تعليق عبور سفنها عبر البحر الأحمر؛ ما تسبب في ارتفاع أسعار التأمين على السفن في المنطقة.

هروب من السلام

تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة الحوثية تنفذ أجندة إيران في المنطقة، وتسعى للهروب من استحقاقات السلام، وتتخذ من غزة ذريعة للمزايدة السياسية.

ويجزم مجلس القيادة الرئاسي اليمني أن الحلّ ليس في الضربات الغربية لوقف هجمات الحوثيين، ولكن في دعم قواته المسلحة لاستعادة الأراضي كافة من قبضة الجماعة، بما فيها الحديدة وموانئها.

وأطلقت واشنطن تحالفاً دولياً، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، سمَّته «حارس الازدهار»، لحماية الملاحة في البحر الأحمر، وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها على الأرض، حيث شاركتها بريطانيا في 4 مناسبات. كما شارك عدد من سفن الاتحاد الأوروبي ضمن عملية «أسبيدس» في التصدي لهجمات الجماعة.

وبلغ عدد الغارات الأميركية والبريطانية ضد الحوثيين على الأرض أكثر من 450 غارة، واعترفت الجماعة بمقتل 40 من عناصرها وإصابة 35 آخرين، جراء هذه الضربات.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي خلال حضور القمة العربية في المنامة (سبأ)

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، في أحدث تصريحاته، إن الجماعة الحوثية «تواصل الهروب من استحقاق السلام، ودفع رواتب الموظفين، إلى خيار الحرب والتباهي باستهداف المنشآت النفطية، وخطوط الملاحة الدولية التي أضرت بالقضية الفلسطينية».

ووصف العليمي الجماعة بأنها «مارقة (...) لا تملك من الرصيد الأخلاقي ما يؤهّلها للدفاع عن القضايا العادلة»، واتهمها بأنها «تسببت بمقتل أكثر من نصف مليون يمني، وتشريد أكثر من 4 ملايين آخرين»، مشيراً إلى أنها «حاصرت المدن، وصادرت الممتلكات، وفجَّرت المئات من دور العبادة، والمنازل، وأغرقت اليمن بأسوأ أزمة إنسانية في العالم». وفق تعبيره.


اليمن يتحفظ على توصية أممية بشأن السفينة الغارقة «روبيمار»

السفينة البريطانية الغارقة في البحر الأحمر جراء هجوم حوثي (أ.ف.ب)
السفينة البريطانية الغارقة في البحر الأحمر جراء هجوم حوثي (أ.ف.ب)
TT

اليمن يتحفظ على توصية أممية بشأن السفينة الغارقة «روبيمار»

السفينة البريطانية الغارقة في البحر الأحمر جراء هجوم حوثي (أ.ف.ب)
السفينة البريطانية الغارقة في البحر الأحمر جراء هجوم حوثي (أ.ف.ب)

تحفظت الحكومة اليمنية على توصيات فريق خبراء الأمم المتحدة بشأن السفينة البريطانية «روبيمار» والتي غرقت مع حمولتها من الوقود وشحنة من الأسمدة الخطيرة قبالة السواحل اليمنية في مارس (آذار) الماضي بعد أن استهدفها الحوثيون؛ إذ أفاد الفريق بأنه لا يمكن انتشال السفينة من موقعها، وأنه يفضل تركها لتغرق في قاع البحر.

ووفق مسؤول رفيع في الحكومة اليمنية، فإن فريق خبراء الأمم المتحدة الذي جاء لمساعدة الجانب الحكومي على دراسة وضع السفينة وحمولتها وكيفية تجنيب سواحل البلاد كارثة بيئية نتيجة تسرب حمولتها من الأسمدة الخطيرة والوقود، رأى في تقرير له أنه لا يمكن انتشال السفينة من موقعها، وأن حمولتها يمكن أن تتسرب بشكل تدريجي، وقلل من أثرها على البيئة البحرية.

مخاطر بيئية واقتصادية بسبب غرق السفينة البريطانية «روبيمار» (تلفزيون الجمهورية)

وذكر المسؤول اليمني لـ«الشرق الأوسط» أن الجانب الحكومي ما زال يتشاور مع الجانب الأممي عقب هذه التوصيات، وهذا الفهم لوضع السفينة الغارقة، واعتبر هذه النتائج انعكاساً لمبالغة الخبراء الأمميين في تقديراتهم بشأن متطلبات انتشال السفينة الغارقة والتي تحمل 20 ألف طن من الوقود وأكثر من 24 ألف طن من الأسمدة الخطيرة. وقال إن الجانب الحكومي لديه رؤية مختلفة، ويعتقد أن هناك إمكانية لإنقاذ الموقف وانتشال السفينة قبل غرقها.

وبحسب ما أفاد المسؤول اليمني الذي طلب حجب هويته، فإن الزيارة الأخيرة لرئيس لجنة الطوارئ وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي رفقة المختصين في الشؤون البحرية وهيئة حماية البيئة إلى الساحل الغربي وموقع السفينة الغارقة تحديداً، كانت على خلفية هذه النتائج والتوصيات التي خرج بها الفريق الأممي، وأكد أن التواصل مستمر مع الجانب الأممي لمناقشة هذه الاستنتاجات والتأكيد على موقف الجانب الحكومي بهذا الخصوص.

تكلفة كبيرة

فريق الأمم المتحدة الذي فحص السفينة رأى أنه لا يمكن انتشالها بسبب التكلفة المالية الكبيرة التي تحتاجها العملية ونقص المعدات اللازمة لذلك، ولهذا اقترح ترك السفينة في موقعها ومواصلة مراقبتها من خلال مركبة يتم تشغيلها عن بعد، وتكثيف الرقابة في الشريط الساحلي لرصد أي تسرب للوقود من حمولتها والاستفادة من الإمكانات التي توافرت لمواجهة أي تسرب نفطي في الساحل الغربي عند تنفيذ عملية إفراغ الناقلة «صافر» من حمولتها إلى ناقلة بديلة، طبقاً للمصدر اليمني الرسمي الذي أضاف أن الخبراء قالوا في تقريرهم إنهم يأملون أن تغرق السفينة في مرحلة ما في قاع البحر وتتسرب حمولتها من الأسمدة تدريجياً، مما يسمح للأسمدة بالتحلل، وبالتالي لن تكون هناك أضرار كبيرة على البيئة البحرية.

وزير المياه والبيئة اليمني في موقع غرق السفينة البريطانية في البحر الأحمر (إعلام حكومي)

لكن الجانب الحكومي اعتبر ما جاء في التقرير مجرد أمنيات لا تستند على حقائق؛ لأن الخشية هي أن ينشطر جسم السفينة ويحدث تسرب كبير للحمولة وعندها سيحدث ما كان يُخشى منه؛ إذ سيؤدي تسرب هذه الأسمدة إلى تكوين الطحالب بكميات كبيرة وحجب الضوء عن المصايد، ما يؤدي إلى هجرة الأسماك من المنطقة بشكل كامل.

وأوضح المسؤول اليمني أن غرق السفينة وتسرب حمولتها سيجعل أمر انتشال حطامها أكثر صعوبة؛ لأنها ستكون على عمق أكبر وستحتاج إلى معدات وآليات مختلفة عن المعدات اللازمة لانتشالها الآن، وأمل أن يؤدي النقاش مع الجانب الأممي إلى تغيير هذا الموقف، وأن يعمل الجانبان على انتشال السفينة بأقرب وقت ممكن؛ لأن الأضرار ستكون عالية على البيئة البحرية والصيادين في اليمن.

وكان وزير المياه والبيئة في الحكومة اليمنية توفيق الشرجبي، زار موقع غرق السفينة «روبيمار» لتقييم الوضع والمراقبة عن كثب لمعرفة ما إذا كانت شحنة الوقود والأسمدة غير العضوية على متنها قد بدأت بالتسرب إلى المياه.

وقال الشرجبي إنه تأكد من خلو محيط السفينة والسواحل من أي تلوث قد ينجم عن تسرب شحنة الأسمدة من السفينة الغارقة، مؤكداً أنهم يراقبون الوضع عن كثب ويقومون بجميع الخطوات اللازمة لاحتواء أي تلوث بيئي في المنطقة حال حدوثه.


برامج انقلابية في مساجد صنعاء للتعبئة العسكرية

حشد حوثي في أكبر مساجد صنعاء لمتابعة خطبة زعيم الجماعة (أ.ف.ب)
حشد حوثي في أكبر مساجد صنعاء لمتابعة خطبة زعيم الجماعة (أ.ف.ب)
TT

برامج انقلابية في مساجد صنعاء للتعبئة العسكرية

حشد حوثي في أكبر مساجد صنعاء لمتابعة خطبة زعيم الجماعة (أ.ف.ب)
حشد حوثي في أكبر مساجد صنعاء لمتابعة خطبة زعيم الجماعة (أ.ف.ب)

فرضت الجماعة الحوثية برنامجاً تعبوياً جديداً في مساجد صنعاء لاستدراج سكان العاصمة اليمنية من أجل إخضاعهم لدورات عسكرية في سياق عمليات الحشد والتجنيد التي تنفذها الجماعة الموالية لإيران بذريعة مناصرة الفلسطينيين في غزة.

وذكرت مصادر يمنية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن معممي الجماعة دعوا من على منابر المساجد في صنعاء وريفها السكان إلى سرعة الالتحاق مع ذويهم من الذكور فيما أسموه «برنامجاً عسكرياً» مكثفاً تنفذه الجماعة في المساجد من بعد صلاة العصر، وحتى قبيل المغرب.

الحوثيون حولوا المساجد في مناطق سيطرتهم للتعبئة الطائفية (إعلام محلي)

ويشرِف على تمويل البرنامج الحوثي الذي يحوي سلسلة دورات عسكرية وحلقات تعبئة فكرية ما تسمى هيئة الأوقاف بالتعاون مع دائرة «التعبئة العامة» التابعة للجماعة، وفق ما ذكرته المصادر.

وقال شهود في أحياء متفرقة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن المعممين الحوثيين أكدوا أن مراكز التعبئة التي تقام في المساجد سيشرِف على تنفيذها قادة ومشرفون عسكريون، كما يتولى خطباء ومرشدون من صعدة (معقل الجماعة الرئيسي) مهمة تلقين السكان الدروس الفكرية بغية تحشيدهم إلى ميادين القتال.

وتحت مزاعم تحرير فلسطين ونصرة غزة، تنوي الجماعة بنهاية برنامجها دفع المدنيين المشاركين إلى تلقي تدريبات عسكرية ميدانية على مختلف أنواع الأسلحة في معسكرات تابعة لها.

وفي ظل أوضاع بائسة يكابدها ملايين اليمنيين، بمن فيهم الموظفون الحكوميون المحرومون من المرتبات، أكد الشهود أن معممي الجماعة نقلوا من فوق المنابر تعميمات صادرة عما تسمى «هيئة الأوقاف» حضت السكان على ترك أعمالهم وكل ما يشغلهم، والتفرغ للالتحاق في البرنامج الذي يستمر لأسابيع، من أجل إكسابهم مهارات قتالية.

وجاء البرنامج الحوثي للتعبئة في المساجد تنفيذاً لتوجيهات زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الذي دعا في أحدث خطبه إلى زيادة التعبئة العسكرية في أوساط المدنيين، معلناً عن تمكن جماعته من تعبئة وتدريب 300 ألف شخص خلال الأشهر الستة الماضية.

رفض مجتمعي

يتحدث إبراهيم وهو أحد السكان اليمنيين جوار أحد المساجد في حي السنينة بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» عن بدء الجماعة الحوثية بتحويل المساجد في نطاق الحي الذي يقطنه وأحياء أخرى مجاورة إلى منابر تحض على العنف، والقتل، والتحشيد إلى الجبهات.

زعيم الجماعة الحوثية أمر أتباعه بالخروج في تظاهرات أسبوعية لاستعراض القوة (إ.ب.أ)

ولفت إبراهيم وهو اسم مستعار، إلى خيبة أمل كبيرة مُنِيت بها الجماعة منذ أول يوم من إطلاق برنامجها بسبب المشاركة الباهتة لسكان الحي، خصوصاً المجاورين لمسجدي «عمر بن عبد العزيز» و«الفتح». مرجعاً ذلك إلى كون أغلبية اليمنيين ملّوا من الاستماع للخُطب الطائفية التحريضية، والدعوات المتكررة للالتحاق بالجبهات، وتقديم الدعم المادي والعيني.

ولا يعد هذا الاستهداف الحوثي هو الأول للسكان ودور العبادة، فقد سبق للجماعة أن صعَّدت على مدى السنوات المنصرمة من حجم جرائمها وانتهاكاتها بحق حرمة المساجد، مضافاً إليها شن حملات مضايقة واعتداء وتجنيد قسري، طالت مرتادي المساجد، ووصلت بعض الانتهاكات إلى حد القتل والإصابة.

وكانت تقارير حكومية عدة حذَّرت في أوقات سابقة من خطورة استمرار تحويل دور العبادة والمساجد في صنعاء، وبقية المناطق تحت سيطرة للجماعة، إلى ثكنات ومراكز مغلقة لاستقطاب الأطفال والمراهقين وعامة اليمنيين، وإخضاعهم لبرامج التطييف.

وتحدثت بعض التقارير عن استمرار تعرّض اليمنيين من مختلف الفئات والشرائح في مناطق سيطرة الانقلابيين؛ لمزيد من التعسفات والانتهاكات والمضايقات وفق حجج وذرائع واهية، رافقها اتهامات لكثير من السكان بسبب امتناعهم عن حضور الدورات التعبوية التي تعدّها الجماعة إلزامية على الجميع.

أكاديميون يمنيون في جامعة إب خضعوا لدورات حوثية عسكرية (فيسبوك)

وقال المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية تعمل من داخل الولايات المتحدة، إن ما تقوم به الجماعة الحوثية حالياً من تدريب وتحشيد للسكان للالتحاق بمعسكراتها القتالية قد يساهم في تأجيج الصراع، ويتعارض مع تصريحاتها حول تحقيق السلام في اليمن، ويؤكد أن الجماعة ماضية في سياستها القائمة على العنف.

وفي حسابه على موقع «فيسبوك»، أشار المركز إلى أن إجبار الحوثيين المعلمين والقضاة والطلبة، والأكاديميين بعد ذلك في جامعة إب، على حضور الدورات القتالية يعد مساساً خطيراً بقدسية رسالة التعليم التي من المفترض أن تكون بمنأى عن التجاذبات السياسية، والصراعات المسلحة.


«الدعم السريع» تؤكد استعدادها لفتح مسارات آمنة لسكان الفاشر

صبي يحمل طفلاً وهو يقف بجانب أطفال آخرين يجلسون خارج خيمة في مخيم للنازحين بسبب الصراع في ولاية القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)
صبي يحمل طفلاً وهو يقف بجانب أطفال آخرين يجلسون خارج خيمة في مخيم للنازحين بسبب الصراع في ولاية القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تؤكد استعدادها لفتح مسارات آمنة لسكان الفاشر

صبي يحمل طفلاً وهو يقف بجانب أطفال آخرين يجلسون خارج خيمة في مخيم للنازحين بسبب الصراع في ولاية القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)
صبي يحمل طفلاً وهو يقف بجانب أطفال آخرين يجلسون خارج خيمة في مخيم للنازحين بسبب الصراع في ولاية القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

أعلنت «قوات الدعم السريع» في السودان استعدادها لفتح «مسارات آمنة» لخروج السكان من مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تشهد منذ أسابيع اشتباكات أثارت قلق المجتمع الدولي.

وأكدت «قوات الدعم» التي يقودها محمد حمدان دقلو، في بيان نشرته عبر حسابها على منصة «إكس»، «استعداد وجاهزية قواتنا لمساعدة المواطنين بفتح مسارات آمنة لخروج المواطنين إلى مناطق أخرى أكثر أمناً يختارونها طوعاً وتوفير الحماية لهم».

ودعت سكان الفاشر إلى «الابتعاد عن مناطق الاشتباكات والمناطق المرشحة للاستهداف بواسطة الطيران، وعدم الاستجابة للدعوات الخبيثة لاستنفار الأهالي والزج بهم في أتون الحرب».

وتحذّر أطراف دولية عدة منذ أسابيع من مخاطر الاشتباكات في الفاشر، وهي المدينة الكبيرة الوحيدة في إقليم دارفور بغرب السودان، التي لا تزال خاضعة لسيطرة الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، فيما تسيطر «قوات الدعم السريع» على أربع من عواصم الولايات الخمس المشكِّلة للإقليم.

وكانت الفاشر مركزاً رئيسياً لتوزيع الإغاثة والمساعدات إلى ولايات الإقليم، الأمر الذي دفع إلى تصاعد القلق الدولي على مصير المدينة.

ونتيجة احتدام القتال في عاصمة شمال دارفور، أفادت منظمة «أطباء بلا حدود»، الأربعاء، أعلن مستشفى جنوب الفاشر، المرفق الطبي الوحيد العامل في المنطقة وتدعمه المنظمة، مقتل 56 شخصاً من بين «454 ضحية منذ الجمعة 10 مايو (أيار)... لكن من المرجح أن عدد الجرحى والوفيات أعلى بكثير».

وأدت الحرب التي اندلعت في السودان منتصف أبريل (نيسان) 2023 إلى مقتل الآلاف بينهم ما يصل إلى 15 ألف شخص في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، وفق خبراء الأمم المتحدة.

كما دفعت الحرب البلاد، البالغ عدد سكانها 48 مليون نسمة، إلى حافة المجاعة، ودمرت البنى التحتية المتهالكة أصلاً، وتسبّبت بتشريد أكثر من 8.5 مليون شخص، حسب الأمم المتحدة.

ونتيجة المعارك أصبح 70 بالمائة من المرافق الصحية السودانية خارج الخدمة، حسب بيانات الأمم المتحدة، كذلك يواجه 1.7 مليون سوداني في دارفور خطر المجاعة.

حذّرت الأمم المتحدة، الجمعة، من أنها لم تتلق إلا 12 في المائة من تمويل بقيمة 2.7 مليار دولار طلبته لمساعدة حوالى 15 مليون شخص في السودان.


استهداف ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليمن

جندي حوثي يقف في حالة تأهب أمام سفينة «غالاكسي» الإسرائيلية التي استولى عليها الحوثيون هذا الشهر (أ.ب)
جندي حوثي يقف في حالة تأهب أمام سفينة «غالاكسي» الإسرائيلية التي استولى عليها الحوثيون هذا الشهر (أ.ب)
TT

استهداف ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليمن

جندي حوثي يقف في حالة تأهب أمام سفينة «غالاكسي» الإسرائيلية التي استولى عليها الحوثيون هذا الشهر (أ.ب)
جندي حوثي يقف في حالة تأهب أمام سفينة «غالاكسي» الإسرائيلية التي استولى عليها الحوثيون هذا الشهر (أ.ب)

قالت شركة «أمبري» البريطانية للأمن البحري اليوم (السبت) إنها تلقت معلومات عن تعرض ناقلة نفط ترفع علم بنما لهجوم على بعد 10 أميال بحرية تقريباً إلى جنوب غربي مدينة المخا اليمنية. وذكرت «أمبري» أن اتصالاً لا سلكياً أشار إلى أن السفينة أُصيبت بصاروخ، وأن حريقاً اندلع على متنها، حسبما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء.

وأضافت «أمبري» في وقت لاحق أن الناقلة تلقت مساعدة، وأن الأنباء تفيد بأن إحدى وحدات التوجيه بالسفينة تعمل. ولم تذكر الشركة الجهة التي قدمت المساعدة.

وتشن حركة الحوثي اليمنية هجمات على السفن في المياه قبالة البلاد منذ أشهر تضامناً مع الفلسطينيين الذين يواجهون حرباً إسرائيلية في غزة كما يقولون.

ونصحت «أمبري» في مذكرة إرشادية السفن في محيط تلك المنطقة بتوخي الحذر والإبلاغ عن أي نشاط مشبوه. وكانت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية قد قالت في وقت سابق اليوم إن سفينة تعرضت لأضرار طفيفة في البحر الأحمر بعد إصابتها بجسم مجهول. وأضافت الهيئة في المذكرة: «السفينة وطاقمها بخير وتواصل طريقها إلى ميناء التوقف التالي».

وأوضحت أن الحادث وقع على بعد 76 ميلاً بحرياً شمال غربي الحديدة باليمن. وأجبرت تلك الهجمات شركات الشحن على تغيير مسار السفن ولجأت إلى سلوك طريق أطول وأكثر تكلفة حول جنوب أفريقيا، كما أثارت الهجمات مخاوف من اتساع نطاق الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس»، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. وتشن الولايات المتحدة وبريطانيا هجمات على أهداف للحوثيين رداً على هجمات الجماعة على حركة الشحن.


«قمة البحرين»... قرارات دعم فلسطين تبحث عن آليات تنفيذ

صورة جماعية للقادة العرب بقمة البحرين (رويترز)
صورة جماعية للقادة العرب بقمة البحرين (رويترز)
TT

«قمة البحرين»... قرارات دعم فلسطين تبحث عن آليات تنفيذ

صورة جماعية للقادة العرب بقمة البحرين (رويترز)
صورة جماعية للقادة العرب بقمة البحرين (رويترز)

تصدرت فلسطين اهتمامات القمة العربية بالبحرين، وظهر ذلك بشكل لافت في قرارات قوية، من بينها المطالبة بقوات حفظ سلام، والدعوة لإقامة مؤتمر دولي، والتمسك بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، لكنها تبحث عن آليات للتنفيذ. ووفق مصادر عربية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن هذه الآليات تشمل مواصلة الضغوط العربية دولياً، وتبني تحركات غير تقليدية؛ لاستثمار قرارات القمة الإيجابية سريعاً.

وتبنت قمة البحرين، في إعلانها الختامي الخميس، لغة مختلفة، سواء بالتشديد على وقف إطلاق النار في غزة ووقف عملية إسرائيل برفح فوراً، أو المطالبة بنشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأرضي الفلسطينية المحتلة إلى حين تنفيذ حل الدولتين. ويرى المحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي أن قمة البحرين اتسمت بـ«الواقعية»، وقال إن توصياتها «خلقت زخماً بأن هناك موقفاً عربياً موحداً تجاه دعم القضية الفلسطينية وأهل غزة».

بيان قمة البحرين، وفق آل عاتي، «يتماشى إلى حد كبير مع الظروف والقدرات الحالية وتداخلات المصالح والنفوذ الدولي في منطقة الشرق الأوسط»، لكنه يشير إلى أهمية تنفيذ قراراتها، وقال: «قضايا الشرق الأوسط متداخلة مع مصالح القوى الكبرى؛ ما يعني أنه إذا كانت الدول العربية تملك اتخاذ القرارات، يبقى الأهم، هل تملك القدرة على تنفيذها؟».

ويجيب المحلل السعودي عن تساؤله: «وقف إطلاق النار في يد إسرائيل، ومن يستطيع الضغط عليها هي الولايات المتحدة، مما يؤكد أن حل القضية لن يكون إلا بأيادٍ متعددة».

تعاطف كبير

في السياق، يقترب عمرو الشوبكي، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، من رصد سبل تنفيذ قرارات القمة العربية؛ إذ يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «الوضع الدولي به درجة كبيرة من التعاطف والدعم للقضية الفلسطينية التي أعيدت لصدارة الاهتمامات، لكن المشكلة الحقيقية في الأدوات الرسمية والتقليدية التي تستخدم في الجامعة العربية وفي أعقاب القمم».

وهنا يطالب بـ«ألا تقتصر آليات التنفيذ على الحكومات والجهود السداسية العربية؛ فمن المهم تفعيل ورقة ضغط جديدة وعبر آليات غير تقليدية بالتواصل مع المجتمع الأهلي والمؤسسات الداعمة للقضية الفلسطينية».

الشوبكي يمضي موضحاً: «تعد المؤتمرات الاستراتيجية التي تقام في عواصم عربية كالمنامة وأبوظبي والرياض وغيرها، ويوجد بها نخب وقادة رأي، فرصة لتعزيز تلك الأدوات غير التقليدية واستكمال الجهود الرسمية».

وعن أبرز قرارات القمة المتمثل في الدعوة لنشر قوات حفظ سلام، يرى الشوبكي أنها «فكرة جديدة، وتعد ورقة ضغط على إسرائيل، لكن ستقابل بـ(فيتو) من تل أبيب؛ لأن الفكرة تحمل في طياتها اعترافاً بالدولة الفلسطينية، ولأن قوات حفظ السلام تكون دائماً بين قوتين معترف بهما، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لا يعترف بالسلطة الفلسطينية وليس (حماس) فقط».

نتيجة لذلك، يعتقد الشوبكي أن «فرص إقامة مؤتمر دولي للسلام أقوى من نشر قوات حفظ سلام»، مؤكداً أن «الغطاء الدولي لا بديل عنه في حلحلة القضية الفلسطينية، رغم أن أميركا لا تفضل إقامة مؤتمر دولي؛ لأنه سيترتب عليه وجود روسيا والصين».

ويستطرد: «لذا من المناسب البناء على التوافقات التي أوجدتها قرارات المنامة، واللغة المستخدمة فيها الأعلى قليلاً من القمم السابقة، في السعي لامتلاك آليات التنفيذ عربياً ودولياً».

الأمين العام للجامعة العربية ووزير الخارجية البحريني (رويترز)

«مخالب عربية»

المحلل السياسي الأردني، منذر الحوارات، يصف بدوره، قرارات القمة بأنها «نقطة مهمة وفارقة حددت فيها الدول العربية علاقاتها من القضية الفلسطينية، ووضعت الكرة في ملعب إسرائيل».

ويشير الحوارات على وجه التحديد إلى طلب القمة نشر قوات دولية، ويرى أنه «بمثابة صفعة حقيقة لواشنطن»، لكنه يستدرك: «المهم التنفيذ، وموقف عربي موحد يضغط بشكل حقيقي على الولايات المتحدة في هذه المرحلة المعقدة». ويضيف: «المضي قدماً نحو تنفيذ تلك القرارات يحتاج إلى مخالب عربية؛ فأميركا وإسرائيل لا تفهمان عادة اللغة الناعمة». أما الخبير الفلسطيني والقيادي بحركة «فتح»، جهاد الحرازين، فيقول في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «القرارات إيجابية، وآليات التنفيذ ستثمر في ظل مواصلة الضغط والدعم العربي في كل الاتجاهات دولياً».

ويمضي موضحاً «اللجان الوزارية العربية، مهمة في إنجاز التحركات، ووضع القرارات العربية محل مشاورات جادة للتنفيذ، وسيكون أمام الدول مهمة التصعيد دبلوماسياً وسياسياً. ويضيف: «من المهم أن يدعم العرب الشعب الفلسطيني في ظل معضلة مالية يواجهها إثر قرصنة إسرائيل لأمواله، بالتوازي مع التصعيد الدبلوماسي والسياسي». الحرازين يلفت إلى أن «المواقف العربية دعمت القضية الفلسطينية في القمة، خاصة الموقف السعودي الجاد والذي يحتذى به ويبني عليه مجموعة من القواعد في التحركات العربية القادمة لتنفيذ القرارات».


حملات ميليشياوية تستهدف المنشآت الصناعية في تعز

منشأة صناعية في تعز استهدفتها حملة حوثية (فيسبوك)
منشأة صناعية في تعز استهدفتها حملة حوثية (فيسبوك)
TT

حملات ميليشياوية تستهدف المنشآت الصناعية في تعز

منشأة صناعية في تعز استهدفتها حملة حوثية (فيسبوك)
منشأة صناعية في تعز استهدفتها حملة حوثية (فيسبوك)

بدأت الجماعة الحوثية تنفيذ حملات ميدانية تستهدف المنشآت الصناعية الكبيرة والمتوسطة والأصغر في المناطق الخاضعة لها من محافظة تعز، حيث فرضت على كثير منها دفع جبايات مالية تحت أسماء متعددة وغير قانونية، منها مخالفة الجودة.

وذكرت مصادر تجارية في تعز، لـ«الشرق الأوسط»، أن الحملات التي تنفذها الجماعة الحوثية عبر ما تسمى هيئة المواصفات استهدفت بالتعسف والابتزاز منشآت صناعية عدة بمنطقتي «التعزية» و«الحوبان» شمال وشرق المدينة، منها مصانع البسكويت والحلويات، والإسفنج والسجائر، والمعلبات والمواد الغذائية والكهربائيات، والبلاستيك والألمنيوم والأدوات المنزلية، والسمن والصابون، وزيوت السيارات، والمطهرات والمنظفات.

عناصر حوثيون يتجولون في أحد المصانع في تعز (إعلام حوثي)

وتُعد منطقة الحوبان (شرقي تعز) إحدى أهم مناطق البلاد اقتصادياً؛ إذ يجري فيها عدد كبير من الأنشطة التجارية، وتُعد المقر الرئيسي لأكبر مجموعة تجارية في البلاد، وفيها أهم مصانعها وشركاتها، وشهدت، قبل الانقلاب الحوثي، نشاطاً عمرانياً مكثفاً.

وبرر الحوثيون حملات الاستهداف الحالية بأنها تأتي في سياق ما يسمونه تنفيذ أعمال تفتيش ورقابة ضد جميع المنشآت في المناطق تحت سيطرتهم في تعز التي تبعد نحو 256 كيلومتراً جنوب صنعاء.

ونقل الإعلام الحوثي عن مدير فرع هيئة المواصفات التابع للجماعة في تعز رياض البخيتي، تأكيده أن الحملة تشمل في مرحلتها الأولى سحب كميات من المنتجات الصناعية بزعم إخضاعها للفحص للتأكد من سلامتها، ومدى التزام مُلاك المصانع المستهدفة بما تسميه الجماعة «الاشتراطات الفنية».

ويقول مصدر تجاري في تعز، لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة من خلال حملتها الحالية تهدف إلى سحب كميات وأصناف مختلفة من المنتجات من تلك المصانع بحجة فحصها، ومن ثم مصادرتها بحجة أنها لا تتطابق مع المواصفات والشروط المطلوبة.

فرض الجبايات غير القانونية وسيلة حوثية لتمويل الجبهات (فيسبوك)

وشكا مُلاك منشآت صغيرة طالهم التعسف الحوثي من البطش والابتزاز، وقالوا إن الجماعة تشن حملات ضدهم لجمع إتاوات نقدية وأخرى عينية بالقوة تحت أسماء متعددة؛ أبرزها تمويل الجبهات ودعم إقامة الفعاليات.

وذكروا أن مشرفين حوثيين مدعومين بدوريات أمنية ومسلحين داهموا منذ أيام منشآت صناعية في مناطق عدة بتعز، ومارسوا أساليب الاستفزاز والابتزاز ضد مُلاك المصانع والعاملين فيها، بذريعة وجود مخالفات سابقة وجديدة عليهم، مع تهديدهم بالاعتقال والإغلاق والإجبار على دفع مبالغ تأديبية حال عدم الالتزام بالتعليمات.

تنديد بالتعسف

في حين تسعى الجماعة الحوثية للتضييق على التجار لإحلال طبقة جديدة من عناصرهم، ندد مصدر في الغرفة التجارية والصناعية بتعسف الجماعة ضد مُلاك المنشآت الصناعية وقال إن ذلك من شأنه أن يزيد من لهيب الأسعار لمختلف السلع والمنتجات بما فيها الأساسية التي سيتحمل تبعاتها عامة السكان الذين يعانون من الفقر.

ودعا المصدر، الذي طلب حجب هويته، إلى وضع حد لمثل تلك التعسفات المتكررة ضد من تبقى من العاملين بمختلف القطاعات التجارية والصناعية والحرفية وضد السكان في المناطق تحت سيطرة الجماعة.

وأكد المصدر أن الجماعة أجبرت مُلاك مصانع عدة في سياق حملتها على دفع جبايات مالية وعينية مضاعفة بعد أن اتهمتهم بمخالفة التعليمات الصادرة عن فرع هيئة المواصفات ومكتب الصناعة الخاضعين لها في تعز.

جانب من مصنع لتعبئة المياه المعدنية في تعز (فيسبوك)

وسبق أن ضاعفت الجماعة خلال الفترات السابقة من حجم الإتاوات والجبايات المفروضة على السكان والتجار في المناطق تحت سيطرتها، وسنَّت تشريعات غير قانونية رفعت بموجبها الرسوم الضريبية والجمركية والزكوية؛ بغية تغطية نفقات حروبها من جانب، بالإضافة إلى تكوين ثروات لقادتها ومشرفيها.

وكشف تقرير صادر عن مكتب الصناعة والتجارة التابع للجماعة عن تنفيذه منذ عام 2019 حتى منتصف 2022، سلسلة طويلة من الحملات استهدفت نحو 6 آلاف و91 منشأة ومحل تمويني متنوع في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة في تعز.


قيود انقلابية على تنقل اليمنيين بمزاعم مواجهة الغرب

مظاهرة لأتباع الجماعة الحوثية في صنعاء تحت مزاعم مناصرة غزة (رويترز)
مظاهرة لأتباع الجماعة الحوثية في صنعاء تحت مزاعم مناصرة غزة (رويترز)
TT

قيود انقلابية على تنقل اليمنيين بمزاعم مواجهة الغرب

مظاهرة لأتباع الجماعة الحوثية في صنعاء تحت مزاعم مناصرة غزة (رويترز)
مظاهرة لأتباع الجماعة الحوثية في صنعاء تحت مزاعم مناصرة غزة (رويترز)

ظل هاشم سعيد محتجزاً في نقطة تفتيش على الطريق بين العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء ومحافظة صعدة لأيام عديدة، قبل أن يجري نقله إلى أحد السجون في مدينة عمران شمال صنعاء، حيث تعرّض منذ مارس (آذار) للتعذيب والتحقيق معه بتهمة إرسال إحداثيات إلى تحالف «حارس الازدهار» الذي تقوده الولايات المتحدة لحماية الملاحة من هجمات الحوثيين.

كان سعيد، وهو اسم مستعار لعامل بناء، عائداً من إحدى قرى مديرية باقم التابعة لمحافظة صعدة معقل الجماعة الحوثية، بعد العمل في بناء منزل أحد قادة الجماعة في المديرية، وبمجرد إفادته عن ذلك في نقطة التفتيش، تمّ اختطافه واحتجازه بتهمة إرسال إحداثيات عن مواقع تابعة للجماعة في منطقة القطينات التابعة للمديرية، والتي تعرّضت لقصف طيران «تحالف حارس الازدهار» في فبراير (شباط) الماضي.

في نقاط التفتيش التابعة للجماعة الحوثية يجري اعتقال السكان والتحقيق معهم عن أسباب سفرهم وتنقلاتهم (أ.ف.ب)

احتجز سعيد أسابيع عديدة، وفق مصادر من عائلته تحدثت لـ«الشرق الأوسط» ولم يستطع إقناع المحققين الحوثيين بسبب وجود في محافظة صعدة، رغم امتلاكه وثائق ضمانة القيادي الحوثي صاحب المنزل الذي كان يعمل فيه، قبل أن يتدخل ذلك القيادي للإفراج عنه، وتقديم ضمانته الشخصية بعدم وجود علاقة مباشرة بينه والقصف الذي تعرّضت له المنطقة المذكورة.

في هذا السياق، ضاعفت الجماعة الحوثية - بحسب مصادر مطلعة - إجراءات تقييد السفر والتنقل بحق اليمنيين تحت مزاعم مواجهة الغرب، وذلك بعد ما يقارب العقد من سيطرتها على أجزاء واسعة من شمال البلاد، في حين لا يزال السكان في حاجة إلى وجود ضمانات وكفالات للوصول إلى محافظة صعدة والعمل أو الإقامة فيها.

وتعدّ إجراءات تنقل السكان في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بالغة التعقيد، خصوصاً في المحافظات والمناطق النائية، بينما تتزايد إجراءات الرقابة وتقييد حركة السكان في قراهم ومناطقهم بالقرب من المواقع العسكرية التابعة للجماعة، أو خطوط التماس مع الجيش الحكومي والمقاومة المساندة له، وتتضاعف بحق المتنقلين أو المسافرين هناك.

وبعد أن اضطرت الجماعة الحوثية إلى استحداث مواقع عسكرية جديدة لها، إما هرباً من غارات الطيران الأميركي، أو لنصب منصات إطلاق الصواريخ على السفن في البحر الأحمر؛ عمدت إلى مضايقة السكان بالقرب من المواقع المستحدثة، وتقييد تحركاتهم وأنشطتهم التجارية، ومنع انتقال سكان جدد إليها.

تقييد الإغاثة

خلال الأيام الأخيرة وقعت اشتباكات بين مسلحة بين أهالي جبل نهرة في مديرية حبيش التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) وأفراد من قوات الصواريخ التابعة للجماعة، بعد اكتشاف الأهالي استحداث الجماعة موقعاً لإطلاق الصواريخ في منطقتهم.

الضربات الغربية منحت الجماعة الحوثية مبررات لاتهام سكان بالتجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل (رويترز)

واختارت الجماعة جبل نهرة لارتفاعه الشاهق وإطلالته على البحر الأحمر، حيث تنفذ منذ أشهر هجمات على السفن التجارية، وعلى القطع البحرية الغربية التي تحمي طرق الملاحة الدولية.

إلى ذلك، فرضت الجماعة قيوداً على أنشطة المنظمات الإغاثية، بما فيها تلك التابعة لها، في المناطق التي تشهد استحداث مواقع عسكرية ومخابئ للأسلحة.

وكشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، عن أن الجماعة أوقفت سيارة تابعة لمنظمة إغاثية، في مدينة حجة، (123 كيلومتراً شمال غربي صنعاء)، منتصف مارس (آذار) الماضي، وهي مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، خلال توجّه السيارة إلى مديرية عبس شمال غربي المحافظة، لنقل معدات طبية إلى مستشفى تديره تلك المنظمة، وجرى احتجاز الطاقم أياماً عدة ومنعهم من المرور.

وجاءت هذه الإجراءات بعد تعرض مواقع تابعة للجماعة في المديرية، وتحديداً في منطقة الجرّ، للقصف الأميركي - البريطاني، ورغم أن المنظمات الدولية والمحلية لا تنفذ أي أنشطة ميدانية، مهما بلغ صغرها، إلا بعد حصولها على ترخيص مما يعرف بـ«المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي»، وهو جهة استخباراتية أنشأتها الجماعة للرقابة على أعمال الإغاثة في مناطق سيطرتها، والتحكم بها.

منذ بدء الضربات الأميركية البريطانية لجأت الجماعة الحوثية إلى استحداث مواقع ومخابئ جديدة لأسلحتها (رويترز)

وأعادت الجماعة الحوثية نشر منصات إطلاق صواريخها وطائراتها المسيّرة على السلسلة الجبلية المطلة على منطقة سهل تهامة والساحل الغربي للبلاد والبحر الأحمر، بالإضافة إلى نشر تلك الأسلحة في مزارع السهل والساحل، وحفر خنادق في مختلف المناطق القريبة من البحر.

ومنذ أيام أعلنت الجماعة عن تمكنها من ضبط 10 أفراد من أهالي منطقة تهامة الساحلية، واتهمتهم بجمع معلومات ورصد مواقع عسكرية تابعة لها لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، في خطوة لاقت استنكاراً محلياً، واتهامات للجماعة بالتضحية بالسكان الأبرياء لتأكيد مزاعمها في مناصرة أهالي قطاع غزة.

ترهيب السكان الجدد

لجأت الجماعة الحوثية أخيراً إلى إلزام مسؤولي الأحياء المعروفين بـ«عقال الحارات» في عدد من المدن تحت سيطرتها بالإبلاغ عن السكان الجدد، والإبلاغ عن أي انتقالات جديدة للسكان، مشددة على ضرورة الحصول على معلومات كافية عن السكان المنتقلين حديثاً والكشف عن أسباب انتقالاتهم بصورة سرية، بحسب مصادر مطلعة.

المصادر نقلت لـ«الشرق الأوسط» أنه يُسمح بانتقال السكان واستئجار المنازل في المدن الكبيرة دون قيود مباشرة في البداية، مع إلزام الجماعة مسؤولي الأحياء بجمع المعلومات كافة عن أعمال وأنشطة أرباب العائلات، وأماكن سكنهم السابقة، ثم التحقق والتأكد من صحة تلك المعلومات، قبل استدعائهم ومواجهتهم بكل ما تمت معرفته عنهم وإجبارهم على توقيع تعهدات بعدم مخالفة أنظمة وتعليمات الجماعة.

وفسّرت المصادر هذا الأسلوب في التحري عن السكان لإرهابهم وبث الشعور بالخوف في نفسوهم، وبأنهم واقعون تحت رقابة شديدة؛ ما يجبرهم على الالتزام بأوامر الجماعة كافة.

إجراءات مشدّدة تتخذها الجماعة الحوثية تجاه المدنيين بحجة حماية مواقعها العسكرية من التجسس (أ.ف.ب)

ومن الشروط التي يُحبر السكان الجدد في أحياء تلك المدن عليها، عدم التخلف عن الإبلاغ عن أي نشاط يشتبه بمخالفته لأنظمة وشروط الجماعة في دائرة سكن وعمل جميع أفراد العائلات، إلى جانب الالتزام بدفع الجبايات والإتاوات التي تطلب منهم.

ويواجه السكان القادمون من خارج مناطق سيطرة الجماعة، أو العائدون إليها بعد فترات غياب طويلة، إجراءات رقابية شديدة، قد تصل إلى حد إلزامهم بتقديم إفادات أسبوعية حول أنشطتهم وتحركاتهم.

ولا تقتصر الإجراءات الرقابية على السكان والمنتقلين الجدد على المحاذير الأمنية للجماعة، بل تمتد لتشمل سعيها للحصول على المزيد من الموارد من خلال الجبايات المفروضة على الممتلكات، خصوصاً السيارات والمركبات والأنشطة التجارية.