جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

بريطانيا: العودة إلى مربع الاشتباك الأول

لم يبقَ على الموعد المحدد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوى شهر وأيام قليلة. ومع ذلك، صدر منذ أيام حكم المحكمة العليا الذي يقضي بعدم قانونية تعليق البرلمان، مما يعني عملياً أن الطريق إلى «بريكست» قد ازداد ضبابية، واختناقاً بالمطبات البرلمانية والقانونية، ولم يعد ممكناً لحكومة بوريس جونسون تحقيق وعدها (إلا بمعجزة!) بالخروج في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) مهما كلف الأمر.
أسدل الستار مؤقتاً على خشبة المسرح السياسي، في انتظار إعداد الخشبة لعرض آخر، ليس في مقدور المعلقين تحديد تضاريسه وملامحه. ويبدو كذلك أن قرار المحكمة قد أدخل الحكومة، وليس الجمهور فقط، في حالة شلل عن الحركة. وما في جيوب السحرة، من الخبراء المتجمعين في داوننغ ستريت، من ألاعيب ووصفات، قد لا يكون كافياً لإيجاد منفذ خروج واحد من النفق أمام رئيس الحكومة، يمكنه من فك حالة الحصار المرير المطبق عليه، سياسياً وقانونياً، حد الاختناق.
فما العمل؟ وكيف للممثلين، في العرض البريكستي الطويل، بإقناع الجمهور بأن صبرهم سيكافأ بالإثمار، عبر نهاية غير متوقعة، وما عليهم سوى الكف عن التململ وإبداء التذمر، كي يتمكن المؤلفون والمخرج من التفكير في إيجاد حل نهائي لعقدة المسرحية، متجسداً في نهاية كفيلة بإدخال السرور على قلوبهم؟
البرلمان عاد إلى استئناف جلساته، كما قرر رئيسه، وهذا يعني أن رياح الواقع والأحداث تسير في طريق معاكس لرغبات مركب رئيس الحكومة، في وقت يتسم بالتوتر السياسي، وبزيادة حدة الانقسام، وينذر بمخاطر لا أحد قادراً على التكهن بها على المستويات كافة. ورغم ذلك، وباستثناءات قليلة جداً، تتفق الأغلبية على خطورتها.
العودة إلى مربع الاشتباك الأول، تحت سقف البرلمان، لا مفر منها، كما اتضح لرئيس الحكومة السيد جونسون، لأن حكم المحكمة هذه المرة نهائي غير قابل للطعن، وجاء تأكيداً لحكم محكمة سبقتها عقدت في إدنبره، عاصمة اسكوتلندا، لحق حكمها كثير من الغمز واللمز من قبل الآلة الإعلامية في معسكر المطالبين بالخروج من الاتحاد الأوروبي. المشكلة أن ما في جراب الحكومة من الحيل الدستورية وصل إلى منتهاه، وعلى الخبراء الذين يزدحم بهم مقر السيد جونسون ليس إيجاد حل آخر يقيه محنة مواجهة النواب، بل خلقه مهما كلفهم الأمر. وفي حالة إخفاقهم، لا يبقى له سوى الانصياع لقرارات البرلمان السابقة بالتوجه إلى بروكسل، وطلب تمديد لمدة ثلاثة أشهر أخرى، وبلع وعده بعدم فعل ذلك، حتى وإن كان مصيره الموت في خندق!
البرلمان تلقى دعوة من رئيسه باستئناف جلساته، مما اضطر الزعيم العمالي جيرمي كوربين إلى تقديم خطابه في مؤتمر الحزب السنوي المنعقد في مدينة برايتون مدة 24 ساعة قبل موعده المحدد، ليتمكن من الوجود في جلسة البرلمان المقررة. وقد وصف في خطابه قرار رئيس الحكومة تعليق البرلمان بأنه «ازدراء للديمقراطية، وإساءة استخدام للسلطة». وطالبت زعيمة حزب اسكوتلندا القومي، نيكولا ستروجين، رئيس الحكومة بتقديم استقالته، في حين أن زعيمة الأحرار الديمقراطيين، جو سوينسون، قالت إن حكم المحكمة «أكد ما نعرفه فعلياً من أن بوريس جونسون ليس كفؤاً لتولي منصب رئاسة الحكومة، لأنه ضلل الحكومة والبلاد، وأخرس بشكل غير قانوني ممثلي الشعب».
الكرة الآن في ملعب الحكومة، ورئيس الحكومة وفي مقابلة مع قناة «بي بي سي» عندما كان موجوداً في نيويورك لحضور جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يستبعد تعليق البرلمان مرة أخرى، كما أنه لم يواصل البقاء هناك، حسب البرنامج المخطط، وحزم حقائبه وعاد على جناح السرعة للندن. ويبقى السؤال: كيف له أن يطلب من الملكة إليزابيث الثانية موافقتها على تعليق البرلمان مرة ثانية، بعد أن قالت المحكمة العليا إنه ضللها في المرة السابقة؟