سمير صالحة
اكاديمي ومحلل سياسي تركي
TT

تركيا الذاهبة إلى «جنيف2»

لا نقاش في أن حكومة العدالة والتنمية تعيش خيبة أمل كبيرة حيال تطورات ومسار الأزمة السورية، وأن أساليب التطويل والمراوغة في تقديم الحلول الإقليمية والدولية، قد تقود رجب طيب إردوغان لمراجعة مواقفه وسياسات حكومته إذا ما تأكد لها أن «جنيف2» المرتقب لن يكون سوى تكملة لـ«جنيف1» الذي اتخذ جملة من القرارات بقي معظمها حبرا على ورق.
أنقرة وعلى ضوء مواقف وتصريحات داود أوغلو الأخيرة قبل وبعد لقاء باريس، تشكك في قدرة وربما رغبة «جنيف2» في إطلاق خارطة الطريق السياسية الموعودة باتجاه الحل، بل إن ما يقلق الأتراك اليوم هو التمسك بمقولة الحل السياسي التي ستحمي وتقوي النظام السوري أكثر فأكثر، وستعطيه الفرص الجديدة لمواصلة عمليات القتل والتدمير والتلويح برغبة الشعب السوري في أن يراه على رأس السلطة لحقبة رئاسية جديدة.
وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ذكر في العاصمة الفرنسية بالموقف التركي، حول أن بلاده تأتي في مقدمة الدول التي تتحمل العبء الأكبر في ارتدادات هذه الأزمة ببعدها الإنساني والمالي والسياسي. وأنها تعايش هذه المعضلة منذ بدايتها عام 2011.
لماذا يكرر وزير الخارجية التركي موقف بلاده المعروف هذا؟ هل لأنه يشعر أن غاية لقاء باريس الأهم كانت الضغط على المعارضة السورية للمشاركة في جنيف المرتقب من دون أية ضمانات سياسية تقدم باتجاه الإعلان عن الالتزام بتنفيذ خارطة طريق تنهي معاناة الشعب السوري؟ أم للإيحاء بأن أنقرة تعرف أنها تدفع ثمن رفضها التحرك المنفرد من خلال الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع النظام تتحول إلى مستنقع ومصيدة من الرمال المتحركة تطيح بالكثير من إنجازاتها الداخلية والخارجية؟ أم ربما لتوجيه رسالة إلى المجتمع الدولي أن تركيا تفهم ما يجري اليوم على أنه بات محاولة جديدة لإطالة عمر المشكلة لفترة أخرى عبر المماطلة في طرح الحلول والتصورات، وأن التجاذب الأميركي الروسي الذي تحول إلى تلاعب ومساومة معقدة في تفاصيل الملف بات مع الأسف العقدة الواجب تخطيها في أي نقاش يسبق رسم معالم خارطة طريق لمسار العملية السياسية في سوريا؟
أنقرة تشعر أن هناك استهدافا مباشرا لموقعها ودورها وأن البعض يحاول أن يربط بين رحيل الأسد ونظامه وإضعاف حكومة إردوغان في تركيا، لذلك هي تتحرك مجددا لطرح خطة معدلة حول مسار الحل في سوريا تنطلق من خطتها المعلنة في أواخر عام 2012، ورحب بها الكثير من العواصم العربية والغربية وقتها. والواضح أن الحكومة التركية التي تتحرك هنا بعيدا عن الأضواء أطلقت جملة من الأفكار والاقتراحات وناقشتها مؤخرا مع القيادة الروسية من خلال تصور حمله النائب الأول لوزير الخارجية التركي فريدون سينيرلي أوغلو إلى موسكو ومع طهران خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني الجديد جواد ظريف إلى تركيا، وحصلت على دعم وموافقة مبدئية من الطرفين كما فهمنا.
ويقوم التصور التركي الجديد الذي تقترحه أنقرة بشكل تدريجي وعلى مراحل بتبني وإطلاق خارطة طريق تطرح وتقر باسم المؤتمرين في جنيف يسبقها حوار سوري سوري بين أهم فصائل وأطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج تقوده وتشرف عليه الجامعة العربية والأمين العام للأمم المتحدة وتدعمه روسيا وإيران.
أما أهم النقاط الرئيسة في الاقتراح فهي كما نتابع تقوم على:
- الالتزام بوقف جميع العمليات القتالية فوق الأراضي السورية بقرار وتأييد أممي، تدعمه روسيا والصين وإيران.
- رفع العقوبات المفروضة على سوريا، لإتاحة توزيع المساعدات الغذائية والتمهيد في إطلاق مبادرة العودة التدريجية للاجئين السوريين إلى مدنهم.
- محاكمات عادلة للمتورطين في ارتكاب المجازر وتحديد مصير النظام السابق.
- هيئة مصالحة وطنية سورية تضم ممثلين عن القوى الرئيسة في المعارضة السورية الداخلية والخارجية، من أجل تشكيل حكومة انتقالية موسعة.
والواضح حتى الآن هو أن الخطة التركية التي حظيت بتأييد روسي إيراني مبدئي لم تنَل بعد التأييد الأميركي الأوروبي الكامل، وهذا ما ظهر إلى العلن من خلال تمسك غربي بمشاركة الائتلاف الوطني السوري في جنيف المقبل من دون أية شروط مسبقة أو ضمانات وتعهدات تقدم بتنفيذ قرارات «جنيف» الأول. وهذا ما دفع بداود أوغلو للتذكير أن مؤتمر «جنيف2» لا بد أن يسبقه هذه المرة إجابات واضحة حول جدول الأعمال.
أنقرة على قناعة أن البعض يحاول رمي الكرة في ملعب الائتلاف الوطني السوري المعارض، من خلال الضغط عليه لحضور مؤتمر جنيف المرتقب بوفد موحد وموقف موحد، وهو أكبر المستحيلات في الظروف الحالية وأمام الاقتتال الدائر بين أجنحة المعارضة السورية نفسها، فكيف تلتقي أجنحة المعارضة على تصور واحد يحمل إلى جنيف؟
لقاء داود أوغلو بقيادات الائتلاف الوطني السوري في مطلع الشهر الحالي في إسطنبول، وقبول المجتمعين للتصور التركي سيعقبه لقاء موسع في الأسبوع المقبل نسمع خلاله رأي المعارضة النهائي في الموقف من جنيف الموعود وجديته في المساعدة على حل الأزمة السورية.
أكثر ما يقلق أنقرة في هذه الآونة طبعا هو انزعاج البعض من التحرك التركي الأخير بأكثر من اتجاه وتحديدا نحو موسكو وطهران، وربما هذا هو السبب الذي يتحدث عنه البعض في تركيا حول تحرك أميركي إسرائيلي مضاد باتجاه قطع الطريق على الجهود التركية برد ثلاثي يهدف لإبعاد حكومة إردوغان عن المشهد السوري من خلال لعب ورقة جماعة غولن القوية في الداخل التركي، وإضعاف وعزل أنقرة دوليا تحت ذريعة علاقاتها ببعض الجماعات الإسلامية المتشددة الناشطة في سوريا وفي مقدمتها «داعش»، ومطاردة الكثير من الشاحنات التركية التي تستعد لعبور الحدود مع سوريا وقطع الطريق عليها بحجة نقل الأسلحة والعتاد إلى الجماعات المتطرفة الموجودة في سوريا.
أنقرة تشعر أن هناك محاولة استهداف مباشر لموقعها ودورها، وهي متمسكة بفكرة المؤامرة ضدها، وأن هناك محاولات دائمة لإبعادهما عن الملف السوري عبر سيناريو المساهمة في توتير أجوائها الأمنية والسياسية على هذا النحو الواسع في الإعلامين الغربي والعربي المؤيد لنظام الرئيس الأسد. وإن البعض يصر على لعب ورقة تأزم الداخل التركي لتتحول المسألة السورية إلى مواجهة داخلية تطيح بحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية والبرلمانية المرتقبة، فهل تنجح حكومة إردوغان في تحركها الجديد بالتصدي للعب ورقة الملف سوري ضدها، ويكون لها ما تريد هذه المرة؟